الغزو العراقي للكويت | أغسطس 1990.. غروب الشعارات وصعود الواقعية | محمد زكي الشيمي

الغزو العراقي للكويت | أغسطس 1990.. غروب الشعارات وصعود الواقعية | محمد زكي الشيمي

22 Jul 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

كان الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990 نقطة فاصلة في تاريخ المنطقة وفي شكل العلاقات السياسية فيها، كما أنه كان أحد أسباب انهيار المنظومة الأيديولوجية التي أدارت بشكل مباشر أو غير مباشر الخطاب الرسمي العربي في العقود الأربعة السابقة.

العلاقات البينية العربية قبل الغزو

قبل غزو الكويت، كانت العلاقات العربية – العربية قد شهدت انتعاشة في أواخر الثمانينيات، فتأسس اتحاد المغرب العربي، ومجلس التعاون العربي، الذي ضم مصر والعراق والأردن واليمن.

وكانت المقاطعة العربية لمصر، المستمرة منذ قمة بغداد، قد انتهت وعادت مصر لعضويتها في الجامعة.

كما كان للانتفاضة الفلسطينية أثرها في نقل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلي أرض النزاع، بعد أن ظلت القيادة الفلسطينية تتنقل من عمان لبيروت لطرابلس وأخيرًا إلى تونس البعيدة. ونتج عن الانتفاضة قبول الأردن فك الارتباط مع الضفة الغربية، وبالتالي قبول الفلسطينيين القرار 242، بما يعني استعدادهم للاعتراف بوجود إسرائيل بشرط التفاوض بين الطرفين.

وكان اليمن قد حقق اتحادًا سلميًا  بين شطريه الشمالي والجنوبي، كما كانت الحرب العراقية الإيرانية، والحرب الليبية في تشاد قد انتهت، والحرب الأهلية اللبنانية انتهت تقريبًا عبر تمرير اتفاق الطائف، أي أن المنطقة كانت تعيش فترة هدوء نسبية يمكن أن تشكل أساسًا لبناء العمل العربي المشترك على قواعد جديدة.

اقرأ أيضًا: مشكلتنا مع الديمقراطية: 1- هل يريدون الديمقراطية حقًا؟

تحطيم افتراضات القومية العربية

كان من أهم آثار الغزو أنه حطم مجموعة من الافتراضات الوردية التي رسمتها التيارات القومية العربية، فهو أولًا حطم فكرة أن العربي لا يقاتل العربي،  وأن العدو لأي عربي هو فقط العدو المشترك  لهم جميعًا أيًا كان “إسرائيل – إيران -الدول الغربية”.

صحيح أن هذه الفكرة لم تكن ابدًا صحيحة، وأن العرب كانوا يقاتلون بعضهم طيلة الوقت قبل الغزو كما في الحرب اللبنانية أو حرب الرمال أو حرب اليمن، إلخ، لكن الدعاية القومية كانت تحول هذا الصراع إلى صراع بين “رجعية” و”تقدمية”، أو بين “ثوار” و”عملاء”، أي باعتباره صراعًا أيديولوجيًا، وهو بالتالي في جميع الأحوال لا يستهدف ابتلاع دولة أو انتزاع ثرواتها أو تنفيذ وحدة بالقوة، وهو ما تم في أغسطس 1990، لتصبح الحقيقة ظاهرة فجأة أمام من تم تغييبهم بالشعارات لعقود.

كما أنه حطم بالتبعية فكرة عدم الاستعانة بغير العربي في مواجهة العربي، وهي فكرة كان القوميون قد نشروها بكثافة باعتبار البلاد العربية “الوطن العربي”، وحاملي جنسياته مواطنين في هذا الوطن، وبالتالي فلا يجوز الاستقواء بـ “الأجنبي” في مواجهة “الأخ”، وهي نظرية قامت على افتراض خاطئ، فكان من الطبيعي أن يثبت خطأها.

وعلى أية حال فهذه الفكرة أيضًا لم تكن صحيحة تماما قبل الغزو. سوريا مثلًا ساندت ايران ضد العراق في حربها كنتيجة لصراع البعث السوري مع البعث العراقي الممتد منذ انقلاب فبراير 1966 في سوريا، إلا أنه كما قلنا فإن الدعاية البعثية أبعدت ذلك عن دائرة التركيز باعتبار الصراع هو على من يمثل البعث الحقيقي ومبادئه الحقيقية.

تراجع مركزية قضية فلسطين

وكانت إحدى نتائج الغزو تراجع  مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للمنطقة بشكل عام، وعلى وجه الخصوص بالنسبة لدول الخليج وبالذات الكويت. ذلك أن الموقف الغريب الذي اتخذه ياسر عرفات وقيادات منظمة التحرير من الغزو، بالإضافة إلى حقيقة وجود رأي عام فلسطيني منتشر بدعم صدام حسين ازداد مع صواريخه على إسرائيل، أدى إلى فقدان القضية للكثير من الدعم حتي خارج المنطقة، فالعالم شاهد كيف يتم تأييد غزو دولة بالقوة ممن يطالبون العالم بمساندتهم ضد من غزوا أراضيهم بالقوة.

أمريكا جاءت لتبقى

من جهة أخرى، فإن القوات الأمريكية التي جاءت إلى الخليج منذ ذلك الوقت أصبح واضحًا أنها جاءت لتبقى، وهكذا فإن المنطقة التي كانت تودع آخر الجنود البريطانيين أوائل السبعينيات بآمال عريضة، والتي احتمت بالعراق بعد الثورة الإيرانية  باعتباره “حارس البوابة الشرقية”، اضطرت آخر الأمر إلى استدعاء الأميركان والبريطانيين بشكل علني ودائم لحمايتها من الجارين الطامعين، وهي سياسة كانت هناك محاولات دائمًا لتحجيمها قبل ذلك.

على سبيل المثال عندما طالب عبد الكريم قاسم بالكويت عام 1961، فإن الكويت طلبت قوات بريطانية بموجب معاهدة مشتركة، إلا أنه ما أن وصلت القوات العربية من مصر والسعودية، حتى طالبت الكويت بريطانيا بسحب قواتها لوصول القوات العربية، وكذلك فإن الإنزال الأمريكي في لبنان، الذي تم بطلب من كميل شمعون، والبريطاني في الأردن، الذي تم بطلب من الملك حسين في يوليو 1958، بعد انقلاب تموز في العراق وأزمة لبنان مباشرة، لم يدم إلا لمدة قصيرة للغاية.

المصلحة ترث الشعارات

علي أية حال، فإن الغزو مع ذلك صنع أول تكتل سياسي عربي مبني علي المصلحة المباشرة لأعضائه، وليس علي الشعارات أو التشارك في الأيديولوجيا، ذلك أنه رغم تباين النظم السياسية بين مصر وسوريا ودول الخليج، إلا أن منطق المصلحة فرض نفسه لتأسيس هذا التكتل الذي عرف بإعلان دمشق، والذي صمد لخمسة عشر عامًا.

اقرأ أيضًا:  في الأنظمة الشمولية.. لماذا يصل الأسوأ للقمة؟

التأثير المباشر على العراق

بالإضافة إلى كل هذا، فإن الغزو كان بداية لفترة طويلة من غياب العراق عن المنطقة سياسيًا، وهو غياب مستمر حتي الآن. وكان بداية لغياب آخر  للعراقيين من الظهور في الدول العربية، نتيجة لظروف حصار العراق، أو لتصفية حسابات سياسية، وإن كان هذا الغياب قد تراجع جزئيًا بعد سقوط نظام صدام عام 2003.

وقد أدى غياب العراق عربيًا،  بالإضافة للهزيمة في الحرب، إلى انهيار المنظومة الفكرية البعثية وعجزها عن إقناع العراقيين، وهو ما مهد الساحة في العراق لتمدد النفوذ الإيراني، عبر انتشار أفكار الأحزاب الدينية الموالية لها.

كما أدت الهزيمة في الحرب وما أعقبها من انتفاضة في الشمال الكردي والجنوب الشيعي، وما أعقب الانتفاضة من قمع، ثم حظر للطيران، إلى أن أصبح شمال العراق شبه مستقل عن بقية العراق منذ عام 1991.

وأيًا كانت التبريرات ونظريات المؤامرة التي يسردها البعض لتصوير الأمر باعتباره مصيدة مدبرة وقع فيها صدام، فإنه لا يوجد شك أن غزو الكويت كان أحد أكبر الحماقات التي ارتكبها على الإطلاق.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك