أيام قليلة تفصلنا عن بدء عرض فيلم Avengers: Endgame وهو الفيلم الذي يتفق عديدون على قدرته على أن يصبح أنجح أفلام هذا العام تجاريًا، سواء في السوق الأمريكي أو من حيث الاجمالي العالمي. ويراهن كثيرون أيضًا على احتمالية نجاحه في انتزاع لقب “أنجح فيلم في التاريخ” من فيلم جيمس كاميرون الشهير Avatar، الذي حقق ما يقرب من 2.8 مليار دولار عالميًا وقت عرضه في 2009.
ستان لي وأفنجرز.. رحلة التحديات من الورق إلى السينما
ينقلنا هذا لسؤال مهم: هل من الصواب قياس النجاح التجاري بإجمالي الإيرادات كعنصر وحيد فعلًا؟
الاجابة لا، لأسباب عديدة:
1- بعيدًا عن شباك التذاكر، فجزء كبير من المشاهدات والإيرادات والمكاسب يتحقق من مبيعات وسائط العرض المنزلية، وحقوق العرض على الفضائيات، أو وسائط الإنترنت الحديثة مثل نتفليكس.
2- فرق التضخم عامل مهم آخر في قراءة الأرقام. الفيلم الذي حقق مثلًا 200 مليون دولار في السبعينيات أكثر مبيعًا من حيث عدد التذاكر، مقارنة بفيلم يحقق 400 مليون دولار في 2020.
كيف تعالج هوليوود أزمة تسويق الأفلام المثيرة للجدل؟ | حاتم منصور
3- التغير في سلوكيات المشاهدة عامل آخر مؤثر. في الأربعينيات كانت قاعة السينما هي الطريقة الوحيدة المتاحة لمشاهدة الأفلام، وبالتالي لم يكن أمام الجمهور إلا شراء تذكرة. ساهم هذا في صمود بعض الأفلام لعروض استمرت سنوات وسنوات. بحلول الستينيات، انتشر جهاز التليفزيون، وتوفرت طريقة أخرى لمشاهدة الأفلام التي تقرر قنواته عرضها. أواخر السبعينيات انتشر جهاز شرائط الفيديو، وأصبح بامكان المتفرج مشاهدة ما يريد وقتما يريد في المنزل، وهو الاختيار المتاح حتى الآن مع ظهور أجهزة وتقنيات أخرى أحدث.
للأسف، يصعب احتساب تأثير فرق التضخم من حيث الإيرادات العالمية، لذا سنكتفي بعرض الأرقام الخاصة بالسوق الأمريكي للاستدلال على أكثر 10 أفلام حققت إيرادات عملاقة في شباك التذاكر الأمريكي، وما يعادل إيراداتها بأرقام اليوم. كل الأرقام المذكورة مصدرها موقع Box Office Mojo.
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 184,925,486 دولارًا.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 984,270,000 دولار.
تحفة والت ديزني الشهيرة كانت أول فيلم روائي طويل يُنفذ بالرسوم المتحركة، واستغرق تنفيذها سنوات، أما نجاحها فاستمر على مدار عقود وعقود حتى اليوم، مع كل مرة تعود فيها الى شاشات السينما. هذا فيلم من النوع الذي يمكن تقسيم تاريخ هوليوود من خلاله لـ (ما قبل – ما بعد).
أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام
يمكننا أن نتساءل عن مصير صناعة أفلام الكارتون لو لم ينجح هذا الفيلم بهذا الشكل الأسطوري وقت عرضه. نفس السؤال يمكن أن نكرره بخصوص شركة ديزني التي ساهم الفيلم في تثبيت أقدامها، وأصبحت حاليًا أضخم شركة ترفيه أمريكية وعالمية.
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 232,906,145 دولارًا.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 998,710,500 دولار.
أسطورة سينما الرعب الخالدة جعلت رؤوس ملايين المتفرجين تدور من الدهشة والفزع، بنفس القدر الذي دارت به رأس البطلة ليندا بلير في المشهد الأيقوني المرعب الشهير وسط الأحداث!
بصفة عامة، يمكن تلخيص نجاح الفيلم بالأساس لكونه نجح في اكتساب سمعة مضمونها أنه لا يماثل أي شيء آخر شاهدناه من قبل. حتى بمعايير اليوم، ورغم الآلاف والآلاف من أفلام الرعب بعده، يظل فيلمًا صاحب تأثير استثنائي على المتفرج.
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 111,721,910 دولارات.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,120,943,200 دولار.
عندما قرر المخرج الكبير ديفيد لين تنفيذ فيلم عن رواية الروسي بوريس باسترناك الشهيرة، توقع الكل عملًا ملحميًا وممتازًا كأغلب أعماله، لكن أحدًا لم يتخيل أن الفيلم الذي دارت أحداثه على خلفية التصعيدات التي انتهت بحرب أهلية في روسيا (1918-1921)، وقام ببطولته الوجه الصاعد وقتها عمر الشريف، سيصبح واحدًا من أنجح الأفلام في التاريخ.
عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت
لم يستقبل النقاد الفيلم بالثناء المعتاد لأعمال ديفيد لين، واتهمه عديدون بالمط والتطويل (عيب توارثه الفيلم ربما من الرواية الطويلة جدًا). لكن الجمهور الأمريكي على أي حال كان له رأي مغاير تمامًا.
هل كان للحرب الباردة في الستينيات وتصعيداتها تأثير ايجابي؟ هل هي قصة الحب القوية في الأحداث؟ هل هي حاجة الجمهور لمشاهدة فيلم يخبره أن وطنه أفضل من وطن خصومه وأكثر إنسانية ورحمة؟ الإجابة قد تكون (جميع ما سبق).
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 260,000,000 دولار.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,170,640,400 دولار.
صراع البقاء بين سكان بلدة سياحية صغيرة، وسمكة قرش عملاقة أثارت رعب المصيفين، وهددت الباقين بكساد سياحي كامل، انتهى بانتصار ساحق للمخرج الشاب وقتها ستيفن سبيلبرج، وشركة يونيفرسال، وهزيمة تامة وكساد لباقي الأفلام والشركات في صيف 1975!
ديناصورات سبيلبرج بدون طفرات في JURASSIC WORLD: FALLEN KINGDOM
منحنا هذا الفيلم ثلاثة عناصر تاريخية في تاريخ السينما. مخرج عملاق له صولات وغزوات أخرى في شباك التذاكر (الوحيد الذي سنقابله مرتين في القائمة)، ومنهج مختلف لصناعة الأفلام مستمر حتى اليوم في هوليوود، وقائم على فكرة التركيز فنيًا ودعائيًا على فيلم محدد طوال العام، أملًا في أن يحقق مبيعات عالية محليًا وعالميًا.
أما العنصر الثالث فهو بالتأكيد موسيقى جون ويليامز التصويرية الثورية جدًا وقتها، والتي تظل حتى اليوم واحدة من أشهر الثيمات في تاريخ هوليوود.
موسيقى فيلم Jaws
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 65,500,000 دولار.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,182,930,000 دولار.
سبق للمخرج سيسيل دي ميل تقديم قصة موسى وفرعون في فيلم صامت أبيض وأسود بنفس الاسم عام 1932. عندما عاد لتقديمها أواخر الخمسينيات، لم تكن السينما قد اكتسبت الصوت والألوان فقط، لكنها كانت اكتسبت أيضًا معايير جديدة في الإنتاج الباذخ والخدع البصرية.
سبعة أفلام صاغت الحضارة المصرية القديمة بفخامة وهيبة بصرية | حاتم منصور
التوليفة الساحرة بين قصة دينية مؤثرة يؤمن بصحتها كل أصحاب الأديان الإبراهيمية، وبين الإنتاج الضخم، والخدع الثورية جدًا في وقتها، التي جعلت الفيلم يربح أوسكار المؤثرات البصرية، كانت كلها عوامل حاسمة في تحول هذا الفيلم لوحش كاسر في شباك التذاكر.
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 659,363,944 دولارًا.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,224,014,800 دولار.
الأجيال الشابة التي لم تعاصر الفيلم وقت عرضه قد تعرف الآن أنه كان نقطة الانطلاق لنجميه ليوناردو دي كابريو وكيت ونسلت، لكنها لن تستوعب غالبًا حقيقة مهمة جدًا عن تيتانك، وهي أنه كان ببساطة الفيلم الذي أعاد ملايين حول العالم لممارسة نشاط على وشك الانقراض وقتها، وهو الذهاب لدور السينما، أحيانًا مرتين وثلاثا وأكثر!
جاء تيتانك في عصر سيطرة شرائط الفيديو وأقراص الدي في دي، وأعاد للملايين القناعة أن بعض التجارب السينمائية والبصرية يستحيل استيعابها وتذوقها على شاشة تلفاز أيًا كان حجمه. المسألة كانت هوسًا شبه عالمي، أعاد لهوليوود هيبتها، وجعل المخرج والمنتج جيمس كاميرون مثار حسد من الكل.
مستقبل الترفيه: كيف تحققت نبوءة مخرج تيتانك في لعبة العروش وأفنجرز؟ | حاتم منصور
تيتانك الحقيقية غرقت في المحيط، أما تيتانك كاميرون فلم تطف فقط على سطح شباك التذاكر لشهور وشهور، لكنها أصبحت أيضًا السفينة القوية التي سحبت ستوديوهات هوليوود خلفها، وأقنعت عشرات المنتجين أن المغامرة بتمويل فيلم واحد بربع مليار دولار، قد لا يكون تصرفًا مجنونًا للدرجة!
احتاج كاميرون 12 عامًا بعد تيتانك، ليعود بفيلم جديد لقاعات السينما، وعندما عاد أخيرًا، كانت العودة بصيحة أخرى حققت مليارات، وغيرت مسار هوليوود أيضًا، اسمها Avatar والتقنية ثلاثية الأبعاد.
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 435,110,554 دولارًا.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,280,944,600 دولار.
اتضح أن كل ما تحتاجه لصناعة واحد من أنجح الأفلام في التاريخ، هو مجموعة أطفال لطيفة، وكائن فضائي أصلع صغير حائر في طريقة التواصل والحديث معها، وبعض المؤثرات البصرية الساحرة!
أو ربما ما تحتاجه صعب جدًا ونادر فعلًا. تحتاج إلى مخرج ذو قلب حساس وشاعري من نوعية ستيفن سبيلبرج، يستطيع صياغة قصة من هذا النوع بشكل عاطفي يلامس كل متفرج، سواء كان طفلًا في الخامسة أو عجوزًا سبعينيًا.
صمت الحملان | الصوت الهادر الذي زلزل هوليوود والأوسكار للأبد | حاتم منصور
أيا كان التفسير، فقد نجح هذا الكائن الفضائي غير الوسيم خلال زيارته القصيرة للأرض في اكتساح شباك التذاكر. وبقى بعدها بصورته كصديق العمر على حوائط غرف نوم أغلب أطفال الثمانينيات. أعلم هذا جيدًا لأنني واحد منهم!
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 159,287,539 دولارًا.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,286,641,000 دولار.
التلال حية بصوت الموسيقى كما تردد جولي آندروز في إحدى أغنيات الفيلم، وشباك التذاكر كان كذلك أيضًا عام 1965؛ بفضل هذا الفيلم الموسيقي الغنائي العائلي الذي فاقت إيراداته كل التوقعات!
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 460,998,007 دولارات.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,608,419,900 دولار.
منذ زمن غير بعيد في نفس مجرتنا وعلى نفس كوكبنا، وتحديدًا في أمريكا أوائل عام 1977، أوشكت شركة فوكس للإنتاج السينمائي على الإفلاس، لكن الإنقاذ أتى عبر فيلم ارتفعت ميزانيته من 8 ملايين دولار إلى 11 مليونًا، بسبب رغبة مخرجه جورج لوكاس في تقديم خدع بصرية مبهرة. فيلم ينتمي إلى فئة غير ناجحة بمقاييس هذا الوقت في شباك التذاكر (الخيال العلمي).
الغالبية كانت واثقة من فشل الفيلم حتى في استعادة تكلفته، بمن فيهم مخرجه نفسه، الذي هرب في أسبوع الافتتاح متجهًا إلى هاواي في إجازة؛ تجنبًا للفضيحة التجارية والإعلامية والنقدية المؤكدة!
في عيده الـ 20.. كيف غير “المصارع” هوليوود للأبد؟ | حاتم منصور
بدأ عرض الفيلم في 32 قاعة فقط في أمريكا كلها وقت الافتتاح في مايو 1977. بحلول أغسطس، كان الفيلم معروضًا في أكثر من ألف قاعة في أمريكا وحدها. باقي الأرقام كلها قياسية. الفيلم المتوقع فشله أنقذ الشركة من الإفلاس، وغير صناعة السينما للأبد.
المزيج الموفق بين أجواء الفضاء والمطاردات، وشخصيات الفرسان الأقرب للساموراي، مع الكائنات الفضائية غريبة الشكل والطباع، والروبوتات خفيفة الظل، في غلاف من الخدع البصرية المبهرة، كان في المجمل تركيبة مغرية جدًا لكل الأطفال والمراهقين. ولا يزال كذلك حتى اليوم، والدليل إيرادات باقي السلسلة لاحقًا.
إجمالي الإيرادات الأمريكية: 200,852,579 دولارًا.
ما يعادلها حاليًا بعد حساب فرق التضخم: 1,826,639,100 دولار.
قصة حب أخرى على خلفية فوضى وحرب أهلية أيضًا، لكنها الحرب الأهلية الأمريكية هذه المرة، في فيلم يعتبره البعض كارت التعريف بالسينما الكلاسيكية الأمريكية.
العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود
تفسيرات النجاح متعددة، لكن الفيلم ربما منح الجمهور ما يريده دومًا في كل قصة حب. ذكر جذاب ذو حضور تعشقه النساء، ويود الرجال أن يكونوا مثله (كلارك جيبل)، وإناث مختلفة الطباع والخلفيات في معاناة بسبب الحب، بشكل يخاطب كل المتفرجات، وعلى رأسهن فيفيان لي بطلة الفيلم.
أيًا كان التفسير، فلا يزال هذا الفيلم يتمتع بشعبية هائلة لدى جيل بعد جيل، خصوصًا وسط الجنس الناعم.
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
