في تغريدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي أعلن فيها دخول قواته التركية الأراضي السورية ليلة التاسع من أكتوبر ٢٠١٩، ذكر ٣ مصطلحات لتغطية هجومه على الشمال السوري؛ فأطلق على عدوانه تعبير “نبع السلام” وعلى قواته “الجيش المحمدي”، وعلى عملائه في سوريا “العناصر المحلية الداعمة”!
المصطلحات الثلاث تكرار لأسلوب أجداده العثمانيين في احتلالهم لمصر والشام اعتمادًا على المصطلحات نفسها تقريبًا!
عملية سوريا | هل استسلم ترامب؟ أم سلم أردوغان للأكراد؟ | س/ج في دقائق
خسرنا جميعا في سوريا .. هيا نعوض بعض الخسائر على حساب الكرد | س/ج في دقائق
علي غرار وصف العثمانيين احتلالهم مصر والشام بالفتح، ذهب أردوغان لاستخدام المنطق نفسه؛ فوصف حربه في الشمال السوري بأنها “نبع السلام” وكأن التاريخ يعيد نفسه. مصر والشام كانتا تحت حكم السلطان المملوكي المسلم قنصوه الغوري، حين قرر السلطان العثماني سليم الأول ضمهما للأراضي العثمانية، فما كان منه إلا الزعم بأنه لم تكن لديه نية احتلال مصر والشام لكنه فعل مضطرًا لتأمين ظهر الدولة العثمانية من الدولة الصفوية الشيعية!
إنفوجرافيك تفاعلي| أنت والعثمانيون والحرب العالمية الأولى .. تاريخك في دقائق
لجأ سليم الأول إلى نفس حيلة “أردوغان” في اعتماده على الخونة الذين اسماهم تخفيفًا “العناصر المحلية الداعمة”؛ عناصر سياسية وأخرى دينية!
كان المشايخ الخونة من تلك العناصر المحلية الداعمة للغزو العثماني في مصر والشام. كتبوا عريضة للسلطان العثماني بواسطة ممثلي المذاهب الأربعة يطلبون فيها التخلص من حكم المماليك والانضمام تحت الحكم العثماني، والرغبة في مساعدة السلطان سليم في الزحف على حلب!
في كتابه “تاريخ مصر” يذكر المؤرخ العثماني عبد الله جلبي رضوان باشا أن:
إلى جانب تلك العناصر الدينية الداعمة للاحتلال، نشطت عناصر سياسية أكثر دعمًا، مثل خاير بك أمير حلب، وجان باردي الغزالي نائب حماة، وهو ما ذكره المؤرخ المصري ابن إياس في كتابه “بدائع الزهور في وقائع الدهور”، قائلًا:
معلومة سيخفيها عنك الإخوان العثمانيون: مصر تدفع الجزية لتركيا عام ١٩٥٤. لماذا؟ | س/ج في دقائق
تحت مزاعم تعطيل الشريعة ومخالفتها، وخلف مبررات تحالف سلطان المماليك قصوه الغوري مع الدولة الصفوية الشيعية، غزا العثمانيون الشام، ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل قرروا احتلال مصر في طريقهم، فهزيمة السلطان الغوري في مرج دابق سنة 1516م، فتحت الطريق لهزيمة طومان باي في الريدانية واحتلالهم القاهرة سنة 1517م.
قاوم طومان باي احتلالهم مصر حتى هزموه وأخذوه أسيرًا، وسأله سليم شاه عن رفضه الاعتراف بالسلطان من البداية، فأجابه طومان باي بأنه “ملزم بالدفاع عن بلاد هو حاكمها، ويجب عليه حمايتها، أما أنت، فلا أدري كيف تبرئ نفسك أمام الله من اعتدائك الجائر على بلادنا”.
السلطان العثماني سليم الأول كان قد اتخذ لنفسه غطاءً دينيًا لتغطية احتلاله الوحشي الغاشم لمصر والشام منذ البداية، وقد ذكر ابن إياس أنه أرسل إلى طومان باي يقول له:
الأولى: “إذا نادى أحد سلاطين الإسلام بالجهاد لإبادة المارقين، فصادفته عوائق بسبب المساعدة التي يبذلها لهم سلطان آخر من سلاطين المسلمين، فهل تتيح الشريعة الغراء لأولهما أن يقتل الثاني ويستولى على مملكته؟
يشير سليم إلى تحالف الغوري مع الدولة الصفوية، ويزعم أنهم يبذلون المساعدة لهم، لتكون إجابة المفتي: “من نصر كافرًا فهو كافر”.
الثانية: إذا كانت أمة من الأمم التي تدين بالإسلام، تؤثر تزويج بناتها من الكفار، بدلًا من تزويجهم بالمسلمين، فهل يجوز مقاتلة هذه الأمة؟
يقصد قبول المصريين بالزواج من المماليك الذين وصفهم بالكفر في المسألة الأولى، ليصرح المفتي بالموافقة على قتالهم “بلا مبالاة ولا مقاضاة”!
الثالثة: إذا كانت أمة تنافق في احتجاجها برفع كلمة الإسلام، فتنقش آيات كريمة على الدراهم والدنانير، مع علمها بأن النصارى واليهود يتداولونها هم وبقية الملاحدة، فيدنسونها ويرتكبون أفظع الخطايا بحملها معهم إذا ذهبوا إلى محل الخلاء لقضاء حاجتهم، فكيف ينبغي معاملة هذه الأمة؟
أجاب المفتي، قائلًا: “إن هذه الأمة، إذا رفضت الإقلاع عن ارتكاب هذا العار، جاز إبادتها”!
الإسلام وأصول الحكم.. قصة كتاب كشف ملامح مصر بعد ثورة 1919
وبنص وحرف سيناريو أردوغان في تبرير دخوله الأراضي السورية، عمل سلفه السلطان العثمانلي سليم الأول! نفس اعتماده على خيانة مشايخ الشام الذين أصبحوا لاجئين إليه، مطالبين بالتدخل الفوري لاحتلال بلادهم، بحجة تطبيق الشريعة المعطلة وإنقاذهم من حكم المماليك!
يقول البعض إن أردوغان وصف قواته بـ “الجيش المحمدي” نسبة للنبي محمد، ويقول آخرون إنه نسبة للسلطان محمد الفاتح، ويقول غيرهم إنه نسبة لجندي عثماني اسمه محمد الصغير كان أول من قتل في حرب الأتراك والليبيين ضد إيطاليا سنة ١٩١١م، وأصبح جنود الجيش العثماني من وقتها يطلق عليهم وصف “محمديون”، ويقال إن “محمد الصغير” المقصود هو جندي عثماني آخر قتل في معركة “الكوت” في العراق، ظهرت شخصيته في المسلسل التركي “كوت العمارة” تخليدًا لاسمه.
وصف “الجيش المحمدي” إذًا كان حيلة من “أردوغان” لحصد مزيد من الدعم والحشد، باللعب على وتر الروح الدينية الإسلامية والروح القومية التركية معًا. كان الوصف غطاء أيضًا لتغطية رغبة “أردوغان” الاستعمارية العثمانية.
غزو الكويت دشن المشروع الإخواني القطري
الحرب الدائرة على أرضنا ولا نراها | خالد البري | رواية صحفية في دقائق
قراءة الطالع في خطوتين – الإخوان العثمانيين والساموراي | خالد البري | رواية صحفية في دقائق