الجحيم هو “نحن” في Us | حاتم منصور

الجحيم هو “نحن” في Us | حاتم منصور

25 Mar 2019
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في Us، أحدث أفلام المؤلف والمخرج الأمريكي جوردان بيل، تبدو الرسالة الرمزية في الفيلم، امتدادا لرمزية وازدواجية العنوان نفسه. كلمة Us تعني في الإنجليزية “نحن”، لكنها أيضا اختصار United States أو “الولايات المتحدة”.

وسط كل أجواء الرعب طوال الأحداث، يكرر بيل هذا الترميز والتلميح من وقت لآخر. من أنتم؟ نحن أمريكيون. هكذا تجيب إحدى شخصيات الفيلم بتلقائية على السؤال.

عن ماذا تدور الأحداث؟ الإجابة سهلة لكنها غير محبذة نهائيا. كلما عرفت أقل كلما استمتعت بالفيلم أكثر، لكن هذا هو الإعلان على أي حال للمصممين على مخالفة النصيحة.

إعلان فيلم Us

لسنوات طويلة ظل جوردان بيل معروف بالأساس كممثل كوميدي من ممثلي الصف الثاني في التليفزيون، قبل أن يلفت الأنظار منذ عامين بفضل فيلمه الأول كمخرج Get Out الأقرب لأجواء الغرائبيات والغموض والرعب. نفس الأجواء التي يعود إليها هنا في فيلمه الثاني.

هذه النقلة من الكوميديا للرعب تبدو غريبة للوهلة الأولى، لكن في الحقيقة يحتاج النوعان لمهارة سينمائية رئيسية واحدة، وهى مهارة اختيار وضبط التوقيت:

  • متى تلقي نكتة/ صدمة/ موقف مرعب وسط الأحداث؟
  • ما هي الفترة اللازمة التي يحتاجها المتفرج بالظبط ليصل إلى مرحلة التشبع من النكتة/ الموقف المرعب؟

قصة المونتاج.. الفن الذي ميّز السينما عن بقية الوسائط

يجيد جوردان بيل هذه المهارات، ويستفيد أيضا من خبراته الكوميدية أحيانا، بإضافة مشاهد مرحة وسط الأحداث. هذه المشاهد لا تخفف فقط حدة الشد العصبي من وقت لآخر، كتأهيل ضروري للمتفرج ليصبح قابلا للتأثر من جديد بالصدمة التالية، لكنها تمتزج جيدا بمشاهد الرعب والتوتر أيضا، لتخلق إيقاعا فوضويا وجنونيا مفيدا جدا في بعض المقاطع.

وينستون دوك في لقطة من US

الشخصية التي يلعبها الممثل وينستون دوك تحديدا، يقع عليها العبء الأكبر في تقديم هذه المشاهد المرحة، وإلى حد كبير نجح ببساطته وحضوره في تنفيذ المطلوب منه، كأغلب الممثلين هنا.

أسوأ 10 أدوار في أفلام الأبطال الخارقين

لكن التمثيل الأفضل، والعنصر الأهم والأقوى في الفيلم ككل عامة، يخص لوبيتا نيونجو بالتأكيد. المطلوب منها هنا كثير جدا – بالنسبة لفيلم واحد – لكنها نجحت في تأسيس شخصيتين بطابع سلوكي وصوتي وحركي مختلف، لدرجة ننسى معها تماما أن هذه نفس الممثلة.

لوبيتا نيونجو في Us

نيونجو هى المحور الرئيسي للأحداث، والقلب النابض لحبكة لفيلم، والسبب الرئيسي في ارتقائه من تصنيف (الفيلم الجيد) ليلامس تصنيف (الجيد جدا). لازلنا في شهر مارس والوقت مبكر جدا للحديث عن الأوسكار، لكن غالبا سيصمد أداؤها لتصبح واحدة من المرشحات الخمس لأفضل ممثلة في 2020.

10 أفلام مُنتظرة العام القادم في سباق أوسكار 2020

على المستوى البصري يحافظ بيل على نفس منهجه في Get Out ويبتعد تماما عن ألاعيب الجرافيك، التي يستخدمها كثير من صناع أفلام الرعب الهوليوودية مؤخرا بإفراط وابتذال. ويوظف بدلا منها الأدوات الكلاسيكية في سينما الرعب، التي تعتمد على التلاعب بجزئيات مثل الظلام والتعتيم والمونتاج.

شريط الصوت لا يقل أهمية بفضل الأغاني التي اختارها بيل لتواكب الأحداث. ويبدو أحيانا أقرب للمدرسة القديمة أيضا، بفضل الموسيقى التصويرية التي ألفها مايكل أبيلس، التي تأخذ في بعض المقاطع طابعا أوبراليا وتراثيا، قريبا من كلاسيكيات مرعبة، قد يكون أشهرها ما قدمه جيري جولدسميث في The Omen.

تعرض جوردان بيل في Get Out لقضية العنصرية ضد السود داخل المجتمع الأمريكي، واستفاد جماهيريا وإعلاميا وقت عرضه – وتصويتيا أيضا في موسم الأوسكار على ضوء فوزه بجائزة أفضل سيناريو – من حالة الاستقطاب الحالية في عهد ترامب.

هنا يكتفي بملامسة أقل وضوحا ومباشرة لقضية المهاجرين، ويترك للمتفرج مساحة وحرية أكبر لتفسير مضمون ومغزى الفيلم. بفضل هذه المساحة فقط وما ستثيره من نقاشات وتساؤلات واختلافات في التأويل، قد يصمد Us في المقارنة مع فيلمه السابق الأكثر أصالة وجودة.

Green Book.. ما نجح فيه “الكتاب الأخضر” وفشلت فيه السينما المناهضة للعنصرية‎

الأهم أن منهج الملامسة حمى جانب الترفيه والتسلية في الفيلم من الذبح كقربان يضحي به بعض المخرجين حاليا، لإعلاء جوانب أخرى. التسلية هي الأساس هنا.

على ذكر التسلية، فتأثر جوردان بيل واضح بمسلسلات وأفلام الغموض والغرائبيات والخيال العلمي. لا عجب في اختياره مؤخرا لإعادة إنتاج المسلسل الشهير منطقة الغسق The Twilight Zone الذي بدأ عرضه أواخر الخمسينات، ويُعتبر واحدا من الأعمال الرائدة في هذا المجال. يذكر بيل هذا المسلسل وأفلاما أخرى كمصدر أساسي لإلهامه هنا.

أفلام ذكرها جوردان بيل كمصادر إلهام لفيلم Us.

فيلم Us لا يرقى لمستوى The Shining على صعيد الجودة والغموض والقابلية لاختلافات التأويل. ولا يتضمن محتوى بصريا إبداعيا يقارن بما قدمه هتشكوك في الطيور The Birds. وبالتأكيد لا يرقى لمنافسة الحبكة المتماسكة جدا في الحاسة السادسة The Sixth Sense بنهايته الأسطورية الشهيرة.

أنجح 10 أفلام رعب في التاريخ

ينقص Us الأصالة والتفرد التي جعلت هذه الأفلام وغيرها علامات خالدة في تاريخ سينما الرعب والغموض، لكن لا ينقصه نهائيا الإتقان السينمائي المطلوب، للتصنيف كعمل أفضل بكثير مما تقدمه هوليوود عادة حاليا في هذه النوعية.

باختصار:

عشاق سينما الرعب على موعد مع قصة مسلية، وساعتين من الشد العصبي المتقن، وأداء استثنائي من لوبيتا نيونجو سيضعها غالبا على رادار الأوسكار في الموسم القادم.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك