في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، نشرت الصحف الأمريكية تقارير مطولة عن مشرد ساعد فتاة أمريكية بكل ما يملك، عندما تقطعت بها السبل في الطريق إلى مدينة فيلادلفيا، فقررت مع رفيقها رد الجميل بطريقة مميزة، وساعداه على بدء حياة جديدة.
بعد عام كامل، ظهرت تفاصيل جديدة في الحكاية، التي نرصد مشاهدها كاملة في دقائق.
كانت كيت مكلور، 27 عامًا، في الطريق إلى فيلادلفيا، عندما نفد وقود سيارتها في ولاية بنسلفانيا.
الخوف ينتاب الفتاة التي وجدت نفسها وحيدة في سيارة معطلة على طريق سريع في ساعة متأخرة من الليل.
هنا، ظهر رجل تقدم باتجاهها. كان جوني بوبيت جونيور، 34 عامًا. شاب مشرد اتخذ من تقاطع مروري على الطريق السريع مأوى له.
الخوف ينتابها، لكنها لا تملك إلا طلب المساعدة من الوحيد الذي عرضها.
نصحها جوني بالانتظار داخل السيارة وإغلاق أبوابها بإحكام، على أن يذهب للبحث عن أقرب محطة لخدمة السيارات.
لم يتأخر جوني. عاد بعد دقائق وقد جلب الوقود اللازم لإعادة تشغيل السيارة بـ 20 دولارًا، كانت كل ما يملك.
لم يكن وقتها بحوزة الفتاة مكلور نقودًا. وعدت جوني بالعودة لرد المبلغ
في اليوم التالي، عادت مكلور إلى حيث وجدها جوني قبل ساعات. علمت أنه كان يعمل فني ذخيرة في المارينز، لكنه مر بظروف صعبة، بينها انفصاله عن صديقته وإدمانه المخدرات، تركته على هذا الحال.
تقول مكلور إنها اندهشت من استعداد جوني لتحمل المسؤولية عن أخطائه، ومساعدته لها بكل ما يملك رغم حاجته الماسة للنقود، ولمست رغبته في فرصة أخرى يثبت خلالها أنه شخص جيد.
أخبرت رفيقها مارك داميكو بقصة المشرد. زاراه عدة مرات محملين بالهدايا والأموال، لكنهما قررا أن هذا ليس كافيًا. بحثا معًا عن طريقة لمساعدته على بدء حياة جديدة.
بعد تفكير طويل، توصلت مكلور بمساعدة داميكو إلى الحل. أطلقا صفحة على موقع Go Fund Me، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. استعرضا قصة بوبيت. استفاضا في سرد تفاصيل حياته السابقة، وطلبا المساعدة في دعمه للعودة لحياته الطبيعية.
كان هدف الصفحة جمع 10 آلاف دولار؛ لتمكين بوبيت من استئجار شقة، وإمداده بالاحتياجات الأساسية، لحين العثور على وظيفة تمكنه من الاعتماد على نفسه.
المبلغ المطلوب لم يتأخر، واستمرت الصفحة.
في أقل من أسبوعين، كانت شهرة الصفحة قد وصلت أنحاء الولايات المتحدة، وتمكن الصديقان من خلالها جمع مبلغ 400 ألف دولار، واستمرت الحملة، ومعها المزيد من التبرعات.
يقول داميكو إن جوني لا يرغب بالعيش في الشوارع مجددًا، بل يريد أن يصبح فردا مؤثرًا في المجتمع،
أعلن الصديقان أن الأموال ستذهب إلى صندوقين ماليين لدعم بوبيت، بالإضافة إلى محامٍ ومستشار مالي لمساعدته في إدارتها.
أعطياه ملابس، واشتريا له سيارة جديدة ومعدات تخييم، وسمحا له بالإقامة خارج منزلهما.
لم ير بوبيت أنه يستحق كل هذا المبلغ. "فقط أحضرت لها بعض الوقود حتى تتمكن من إكمال طريقها. لم أكن أتوقع شيئًا مقابل هذا. هكذا حصلت على المال، من الآخرين، وعليّ أن أرد الجميل. لا يمكنني أن آخذ ولا أعطي"، يقول جوني "أريد أن أفعل الصواب. هذه الأموال أعطيت من أجل مساعدتي. فلماذا لا أساعد الآخرين ممن هم في مواقف مشابهة أو هؤلاء الذين يساعدون المحتاجين".
أصبح المشرد رمزًا للإنسانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت الحكاية إلى درس في رد الجميل.
اختفت قصة المشرد الشهم بعد حين، قبل أن يعود في أغسطس/ آب الماضي بمفاجأة.
رفع بوبيت دعوى قضائية ضد الرفيقين، متهما إياهما بالاحتيال والتآمر عبر استخدام أموال التبرعات لأغراض شخصية.
محامو بوبيت قالوا في الدعوى إن الزوجين استخدما الحساب لـ "تمويل نمط حياة لم يكن بوسعهما توفيره من قبل".
نمط الحياة الجديد يشمل رحلات إلى لاس فيغاس وفلوريدا، وسيارة بي إم دبليو حديثة.
يقول بوبيت إن الزوجين باعا سيارته، وطرداه من محيط منزلهما، ليعود للشارع رفقة شقيقه الأصغير، كما خسرا بعض أمواله في مقامرات، وامتنعا عن تزويده بأي بيانات مالية،
في مقابلة مع "فيلاديلفيا إنكويرر"، قال بوبيت إن التسول من أجل شراء المخدرات أفضل من محاولة الحصول على المال من داميكو ومكلور.
محامية بوبيت قالت لـ "بي بي سي" إنها ستدافع عنه دون مقابل، حتى تتأكد من استعادته لأموال التبرعات، وأنه لن يعود لحياة التشرد مجددًا، مضيفة أن الزوجين أنفقا نحو 75 ألف دولار فقط على رعاية موكلها. وقال متحدث باسم حملة "جو فند مي"، التي أطلقت لجمع التبرعات لبوبيت، إنه "ينظر في مزاعم سوء استخدام الأموال".
وأضاف: "سنعمل على ضمان تلقي جوني للمساعدة التي يستحقها، وأن نوايا المتبرعين تم احترامها".
مكلور قالت لصحيفة محلية إنها شعرت بالإحباط والخيانة، لكنها استدركت: "ما زلت أرغب في مساعدته رغم ما حدث، لكنني لا أريد أن أفقد وظيفتي بسبب ذلك".
وتعمل مكلور كموظفة استقبال في وزارة النقل بولاية نيو جيرسي، بينما يعمل رفيقها نجارًا.
الرفيقان قالا إن بوبيت أنفق ذات مرة 25 ألف دولار على تناول المخدرات في غضون 13 يومًا فقط.
قال داميكو لشبكة "إن بي سي" إن "كل دولار حصل عليه جوني بوبيت كان ينفقه على المخدرات"، مبديًا استعداه للسماح بمراجعة البيانات المالية لمعرفة كيف أنفقت الأموال وما تبقى منها. وقال لـ إن بي سي" إن نحو 150 ألف دولار لا تزال باقية.
تحريات الشرطة أثبتت صدق ادعاءات بوبيت، والسيارة البي إم دبليو ضبطت في منزل مكلور وداميكو.
وفي التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت منصة "جو فند مي" أن بوبيت سيحصل على ما تبقى من التبرعات، بعد أن أنفق الزوجان معظمها على شراء مقتنيات ثمينة وقضاء إجازات باهظة.
المنصة أضافت، في بيان رسمي، أنها ستحرص على حصول بوبيت على ما تبقى من تبرعات لم يصرفها مكلور وداميكو، وتعهدت
بمساعدة الشرطة في التحريات بشأن اتهام المشرد للزوجين.
ومع تطور التحقيقات، تكشفت الكذبة الكبرى.
تهمة الاحتيال امتدت من الزوجين إلى بوبيت نفسه. كان متواطئًا معهما منذ البداية، بحسب سكوت كوفينا، المدعي العام في منطقة بورلينغتون بولاية ويسكونسن.
التحقيقات التي أجريت لمعرفة مصير الأموال كشفت أن مكلور بعثت برسالة نصية إلى إحدى صديقاتها بعد ساعة واحدة من نشر القصة على الإنترنت، تقر فيها بأن القصة "مختلقة بالكامل".
منصة التبرعات أكدت أن الأموال المتبقية ستوزع على المتبرعين، الذين بلغ عددهم 14 الفًا، بينما توعد المدعي العام بعواقب وخيمة على الحملة التي كانت خيالية وغير قانونية، واحتجزت السلطات الزوجين والمشرد، ووجهت إليهم تهمتي النصب والاحتيال.