ولضمان استعادة أموالهم، اختار المقرضون الأوروبيون العائدات الرئيسية للدولة العثمانية كضمان للقروض.
وفي 1854، و1855، و1871، و1877، تفاوضت الدولة العثمانية على قروض بضمان الجزية التي تدفعها مصر.
بعد ذلك، جرى توحيد القروض الأربعة إلى ثلاثة في أعوام 1855، 1891، و1894، والتي ابتلعت فوائدها تقريبًا كل مدفوعات الجزية من مصر.
لكن المادة 18 نصت على تحرير مصر من جميع الالتزامات المتعلقة بالدين العام العثماني ما عدا تلك المتعلقة بالقروض العثمانية المضمونة على الجزية المصرية، والتي تشمل قروض 1855 و1891 و1894، لتتحول المدفوعات السنوية التي تقدمها مصر لخدمة هذه القروض إلى جزء من خدمة الدين العام المصري.
وقال رئيس الحكومة سعد زغلول إن مصر ليست ملزمة بمواصلة سداد فوائد ديون العثمانيين باعتبار أن الدولة العثمانية نفسها لم يعد لها وجود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وبالتالي سقط التزام مصر بدفع الجزية.
لكن حاملي الأسهم حشدوا جهود المجموعات الاقتصادية القوية في لندن لضمان مستحقاتهم.
وتكشف مداولات مجلس العموم في 1924 مداولات حول مسألة نصيب مصر من الديون العثمانية، حيث أكد رئيس الحكومة رامزي ماكدونالد أنه بحث الأمر مع رئيس الوزراء في مصر سعد زغلول.
وأكد وكيل وزارة الخارجية البريطانية آرثر بونسومبي أن حاملي السندات سيستمرون في تلقي مدفوعات الفائدة المستحقة لهم، معتبرًا أن الحكومة البريطانية تعتبر “ادعاءات” الحكومة المصرية غير مقبولة على الإطلاق، وتدرس الأمر برمته بالتشاور مع ممثلي المصالح المالية في القاهرة ومع الحكومات الأخرى المعنية.
يدلل على ذلك بأن قرض 1855 تحديدًا لم يحصل على موافقة مصر مطلقًا، بخلاف أن الدولة العثمانية كانت قد أسست صندوقًا لسداد الديون (Sinking Fund) كان يفترض أن ينهي أزمة الديون في 1900، وبالتالي فلا علاقة لمصر بدفع فوائد الديون العثمانية.
مع ذلك، رفع بنك روتشيلد دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية أمام المحاكم المختلطة، حيث أيد أغلبية القضاة حق حملة الأسهم في تلقي الفائدة من مصر.
استمر نظر الدعوى القضائية خمس سنوات، أودعت خلالها مصر الأموال المخصصة في حساب معلق لحين حل النزاع، بالتزامن مع مفاوضات مكثفة بين حكومتي البلدين.
وضغطت بريطانيا على مصر بتعليق حصتها من التعويضات الألمانية لحين التوصل إلى تسوية.
أخيرًا، توصل الطرفان إلى حل في 1929، حيث وافق رئيس الحكومة المصرية محمد محمود على تسوية شاملة تقضي بدفع 630 ألف جنيه إسترليني كدفعة أولى إلى روتشيلد، على أن تدفع مصر بعدها 16 دفعة أخرى قيمة كل منها 90 ألف جنيه إسترليني، ليصل الإجمالي إلى مليوني جنيه إسترليني.
وسددت تركيا الدفعة الأخيرة من الديون العثمانية في 25 مايو/ أيار 1954، لينتهي معها سداد فوائد الدين من مصر.
معاهدة لوزان لم تغير الوضع، حيث ممثل الحكومة البريطانية أمام مجلس العموم في 1924 إن المادة 18 من المعاهدة لا تعدل بأي حال الترتيبات الحالية التي يتم بموجبها استيفاء خدمة القروض من المدفوعات التي تقدمها حكومة مصر. وبالتالي، لا يوجد أي تغيير جوهري في موقف حاملي السندات.
إنفوجرافيك تفاعلي| أنت والعثمانيون والحرب العالمية الأولى .. تاريخك في دقائق
الإسلام وأصول الحكم.. قصة كتاب كشف ملامح مصر بعد ثورة 1919
الحرب الدائرة على أرضنا ولا نراها | خالد البري | رواية صحفية في دقائق