اللقاح الفكري.. ما تحتاجه لتكون قارئا واعيا (إنفوجرافيك)

اللقاح الفكري.. ما تحتاجه لتكون قارئا واعيا (إنفوجرافيك)

31 May 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لكل جيل حظه من حركة الأفكار، وجوّه الخاص الذي ينشأ فيه ويتفاعل معه، بما فيه من حسنات وسيئات. وبالنظر إلى الجيل الحالي، الذي يعرف بجيل الألفية، فقد تكون أفضل مزاياه هي التوصل السهل للمعرفة (وكذلك انتشار الكتب الورقية والرقمية بمعدلات لا سابق لها)، وأوضح عيوبه هي غياب المنهج الواضح للاستفادة من هذه المعرفة، وقلة المرشدين المعروفين أو المأخوذ بكلامهم.

لمست ذلك بوضوح خلال تجربتي الحافلة (لأكثر من أربعين ألف سؤالا) على موقع “آسك”، الذي يوفر منصة لتوجيه الأسئلة دون الكشف عن هوية السائل في العادة، حيث لاحظت أن كثيرا من الأسئلة التي تتعلق بالمطالعة تدور إما حول ترشيحات لكتب أساسية في مجال ما، أو إرشادات إلى المجالات التي لا بد من توافرها كي تبنى عليها ثقافة نشطة.

وحيث أني ممن يعتقد بأن متانة المنهج أولى من غزارة المعلومات، والعلم القليل الثابت خير من الكثير الذي يتفلت ولا يأوي إلى عقل صاحبه، فقد آثرت الحديث عن مجالات رئيسة تمثل خير عدة للباحث عن المعرفة، مبتدئا كان أو لا.

أولاً: علوم الآلة، أو الفنون الثلاثة

كان الرومان الأقدمون يسمون هذه المباحث (اللغة، المنطق، والبلاغة) “بالفنون الحرة”، لأن المعرفة بها جديرة بالرجال الأحرار ومناسبة لمسؤولياتهم: التي تتضمن الجدل السياسي، الدفاع عن النفس في المرافعات، وكذلك خدمة الدولة.

اللغة: وبها لا أعني إتقان اللغة الأم بل أضيف إليها الإنجليزية أيضا. فأنت في حاجة إلى التمكن من الإعراب (النحو) والاشتقاق (الصرف) كي تستطيع استغلال خلفيتك اللغوية بكامل طاقتها، وتقدم على تشكيل أسلوب يناسبك وينبئ عنك فعلا، وكذلك كي تستفيد بأقصى قدر مما تطالعه، خاصة في الكتب الجادة والعلمية التي تميل لتركيز العبارة، وقد تتضمن بعض الدلائل الخفية في طيات الجمل.

كمصادر أولية أقترح: مختصر النحو ومختصر الصرف للشيخ عبد الهادي الفضلي، الشرح الميسر على الألفية للدكتور عبد العزيز الحربي، وجامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني. أما الإنجليزية فمساقات إتقانها لا تحصى، وأخص بالذكر ما صدر عن الجامعات المهمة كأكسفورد وكامبردج.

اقرأ أيضا: تجديد اللغة العربية: أي نهجيك تنهج؟

المنطق: عرّف القدماء علم المنطق بأنه “آلة قانونيّة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ”، وأرادوا من “قانونية” أنها تتكون من قواعد عامة، لا تقتصر على علم أو تختص بمبحث دون آخر.

وهكذا فإن دراستها ستجعلك محيطا بالقواعد والقوانين العامة للتفكير الإنساني الصحيح، وتجنّبك حين تلتزم بها سقطات الظن وخطرات الأوهام، مما يجعل أفكارك أشد تهذيبا، ونظرتك للحياة أدق وأوضح، وأبعد من الميل إلى الخداع الذي يحترفه كثيرون في هذا العالم – من الإعلانات التي تحاول السطو على انتباهك، إلى دعاة العون الذاتي الذين يعدونك بالنجاح والصعود.

كمصادر أولية أقترح: خلاصة المنطق للشيخ عبد الهادي الفضلي، المنطق للشيخ محمد رضا المظفر، والمغالطات المنطقية للدكتور عادل مصطفى. ويمكنك أن تستزيد بمطالعة كتب التفكير النقدي، مثل فن التفكير الواضح لرولف دوبلي.

البلاغة: يقول النفساني الكندي الشهير جوردان بيترسون في مقطع شهير له: “إن كنت تحسن التفكير والخطابة والكتابة، فأنت سيف ماض… علّموا الطلاب أن يكونوا فصحاء، فذلك أخطر أمرٍ يندبون إليه!”

لا يراد بالإحسان هنا أن تفرّغ نفسك لمحاسن الألفاظ وغرائب المعاني، بل أن يكون أسلوبك ناهضا بحجتك، وموصلا لمرادك، وشافيا لمن يقرأ أو يسمع لك. ولهذا فإني أرى أنسب طرق البلاغة ما كان وسطا بين نهج البلغاء القدامى وأساتذة الأسلوب اليوم، لأنك بذلك تجمع بين جزالة العربية الأصيلة ونصاعة الأسلوب المعاصر، ولا تخلّ بشيء منهما.

كمصادر أولية أقترح: البيان والتبيين للجاحظ، أدب الكاتب لابن قتيبة، جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر، وأدوات الكتابة لروي بيتر كلارك (وهو حسن التبويب، جزيل الفائدة، يكاد يغني عن غيره).

ثانيا: العلوم الإنسانية

قد يظن أكثر القراء أني أخطأت في الترتيب، فجعلت الإنسانيات قبل الطبيعيات سهوا، لكني فعلت ذلك عن علم بأن الإنسان إن لم يفهم نفسه وسائر البشر (أي العالم الناطق) بما يكفي، فليس مؤهلا بعد لأن يفهم المادة وتفاعلاتها (أي العالم الصامت).

الفلسفة: قدمتها على سائر العلوم لأنها تبحث في أشرف المسائل وأهمها، كأصل العالم وماهيته، طبيعة الأشياء التي يحتويها، طبيعة العقل وكيفية إدراكه، وكذلك الأخلاق التي ترشدنا لحياة طيبة مثرية.

من يشكو من تعقيد مسائلها أو وعورة أسلوب المشتغلين فيها، فإن الذنب لا يقع عليه في العادة، فلعله أخطأ في اختيار الكتاب الذي ظنه مدخلا لكنه مرتقى

لعل الفيلسوف الذي بدأ بقراءته اعتمد نهجا مستغلقا، وذلك أمر شائع يشكو منه حتى أساتذة فلسفة معاصرين – مثل البريطاني أ. ك. غرايلنغ (صاحب الكتاب الطيب، مجموع الحكمة والأدب الذي نافس به الكتاب المقدس) والأميركي وليم إرفاين (الذي ألف كتابا معاصرا شيقا عن نشأة الفلسفة الرواقية ومعالمها).

كمصادر أولية أقترح: تفكّر.. مدخل أخّاذ إلى الفلسفة لسايمون بلاكبرن، مدخل إلى الفلسفة لوليم جيمس إيرل (من ترجمة د. عادل مصطفى)، والعقل والطيبة في عالم طبيعي لريتشارد كارير (من ترجمتي).

التاريخ: كل من أدام النظر في ماضيه الشخصي (فضلا عما هو أوسع) سيعرف أن ميدان العلاقات الإنسانية لا يمكن أن يخضع للتجربة والتكرار، لأن للأفعال فيه عواقب يصعب محوها (أو يستحيل، حين تؤدي إلى أضرار دائمة في النفس أو الجسد).

ولكن أفضل وسيلة لتجنب أخطاء التجربة وسقطات التسرع هي أن تطالع أخبار الماضين بتوسع، وخير ترياق لثوران الحماسة وتدفق الاندفاع للتغيير (الملازم لسنّ الشباب) هو أن تتعمق في تاريخ بلادك، وتنتبه للأخطاء التي وقع فيها “المناضلون” من قبلك، سواء من أغراهم بروق المطامع أو غرّهم زهو السلطة.

كمصادر أولية أقترح: مختصر تاريخ العالم لإي. إتش. غومبريتش، مختصر دراسة للتاريخ لآرنولد توينبي، ورباعية إريك هوبزباوم عن التاريخ السياسي الحديث.

النفس والاجتماع: إن أضخم خرافة عليك تدميرها كي تصبح واعيا، هي الاعتقاد بأن كل مقاصدك عقلانية وأنك مسؤول عن كل ما تفكر فيه. ولهذا نقشت عبارة “اعرف نفسك” على معبد أبولو في مدينة دلفي اليونانية، وجعلها سقراط شعارا لفكره. ولعل أنفع المدارس التي ترشدك إلى هذا المقصد السامي هي التحليل النفسي (أو معرفة ما لا تسيطر عليه في تفكيرك)، الاقتصاد السلوكي (أو معرفة كيف يؤثر ذلك على حياتك)، وعلم النفس التطوري (أو معرفة كيف ولماذا نشأ ذلك كله).

كمصادر أولية أقترح: مبادئ التحليل النفسي لمحمد فؤاد جلال، توقع لاعقلاني لدان أرييلي، وعلم النفس التطوري لديلان إيفانز.

الاقتصاد والسياسة: أو أكثر مجالين يسودهما الوهم والأكاذيب، خاصة لدى شعوبنا العربية. فلكي تستطيع تكوين تصور صحيح عن كيفية عمل العالم من حولك، ولماذا (مثلا) لا تحل مشكلات مصر المالية بطبع المزيد من النقود، أو لماذا لا تصلح منظومة الخلافة لإدارة محافظة فضلا عن ربع العالم، فعليك أن تبذل جهدا غير قليل على التخلص من أدران القناعات القديمة، التي ربما يعود أحدثها إلى العهد الناصري، أما أقدمها فلعله مملوكي أو عباسي الطراز!

كمصادر أولية أقترح: دروس مبسطة في الاقتصاد لروبرت ميرفي، مدخل إلى الإيديولوجيات السياسية لأندرو هيوود، تاريخ قصير للبشر لهانز هيرمان هوبه (بترجمتي)، وما وراء الديمقراطية لفرانك كارستن وكارل بيكمان (بترجمة الصديق أنور عدنان).

ثالثا: العلوم الطبيعية

هنا يكمن – في نظر الكثيرين – بيت القصيد، والأساس الذي يمكّنهم من متابعة الاكتشافات العلمية ومعرفة حول ماذا تدور ولأي شيء تفيد، وكذلك يمنحهم القدرة على المحاجّة والدفاع عن العلم في وجه العقائد الأقدم أو الخرافات الأرسخ.

التفكير العلمي: قد يستغرب البعض من تأخير هذه الملكة المهمة حتى هذا الموضع، نظرا لمدى تغلغل العلم في عالمنا المعاصر، وتحكم التقنية بكثير مما كنا نظنه عصيا على التحكم. ولكني لهذا السبب بالذات أرجأته إلى هنا، لأن التفكير العلمي أصعب هضما من المنطق التقليدي؛ فالأول استقرائي تراكمي، والثاني استنباطي برهاني، والعقول البشرية لا تحب الأسئلة المضنية، بل تبحث عن أيسر الطرق ولو أدى لإجابة خاطئة.

كمصادر أولية أقترح: المبادئ لناتالي أنجير، التفكير العلمي لفؤاد زكريا، ولماذا العلم لجيمس تريفل.

الرياضيات: أو المادة الأشد إزعاجا لعامة طلاب المدارس. فمجرد ذكرها يعيد للأذهان مرارة مسائل التكامل، وثقل مبرهنات الهندسة، وألغاز المتطابقات المثلثية. لكننا لسنا بصدد ذلك كله، بل نريد أن يتعلم المرء كيف تساهم الرياضيات في شتى مجالات الحياة، من معدلات النمو السكاني وحتى طرق التشفير الإلكتروني.

سيكون هذا البند استثناءً، لأنه يتضمن مصادر انجليزية لم تترجم بعد للعربية. فأنا أٌقترح كتبا مثل: الرياضيات في حياتنا لزلاتكا شبورير، الرياضيات للفضوليين لبيتر هيغينز، نظرية الببغاء لدنيس جيدج، وكذلك Mathematics for the Nonmathematician لموريس كلاين، و How Not to Be Wrong لجوردان إلنبرغ.

الفيزياء والكيمياء: وهذان أول ما يخطر على الأذهان حين تذكر كلمة “علم”، لأنهما يبحثان في المادة وتحولاتها، وكثيرا ما تكون نتائجهما ملموسة ومؤثرة – كتأثير تقنية أشباه الموصلات واللدائن في عالم الإلكترونيات، ودور النظرية النسبية في نظام المواقع العالمي GPS.

كما أن أخبارهما تشد الانتباه دوما وتحظى بأوسع انتشار لما لها من تداعيات وتطبيقات واعدة – كصناعة الأدوية وتقانة النانو وعلم المواد من جهة، واكتشاف الطبيعة الأساسية للكون وما قد يؤدي إليه التكامل النظري لفهمنا عنه من انفتاح آفاق جديدة للتقدم.

كمصادر أولية أقترح: مؤلفات ستيفن هوكينغ (لاسيما الكون في قشرة جوز)، مؤلفات برايان غرين (لاسيما الكون الأنيق)، مؤلفات كارل ساغان (الكون ونقطة زرقاء باهتة)، وكذلك مؤلفات ميتشيو كاكو (خاصةً فيزياء المستحيل) وجون غريبين (لاسيما البساطة العميقة). لا غنى بالطبع عن محاضرات ريتشارد فاينمان العظيمة كأساس غني في الفيزياء، لكنها للأسف لم تترجم حتى اليوم.

أما في الكيمياء فأرشح: إبداعات النار لكاتي كوب، الملعقة المختفية لسام كين، قصة سبع عناصر لإريك شيري، وعناصر الكون لإسحاق عظيموف. ولعلي أضيف كتبا أخرى إذا وفقت للبحث أكثر.

الأحياء والتطور: يمتاز الإنسان عن جميع الأنواع الحية الأخرى بأنه تمكن – بمزيج من الذكاء والجرأة والإصرار – من تتبع الطريق الطويل المتشعب الذي قاد أخيرا إلى ظهوره على هذه الأرض وفي هذه المرحلة من تاريخها الصاخب. ولهذا فإن الإحاطة أو حتى الإلمام بطرف من هذه القصة يعد أمرا ضروريا لكل من يسعى لتكوين صورة واضحة عن نشأة الحياة وكل ما مرت به من بوتقات انتقاء أو كوارث انقراض، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

كمصادر أولية أقترح: مؤلفات ريتشارد دوكينز (وخاصة أعظم استعراض على الأرض)، منذ زمن داروين لستيفن غوولد، العالم من البدايات لإيان تاتيرسول، السمكة داخلك لنيل شوبين، رواية التطور لستيفن باكستر، والأرض والتطور البشري للوسيان فيفر.

كان هذا قصارى ما استطعت تذكره في هذه العجالة، وآمل أن يكون فيه نفع وفير لمن يحرص فعلا على متابعة ما رشحته.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (5)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك