لا نستطيع انتقاد الوسطية لأنها محمية بلفظ ديني محبب. استغله الإخوان وتلاعبوا به، لكي يبدو أنه مستمد من الآية القرآنية “وكذلك جعلناكم أمة وسطا”.
الزميل هاني عمارة تناول في مقاله على دقائق تفنيد هذا التلاعب الإخواني من وجهة نظر دينية.
اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية
والموضوع سياسيا واجتماعيا ذو خطر بالغ. من هذه الحيلة المرواغة الخبيثة نشأت الشرور.
لكي يكون الإخواني وسطيا فلا بد أن يكون هناك إرهابيون ومفرطون، يتوسط الإخواني بينهما.
الإخواني حريص على وجود الإرهاب واستمراره، لأنه يتغذى عليه، ويحتمي به، وبه يساوم. لهذا يدافع عنه شرعيا في المحاكم. لقد دافع الغزالي عن قتلة السادات، وقتلة جنود أسيوط، وقاتل فرج فودة. ولهذا تسخر الجماعة من أفراد الإخوان من يحرض الإرهابيين ويدعمهم. كما حرض يوسف القرضاوي على العمليات الانتحارية وعلى الاغتيالات السياسية. وكما حرض ويحرض وجدي غنيم ومحمد عبد المقصود. وكما خرج شباب الإخوان يقدمون الأعذار للموجة الجديدة من الإرهابيين.
هذا من ناحية. أظنها واضحة.
تمكن الإخوان من صياغة مفردات دين الوسطية على مقاسهم. وهي تتلخص في ألا تحمل بنفسك سلاحا، فقط، هذا هو الشرط الوحيد.
أنت الوسطي الجميل البديع
لكن الأخطر من ذلك أن مفهوم الوسطية على حاله ذاك، والذي يخلق في حقيقته نموذجا شخصيا تسميه المجتمعات الناجحة متزمتاً عنصريا قمعياً استبدادياً ذا ميول تسلطية، مفهوم الوسطية ذاك يحدد أيضا مفهوم التفريط.
في الفقرة القادمة أشرح لماذا هذا خطير للغاية. وأرجو منكم أن تجادلوني فيه بتعليقاتكم.
لو عكست ما سبق،
إن فعلت ذلك فأنت مفرط، لأنك دون الوسطي المتحجر المذكور أعلاه.
أما إن دعوت إلى حرية الفكر والتعبير، وإلى نقد التراث الديني، أو إلى حرية العقيدة، فأنت في الدرك الأسفل.
اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٣- فخ الدعوة
ولذلك نجد إسلام البحيري في السجن. ونرى القرضاوي على شاشات التليفزيون، ونسمع أن محمد الغزالي وسطي.
هذا تخريب للمجتمعات بتخريب مقياسها. تخريب للحمتها الوطنية، ولمفهوم العدل والمساواة والمواطنة، ثم تخريب لفرص الاستفادة من الكفاءات، ولفرص الانفتاح على الآخرين سياسيا واقتصاديا.
لقد استقر هذا المفهوم بخبث، ثم هيمن على خطابنا المعتاد. حتى من أناس ذوي معرفة، ومنتقدين للإخوان.
كنت أقرأ دراسة للباحث ماهر فرغلي عن الجماعات الإسلامية في مصر، فاستوقفتني في البحث هذه الجملة تعليقا من كاتبه على مبادرة نبذ العنف: “قامت الجماعة الإسلامية بشرعنة المراجعات. كما استقر مفهوم الإسلام الوسطي عند أغلب قيادات الجماعة الإسلامية”.
هل لاحظتم ما لاحظت؟ بمجرد أن تخلت الجماعات الإسلامية، عاصم عبدالماجد وكرم زهدي وصفوت عبد الغني، عن السلاح، اعتبرنا أن “مفهوم الإسلام الوسطي” استقر عندهم. دون أن يغيروا شيئا من أفكارهم الاجتماعية الرجعية العنصرية.
هل سمعت يا مفرط ويا مفرطة منك له. لكي تكون مسلما وسطيا فإليك النموذج: قيادات الجماعة الإسلامية ولكن بلا سلاح. هذه هي الحقيقة. وهي غير مرتبطة بالبحث والباحث المذكورين، بل مستقرة فينا جميعا.
ثم نعود ونقول “أوروبا والدول المتقدمة” ونريد أن نكون مثل “أوروبا والدول المتقدمة” ويا سلام على الديمقراطية في “أوروبا والدول المتقدمة”. ومن الذي يقول هذا!! كثيرون، لكن الملفت للنظر أن فيهم كثيرا من أتباع القرضاوي، أو ممن يعتبرون القرضاوي وسطيا. هل يظن هؤلاء أن تعاليم القرضاوي تصلح لمجتمع ديمقراطي؟!
وسطية دي تبقى ذئب ليلى، مرتديا زي الجدة، ويتدلى من عنقه سلسلة فيها مصحف وسيف.
في “دقائق” أعددنا فيديو بسيطا لتطور الديمقرطية في بريطانيا، مهد الديمقراطية الحديثة. لخصنا رحلة ٢٤٠ عاما في دقيقة وثوان قليلة. شاهدوه من هنا ولاحظوا القيم التي تغيرت فأدت إلى الديمقراطية.