تواجه روسيا أزمة نووية محتملة بعد انفجار في قاعدة عسكرية في نيونوكسا، شمال غرب البلاد، أعقبه وميض إشعاع نووي لنحو 40 دقيقة في سيفيرودفينسك، 40 كيلومترًا إلى الشرق.
بحسب المسؤولين الروس، لم يتجاوز الإشعاع 2 مايكروسيفيرت في الساعة، قبل الانخفاض إلى 0.11 ضمن المدى الطبيعي، كما لم تكشف النرويج المجاورة أية زيادة حتى الآن.
لكن تقارير غربية تتخوف من أن البطء الشديد في إعلان المعلومات يشكف أن الحادث “ربما كان أسوأ من استعداد روسيا للاعتراف”.
في البداية، اكتفت وزارة الدفاع الروسية ببيان موجز قال إن اثنين من موظفيها قتلا في اختبار لنظام دفع بالوقود السائل، قبل أن تكشف وكالة الطاقة النووية “روساتوم” أن خمسة من موظفيها قُتلوا أيضًا في انفجار خلال اختبار محرك صاروخي نووي، دون تفاصيل تقنية.
وقال خبراء غربيون إن التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن صاروخ كروز روسي جديد يعمل بالوقود النووي انفجر على منصة الإطلاق.
تتوقع تقارير غربية أن مركز المشكلة كان المحرك النووي لصاروخ بوريفيستنيك 9M730، وهو ما اعتمده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعليقه.
بوريفيستنيك 9M730 “طائر النوء” بتسمية روسيا أو SKY Fall “الكارثة الكونية” حسب تسمية الناتو هو أحد “أسلحة يوم القيامة” التي قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 1 مارس/ آذار 2018، حيث وصفه بصاروخ كروز نووي الدفع والتسليح.
يصعب تحديد تفاصيل دقيقة حول الصاروخ، لا سيما محركه النووي بالنظر لطبيعته السرية، لكن محللين حاولوا التقاط أدلة مما كشفت عنه موسكو.
وبحسب الدعاية الروسية، يصل طول بوريفيستنيك 11 مترًا، ويستطيع التجوال لأيام قريبًا من الأرض في أنماط دائرية، بما يعقد محاولة إسقاطه، قبل التحرك نحو هدفه لدى تلقي الأوامر.
يحركه مفاعل نووي كامل يعمل على توليد طاقة كافية لتسخين الهواء بدرجة تسمح للصاروخ بالتحرك.
الدفع النووي تحديدًا هو ما يميز المحرك؛ إذ يعطي الصاروخ “نظريًا” أفضلية هائلة من حيث نطاق ومدى الطيران مقارنة بصواريخ كروز التي تعمل بالوقود العادي، والتي تستطيع الطيران لألف ميل فقط.
ويقول الإعلام الروسي إن موسكو أجرت أولى التجارب في يونيو/ حزيران 2016، تلتها 13 تجربة أخرى، آخرها في يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل التجربة الأخيرة.
لكن تقريرًا للمخابرات الأمريكية العام الماضي قال إن الاختبارات المبكرة كشفت أن النطاق المفترض “غير المحدود” للصاروخ توقف عند أقل من 22 ميلاً، وأن جميع الاختبارات الأربعة انتهت بالفشل.
يشكك الخبراء في امتلاك بوريفيستنيك أية فرصة للانتقال إلى مرحلة التشغيل.
ماتيو بوليجي، باحث في برنامج روسيا وأوراسيا في معهد تشاتام هاوس، يقول إن بوريفيستنيك 9M730 نظريًا صاروخ كروز عابر للقارات، ما يعني الطيران أسرع وأكثر ثباتًا ولمدى أبعد وزمن أطول وانخفاض كبير مقارنة بالصواريخ الباليستية.
مع ذلك، يوضح بوليجي أن الحديث عن “لا محدودية مدى الصاروخ” تبقى خاطئة إلى حد ما، معتبرًا أن روسيا تقصد أن مداه يتجاوز 3 آلاف كيلومتر نظريًا، مقارنة بصواريخ كروز السوفيتية التي كانت تتوقف عند تلك النقطة.
يضيف بوليجي إشكالية وقود تحريك الصاروخ “إيرجول”، والمعدل في بوريفيستنيك 9M730 ليشمل قوة الدفع النووي، والذي يستخدم بشكل أساسي قوةَ الانشطار الذري لتغذية رحلته، بعدما كشفت التجربة الأخيرة خطورته لأنه غير مستقر إلى حد كبير.
ويرى جورج ناكوزي، مهندس بارز في مؤسسة راند، أن التفاصيل التقنية لتحريك الصاروخ عبر الحرارة المتولدة من التفاعلات النووية قد تكون مختلفة كليًا عن النظرية.
ويقول دوجلاس باري، خبير الصناعات الفضائية العسكرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: حتى الصاروخ التقليدي في جانب الدفع يتعامل مع مواد متطايرة أو قابلة للاشتعال، ما يجعل إضافة مفاعل نووي للنظام أكثر تعقيدًا.
الباحث الروسي في معهد رويال يونايتد سيرفيسس مارك جاليوتي يقول إن الأنظمة الروسية الجديدة ذات أصول في الحقبة السوفيتية، لكن موسكو “أخرجتها من الدواليب ومنحتها استثمارات جديدة”.
وكان من المتصور وجود سلاح مماثل ضمن برنامج أمريكي في أوائل الستينيات، لكن إدارة كينيدي أوقفت الفكرة لكونها “استباقية للغاية”، اقترانًا بتوقع حدوث مشكلات أثناء برامج الاختبار، ما يعني أن الحادث الجديد لم يكن مستبعدًا كليًا.
يعتبر دوجلاس باري أن القيمة الحقيقية لـ بوريفيستنيك 9M730 تتمثل في كونه “سلاحًا انتقاميًا” يمكن مالكيه “من تحت الركام” من الرد على ضربة نووية متقدمة ومدمرة؛ باعتبار أنه يمكن “نظريًا” تعليقه في الجو بأمان لفترة طويلة قبل التوجه لضرب أهدافه.
ويرى ماتيو بوليجي أن تطوير روسيا لصاروخ بوريفيستنيك 9M730 حاليًا لا يعني أنها جاهزة لنشره.
يستند بوليجي على عدة أسباب بينها المخاطر والتكلفة الضخمة وانعدام الجدوى للتوقع بأن روسيا قد تتخلى عن المشروع خلال العقد المقبل. “ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة”.
ويعتبر بوليجي أن “المشروع نفسه هو السلاح”؛ كونه أحد سبعة مشاريع من “أسلحة يوم القيامة” التي كشف عنها بوتين في 2018 ليكون بمثابة فرد العضلات عبر استهداف الخارج برسالة مفادها أن روسيا ما زالت قوة عظمى متفوقة عسكريًا، والداخل بمبرر للإنفاق العسكري وتصدير الانبهار الشعبي بصلابة العسكرية الروسية.
يتزامن الانفجار مع تصاعد التوتر حول برنامج روسيا النووي الروسي.
في 2018، شدد بوتين على أن بوريفيستنيك 9M730، إلى جانب ترسانة الأسلحة النووية الجديدة الأخرى، ستجعل دفاعات الناتو “عديمة الفائدة كليًا”، مشيرًا إلى أن روسيا “التي لا يستمع إليها أحد” ستجبر الجميع على الإنصات بإمكاناتها النوورية الأكبر في العالم.
وبعد الانفجار، قال دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تعرف الكثير عن انفجار الصاروخ الفاشل، وإن بلاده تملك صاروخًا مماثلًا، لكنه أكثر تطورًا.
ويرى بوتين أن تأسيس الترسانة كان ردًا مباشرًا على انسحاب الولايات المتحدة في 2002 من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972. وترد إدارة ترامب بأن روسيا كانت تعمل على تطوير أنظمة الأسلحة المزعزعة للاستقرار لأكثر من عقد، في انتهاك مباشر لالتزاماتها بموجب المعاهدة.
أحد صواريخ روسيا الأخرى قيد التطوير (SSC-8) شجع الولايات المتحدة في 2 أغسطس/ آب على الانسحاب من معاهدة 1987 التاريخية للحد من الصواريخ النووية المتوسطة المدى، متهمة روسيا بالتراخي عن الالتزام بالمواعيد النهائية التي حددتها لوقف العمل على أسلحة جديدة، ليرد بوتين بالانسحاب من المعاهدة هو الآخر.
ويرى دوجلاس باري أن بوريفيستنيك 9M730 ربما يكون ورقة روسيا للتفاوض حول وقف التصعيد النووي مع الولايات المتحدة سياسيًا في الفترة المقبلة.