10 سنوات على توم وسمر.. من الظالم والمظلوم؟ | أمجد جمال | دقائق.نت

10 سنوات على توم وسمر.. من الظالم والمظلوم؟ | أمجد جمال | دقائق.نت

12 Feb 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

هناك نوعان من الأفلام الرومانسية؛ الأول يقول جزءًا من الحقيقة، والثاني يُعرفنا بضحايا جمهور النوع الأول! بالطبع فيلم 500 Days of Summer من أبرز أمثلة النوع الثاني.

مرّ على صدور الفيلم عشرة أعوام. عرضه الأول كان في يناير 2009 بمهرجان صندانس، وامتد عرضه التجاري في نفس العام، محققًا إيرادات بنحو 60 مليون دولار، وهو رقم كبير بالنسبة لفيلم مستقل.

الأهم هو الموقع الذي احتله الفيلم في الثقافة الجماهيرية، كمرجع مؤثر عن العلاقات العاطفية، وصاحب الكلمة العليا (سينمائيًا) في الثلاثين عامًا الأخيرة منذ تقابل هاري وسالي.

قصة الفيلم

تدور قصة الفيلم عن “توم” (جوزيف جوردون ليفيت)، شاب يعمل كاتبًا في شركة تنتج بطاقات المعايدة، يكتب العبارات العاطفية لأحباء لا يعرفهم، في الوقت الذي يطارد حلمه بأن يصبح معماريًا.

“سمر” (زوي ديشانيل) هي السكرتيرة الحسناء في نفس الشركة، والتي تعيش حياة تبدو أكثر خفة، بفلسفة قاسية في واقعيتها، تحت شعار لا للقيود.

تتولد شرارة إعجاب قوية عند “توم” ناحية “سمر” التي تكون أمينة منذ البداية بإعلان رفضها للتسميات، واستخفافها بفكرة الحب الرومانسي. لكن لوقوعه في غرامها، يرضخ توم لشروط سمر في العلاقة التي تطورت لتُطابق علاقات الحب دون مسماه.

جدل مستمر

لم يتوقف الجدل حول هذا الثنائي إلى الآن. مئات الموضوعات والاستفتاءات جرى تدشينها في منتديات الرأي ومواقع التواصل، والسؤال دائمًا يتعلق بفكرة المظلومية. من كان منهما الضحية في قصة الحب التي لم تكلل بالنهاية السعيدة؟! وإن كان وراء هذا الجدل معنى، فسيكون البراعة والصدق في تقديم تلك القصة على الشاشة، لدرجة أحدثت انقسامًا بين الجمهور.

مؤلف الفيلم “سكوت نوستادير” يفضل وصف فيلمه باستخدام عبارة “قصة عن الحب” بدلًا من “قصة حب”. والمعروف أن سيناريو الفيلم، الذي كتبه بمساعدة مخرج العمل “مارك هـ. ويبير”، مستوحى من تجربة شخصية خاضها مع فتاة قبل أعوام من بداية الفيلم.

تُحكى القصة بأسلوب متشظٍ في ترتيب الأحداث، يستعرض 500 يوم من العلاقة بين البطلين، منذ التقيا، ثم افترقا، وحتى تجاوزا الأمر. ويقفز بين الخط الزمني بحرية، من النهاية للوسط للبداية وتنويعاتهم. كما يتنقل بانسيابية في الحالات، فمشهد يصوّر جمال البدايات، خلفه مشهد يصوّر عتمة النهايات، يتبعه مشهد عن حيرة وتقلبات ما بين البداية والنهاية.

هي طريقة تحاول رصد أبرز النقاط المفصلية في العلاقة، وتقديم رؤية تحليلية عن الحب بتحولاته وجنونه، كما تحاول الإجابة على أسئلة مثل دور القدر، ومفهوم قرين الروح، والتوافق في التفضيلات، وإن كانت التسميات ضرورة لكل علاقة بين رجل وامرأة يعيشان في عصر صاخب يهدد معادلات الحب القديمة. والسؤال الأهم طبعًا: مَن الضحية؟! فالصفحات تُتلى أحيانًا بالمنطق الذي تكتبت به محاضر التحقيقات.


أفضل طرق اختيار عنوان لفيلمك، وأنجحها في تاريخ السينما | أمجد جمال | دقائق.نت

لماذا تحتاج الأوسكار ونحتاج معها إلى فوز “مولد نجمة” بجائزة أفضل فيلم؟‎ | حاتم منصور | دقائق.نت


الذاتية مفتاحًا للإجابة

في أحد المشاهد التي يعاني فيها توم من تلاشي علاقته بسمر، يذكّره صديقه بمقولة هنري ملر: “لتتجاوز حب امرأة، قم بتحويلها إلى أدب”. توم لم يحوّل سمر إلى أدب، لكن “نوستادير” مؤلف الفيلم نفسه فعل، والجملة إشارة من ضمن إشارات عديدة على أن الشيطنة التي صُوّرت بها “سمر” أحيانًا هي شيطنة هزلية. هناك وعي ذاتي للنص، وتلك واحدة من أدوات السرد الماورائي Meta-fiction)).

يبدأ الفيلم بالشاشة السوداء والتتر الطريف: “أي تشابه بين شخصيات الفيلم والحقيقة هو من باب الصدفة، وبخاصة أنتِ أيتها الساقطة جيني بيكمان”.

المؤلف في السطر الأخير يمدنا بثلاث معلومات. أولًا: هذه القصة ذاتية. ثانيًا: عين المؤلف غير محايدة. ثالثا: أنه غاضب حقًا.

ويستعين الفيلم بأداة الراوي بالتعليق الصوتي على الأحداث، لكنه يفعلها بحس فكاهي لا يلائم نبرة الصوت شديدة الجدية، وطريقة الإلقاء المحاكية للأفلام الإخبارية القصيرة في عقود الثلاثينيات، نفس التي استعارها فيلم “المواطن كاين”.

البطل تظهر ميوله السينيفيلية، وخلط واقعه بالخيال السينمائي، وذلك في مشهد داخل صالة سينما تعرض روائع المخرج “إنجمار بيرجمان”.

وفي المشهد التعريفي بـ “توم”، يذكر المعلق الصوتي أن سبب نكبة “توم” العاطفية هو تعلقه بأغاني البوب، وتفسيره الخاطئ لنهاية فيلم “الخريج” (النهاية بدت رومانسية لكنها أعمق من ذلك). طرافة التعليق تتناقض مع جدية الصوت، وهنا يتأكد السرد الماورائي بأداة التفكيك الداخلي.

ولا ننسى أكثر مشاهد الفيلم أيقونية (الحقيقة ضد التوقعات)، والذي يؤكد ما شرحناه سلفًا، خاصة لو دققنا مع كلمات الأغنية المصاحبة للمشهد في نهايته، والمطربة “ريجينا سبيكتور” تكرر جملة:” أنا بطل هذه القصة ولا أحتاج للإنقاذ”. مرة أخرى، كل شيء يدور في عقل توم.

كلنا توم.. وكلنا سمر

بعد انفصال نوستادير عن تلك الفتاة ظلا أصدقاء لأعوام، وفور أن انتهى من كتابة سيناريو الفيلم قابلها وعرض عليها قراءة النص. ما أدهش “نوستادير”، أن صديقته راسلته بعد أيام وأبدت حبها للقصة، قالت إنها رأت نفسها في شخصية “توم”! ولم تلحظ لوهلة أن المادة مستلهمة منها. ملاحظة تتناغم مع جملة قالها توم في الفيلم: إما أنها إنسان شرير معدوم الحس، أو أنها إنسان آلي.

لكن الممثل “جوزيف جوردون ليفيت” ظهر منحازًا ضد شخصية توم التي جسدها، وله تغريدة كتبها منذ شهور: “معظم الخطأ مصدره توم. كان يسقط ما يريده عليها. ولا يستمع، وأناني. لحسن الحظ أنه ينضج مع النهاية”.

توم له أخطاؤه، منها ما ذكره ليفيت وعلى رأسه الإسقاط. وما لم يذكره، المبالغة في نظرته الحالمة للعالم والمتأثرة بالروايات والأفلام. إضافة لنرجسيته، التي تظهر في مشهد تحكي له سمر حكاية لم تحكيها لأي شخص، فيعلق على ذلك بأنه “ليس أي شخص”.

لكن سمر أيضًا لها أخطاء، منها مشاركتها في فعل ما يفعله الأحبة دون أن تحب أو توافق بوضع مسمى للعلاقة، وهو نوع من الأنانية بالحصول على كل شيء، نشوة العلاقات والهروب من قيودها.

سمر قالت إنها لا تؤمن بالحب والعلاقات الحصرية، لكنها تزوجت بعد عام واحد، سمر أيضًا تناست علاقتها بالشاب الآخر وسهرت مع توم أثناء عقد قران زميلهما في العمل.

أطرف ما قيل حول هذا الاستقطاب، أن فرصة انضمامك لفريق توم أو فريق سمر، تتناسب مع وضعك بآخر علاقة خضتها.

جميعنا كان توم في علاقة ما، وكان سمر في علاقة أخرى، ربما كان ذلك سببًا في تآلف “جيني بيكمان” مع شخصية توم أثناء قراءتها النص. لا ظالم ومظلوم، كلها أخطاء نبعت عن الارتباك والحيرة، ولأن الحب الحقيقي أمر نادر، والعلاقات بها تعقيد وشقاء لا ينبغي بذله إلا مع من يستحقه.

“500 يوم مع سمر”، هو قصة عن النضج والتجاوز، أما الشيطنة التي صُورت بها “سمر”، وإن لم تكن موضوعية، فقد كانت صادقة في تصوير مراحل التجاوز بعين الراوي البطل، شيطنة الآخر ولو مؤقتًا هي آلية نفسية دفاعية أثبتت نجاحها في معظم حالات التعافي من التعلق. وهي أكثر ما يجعل هذا الفيلم حقيقيًا. طالما أن الشيطنة تنتهي قبل نهاية الأحداث، ويتعلم الجميع من تجاربه، وينمو.

سمر تتخلى عن نظرتها السينيكية للحياة وتقع في الحب أخيرًا، وتوم يصبح أكثر واقعية في التعاطي مع عالمه، ما يتزامن مع تحققه مهنيًا في المجال الذي أحبه. ورغم ما حدث لم يفقد إيمانه بالحب والعلاقات.


هل خلود الفن معيار لجودته؟ خمس ثغرات لهذه النظرية | أمجد جمال | دقائق.نت

أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام

المزيد عن السينما في دقائق

10 مشاهد صنعت أمجاد هوليوود عام 2018

BIRD BOX.. ظاهرة سينمائية أم مجرد فقاعة؟ | أمجد جمال | دقائق.نت


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك