رامي مالك يعزف منفردًا في Bohemian Rhapsody

رامي مالك يعزف منفردًا في Bohemian Rhapsody

18 Nov 2018
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

Is this the real life
Is this just fantasy
هل هذه هي الحياة الحقيقية؟
أم أن هذا مجرد خيال؟

الجمل السابقة الشهيرة التي تبدأ بها أشعار أغنية بوهيميان رابسودي Bohemian Rhapsody للفريق الغنائي كوين، تصلح كتساؤل مهم عن الفيلم المعروض حاليًا، الذي يحمل نفس اسم الأغنية، ويتعلق بمسيرة الفريق عامة، ونجمه الراحل فريدي ميركوري بالأخص.

تنفيذ هذا الفيلم تعطل حوالي ثماني سنوات، ولمدة طويلة ارتبط الممثل الكوميدي ساشا بارون كوهين بدور ميركوري، قبل أن تتغير الأمور بالكامل، وينتقل المشروع لسيناريست ومخرج وفريق آخر، ويقع الاختيار في النهاية على الممثل رامي مالك (أمريكي من أصول مصرية).

إعلان Bohemian Rhapsody

السيناريو الأولي كتبه بيتر مورجان، ويمكن تصنيفه كخبير في تناول مسيرة الشخصيات الحقيقية بفضل قائمة أفلام تضم The Last King of Scotland – The Queen – Frost/Nixon – Rush وهي أعمال تنوعت فيها اختياراته بين تناول مسيرة ملكة انجلترا، ودكتاتور أفريقي، ورئيس أمريكي سابق، وبطلين في سباقات الفورميولا.

السيناريو الختامي الذي تم به تنفيذ الفيلم فعلًا كتبه أنتوني مكارتن، الذي حقق أيضًا شهرة مؤخرًا بفضل فيلمين مهمين عن شخصيات حقيقية؛ الأول The Theory of Everything عن حياة عالم الفيزياء القعيد الراحل ستيفن هوكينج، والثاني Darkest Hour عن مسيرة رئيس الوزراء البريطاني تشرشل، وقت إعلان الحرب على هتلر.

لا هتلر الأول ولا الجنرال العثماني الأخير: ٧ قتلوا أكبر عدد من البشر في القرن ٢٠ | قوائم في دقائق

بالنظر لتاريخ الاسمين، من المنطقي أن نتوقع عملًا يقتنص ببراعة لحظات ونقاط فارقة في حياة ميركوري، ويُطهو منها دراما وحدوتة مسلية ومؤثرة ومترابطة، لكن النتيجة النهائية هنا للأسف لا ترقى للأعمال السابقة المذكورة.

جزء من الأزمة نابع من حقيقة مشاركة بعض أعضاء الفريق ضمن طاقم إنتاج الفيلم. هذه خطوة قد تكون اضطرارية إنتاجيًا بالنسبة لشركة فوكس؛ للحصول على حقوق الأغاني وخلافه، ضريبتها أن الفيلم يجب أن يطابق رغبات أعضاء الفريق، وأن يحافظ على صورة جماهيرية محببة للمطرب الراحل والفريق ككل، ويتجنب إلى أقصى درجة ممكنة أي تناول يترك انطباعات سلبية.

فريق كوين كما يظهر في الفيلم

الجزء الآخر يكمن ربما في قيام المخرج براين سينجر بتصوير 80% فقط من الفيلم، قبل أن تستبدله شركة فوكس بالمخرج ديكستر فليشر، الذي أشرف أيضًا على مراحل ما بعد الإنتاج، بسبب مشكلات يطول شرحها. المهم أن لدينا هنا إجمالًا فيلما هجينا إخراجيًا بدون تخطيط مسبق، أو أي تنسيق بين الطرفين.

حياة ميركوري الحقيقية تمثل بالتأكيد بذرة ثرية لفيلم جريء أو أكثر. الرجل وُلد باسم فاروق بولسارا، في المحمية البريطانية زنجبار (منطقة تابعة لتنزانيا حاليًا) وعاش لفترة لاحقًا في الهند، قبل أن ينتقل مع أهله لإنجلترا عام 1964 وعمره 17 سنة، بسبب خطورة بقائهم في زنجبار على ضوء صراعات سياسية وعرقية ودينية وقتها (ديانة أسرته كانت الزرداشتية).

ألان تورنج.. عبقري الحرب العالمية الثانية المنسي والمثلي المنتحر

هذه مرحلة موترة وثرية يمكن أن ينتج عنها الكثير والكثير دراميًا، لكن الفيلم تجاوزها بالكامل، واكتفى فقط بالإشارة لها سريعًا.

كان أيضًا واحدًا من أوائل المشاهير الذين عُرف عنهم طباعهم المثلية الجنسية، ورغم تحفظه طوال أغلب حياته عن إعلان هذا الطابع – لاحظ هنا أن المثلية الجنسية فترة السبعينيات والثمانينيات كانت محور إدانة حتى في أكثر المجتمعات الغربية تحررًا – إلا أنه ظل حتى بعد وفاته عام 91 محورًا وجزءًا من تساؤلات عديدة في هذه المجتمعات، بخصوص قضية المثلية الجنسية.

رامي مالك في مشاهد غنائية من الفيلم

النظرة لهذه القضية تغيرت بالفعل حاليًا – على الأقل في المجتمعات الغربية – لكن تناول الفيلم السطحي لهذه النقطة، ولحياة ميركوري ككل، واختزال هذه الحياة في كليشيهات مكررة مثل الوحدة والاغتراب والرومانسية، إجراء لم ينتج عنه عمل جريء مثير للجدل مثل بطله، ويصلح كتشريح اجتماعي لزمن الأحداث، ولم يثمر أيضًا عن عمل يتحرك في مسارات أخرى بديلة أكثر تسلية أو اثارة.

إصرار صناع الفيلم على تدشينه كإعلان تجاري عن تاريخ الفريق غنائيًا، والحديث عن كل شيء يخص الفرقة وميركوري على مدار قرابة عقدين، إجراء نتج عنه مسار سريع جدًا للأحداث في النصف الأول، بشكل يفتقد للتفاعل دراميًا مع أي كفاح أو انجاز. الفرقة تقابل ميركوري – الفرقة الآن أصبحت ناجحة – الفرقة الآن في صدارة المبيعات عالميًا.. وهكذا.

ستان لي.. القصة الحقيقية لـ السوبر هيرو الذي تحدى العنصرية

فقط عندما يلتقط الفيلم أنفاسه، وينحاز إلى جانب المرح بخصوص مراحل مثل تأليف وتسجيل وتنفيذ أغنية، تكتسب الأحداث مسارًا ما مسليًا، يليق بطباع هذه الأغنيات وتاريخها جماهيريًا. مسار يتحرك أيضًا في جانب موازٍ، ويخاطب مُدمني أغاني الفريق من أمثالي.

في أحد المشاهد الطريفة مثلًا، يقوم مايك مايرز بدور منتج غير مقتنع أن أغنية مثل Bohemian Rhapsody يمكن أن تجذب اهتمام شباب في نزهة بسيارة. طرافة هذا المقطع ونقطة ارتباطه بتاريخ الأغنية، تتلخص في أن مايرز نفسه كان سببًا في إعادة إحياء شهرتها من جديد أوائل التسعينيات، بعد أن ظهرت في فيلمه الناجح Wayne’s World. خمن طبيعة المشهد التي ظهرت فيه؟ شباب يلهو وهو يستمع للأغنية في نزهة بالسيارة!

مايك مايرز في المشهد المذكور من فيلم Wayne’s World

إلى حد كبير، اختار المخرج براين سينجر طاقم التمثيل بعناية، خاصة لوسي بوينتون، التي تقوم بدور حبيبة ميركوري، وباقي الممثلين الذين قاموا بأدوار أعضاء الفريق (درجة التشابه بينهم وبين الأصل مذهلة لأقصى درجة بالمناسبة).

لكن نقطة التفوق والحظ الحقيقية كانت في اختيار رامي مالك للدور الرئيسي. مالك لا يملك ملامح قريبة لميركوري للدرجة، حتى بعد التعديلات التي تضمنت تغيير شكل الفك، لكنه يملك في المقابل موهبة تمثيلية أنقذت العديد من مشاهد الكليشيهات في الفيلم. بالتأكيد سينال عن الدور ترشيحا للأوسكار، لكن الفوز بالجائزة سيكون مهمة صعبة هذا العام على ضوء شراسة المنافسة (سنناقش هذا تفصيليًا مستقبلًا).

10 اختيارات تمثيلية رفضها الجمهور ثم أثبتت صحتها | حاتم منصور

الأهم في مالك أنه يملك طاقة وحضورًا بدنيًا مقاربًا لميركوري، ونجح في أغلب المشاهد التي تدور على المسرح، في تقديم أداء بدني يذكرنا بالأصل لأقصى درجة. تحية مماثلة يستحقها أيضًا فريق المونتاج والصوت، على براعتهم في دمج حركات الشفاة لمالك، مع التسجيلات الصوتية في كل المشاهد الغنائية، لدرجة أصبح معها من الصعب اصطياد أية هفوة.

ختام الفيلم أجمل ما فيه، بفضل مقطع طويل يستعرض أحد أهم أمجاد بطله، عندما قدم ما يصنفه البعض حتى الآن كأفضل أداء لمطرب روك على المسرح في حفل Live Aid الموسيقي الخيري عام 1985. المشهد يمثل جوهرة الفيلم، وذروة تألق مالك في التقمص، ويمحو بسهولة أي عيوب سابقة في الأحداث، تاركًا المتفرج – خصوصًا إذا كان من عشاق الموسيقى – في لحظات نشوة حقيقية، تستحق وحدها ثمن التذكرة.

يمكن مشاهدة الأصل على اليوتيوب، لكن نسخة الفيلم هنا أقوى دراميًا وصوتيًا، وأكثر ملامسة بصريًا للأعداد الغفيرة التي حضرت الحفل. هوليوود فقط بكل خبراتها في مجال الديكورات والألاعيب البصرية، هي التي يمكن أن تنتج مشهدًا من هذا النوع، وتقنعك بمصداقية تواجد هذه الأعداد من جديد، وتمنحك لمحة ما عن حماس ميركوري، وعما شعر به فعلًا الحاضرون يومها.

نعود لسؤال البداية بخصوص الفيلم:

هل هذه هي الحياة الحقيقية؟
أم أن هذا مجرد خيال؟

تغييرات عديدة تمت هنا لخلق دراما، كان أبرزها التلاعب بزمن بعض الوقائع والأحداث. ما حدث لميركوري عام 1988 مثلًا، يطرحه الفيلم هنا باعتباره ضمن وقائع منتصف الثمانينيات. باختصار، الموجود هنا ليس حقيقيًا بالكامل، ولا مزيفًا بالكامل أيضًا، ويمكن قبوله ما دمنا نتحدث أولًا وأخيرًا عن عمل سينمائي درامي، لا يدعي الدقة الأرشيفية.

إلى أي مدى يجب الالتزام بالدقة التاريخية في الأفلام والمسلسلات؟ | حاتم منصور

في المقابل، ينقص الفيلم الطموح وروح المغامرة، للتحول لحدث فني استثنائي في نفس وزن مطربه، أو الأغنية التي يحمل اسمها. هذا فيلم مصنوع ببصمة فريق كوين، وضمن أهدافه الأساسية أن تعشق موسيقاهم أكثر إذا كنت تعرفها، وأن تتعرف إليها وتحبها إذا كنت لا تعرفها.

هذه لعنة الفيلم ومصدر قوته في نفس الوقت؛ لأنها نقطة تترك لنشوة موسيقاهم وأغانيهم الكلاسيكية مهمة سد عيوب ونواقص الفيلم، وهي نشوة يصعب على أي متفرج رفضها!

باختصار:

دراما متوسطة وروتينية لا تليق بفنان أبعد ما يكون عن الصفتين، أنقذها أداء استثنائي من رامي مالك، ومجموعة أغان تحدت الزمن، ومشهد ختامي من أفضل ما قدمت هوليوود طوال العام، ومن أفضل ما قدمت بخصوص الموسيقى عامة.


حاصل على أوسكار أفضل (ممثل/رامي مالك – مونتاج – مونتاج صوت – مزج صوتي).


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك