رهانات أردوغان الخاسرة: 1- واقعية ماقبل العدالة والتنمية

رهانات أردوغان الخاسرة: 1- واقعية ماقبل العدالة والتنمية

24 Jun 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قبل أردوغان، أسس كمال أتاتورك تركيا الحديثة، قامت علاقاتها الخارجية حينها على مبدأ الالتصاق الشديد بالقوى الغربية مع استغلال مميزات الموقع الجغرافي في تحقيق مكاسب أكبر.

من الحرب العالمية حتى التسعينيات

في فترة ما قبل الحرب الباردة لم تدخل تركيا الحرب إلى جوار دول المحور رغم أن ألمانيا والنمسا كانتا بالفعل حليفتيها في الحرب العالمية الأولى

كانت تركيا أقرب للحلفاء رغم العداء التاريخي الذي يجمعها مع وريث روسيا القيصرية وهو الاتحاد السوفيتي من جهة، وكذلك إنجلترا وفرنسا. وهما الدولتان اللتان انتزعتا من تركيا بالقوة معظم أراضي الإمبراطورية العثمانية في المنطقة العربية تباعاً عبر قرن كامل بدءاً من الجزائر وانتهاءا بالعراق والشام، ناهيك عن دعمهما لثورات اليونانيين وشعوب البلقان ضد السلطة العثمانية.

ومع ذلك لم تعلن تركيا الحرب على دول المحور إلا في مارس عام 1945 للدخول مع المنتصرين إلى منظمة الأمم المتحدة، وقد قبضت تركيا ثمناً مبكراً لعدم انحيازها لألمانيا تمثل في منح فرنسا لواء الأسكندرونة (إقليم هيتاي التركي حاليا) لتركيا عام 1938، رغم أنه كان تحت الانتداب الفرنسي من عصبة الأمم.

وفي مرحلة الحرب الباردة تضاعفت هذه السياسة التركية أضعافاً. إذ إن قربها من الاتحاد السوفيتي السابق وتحكمها في مداخل السوفييت إلى المياه الدافئة، والتأثير الثقافي واللغوي الذي يجمع الأتراك بكثير من الشعوب المنضوية تحت الحكم السوفيتي كالتركمان والأوزبك والقرغيزيين والآذريين وشعوب القوقاز، بالإضافة للثقل البشري، أعطى للأتراك مميزات استراتيجية هامة للغاية استغلوها في عضوية حلف الناتو والحلف المركزي (حلف بغداد)، بالإضافة لعضويتها في مجلس أوروبا والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي.

يعطينا هذا الواقع التاريخي صورة عن شكل العلاقات التركية حتى عقد التسعينات، وهي علاقة قائمة على تحالف وثيق مع الغرب  من جهة، وعلاقة قوية مع أصدقائه وحلفائه في المنطقة: إيران حتى عام 1979 ، دول الخليج، إسرائيل.

وهناك علاقة خاصة ربطت تركيا بالعراق وإيران وسوريا مفادها الاتفاق بشكل دائم على القمع المشترك للطموحات الكردية مهما كان حجم الخلاف بينهم.

اقرأ أيضا: رهانات أردوغان الخاسرة تنقلب عليه… 2 عاد بخفي حنين

الاتجاه ناحية آسيا والشرق

مع نهاية الحرب الباردة بدأت تركيا تتعامل بشكل أكثر انفتاحاً مع جيرانها شرقاً وغربا وهو التوجه الذي بدأهتورجوت أوزالبسياسات النمو الاقتصادي، وعززهسليمان ديميريل وتانسو تشيلربمد علاقاتهم مع أتراك آسيا الوسطى ومع مسلمي البلقان، وبحديث ديميريل عن كون القرن القادم “قرن الأتراك”.

ثم كانت لإسماعيل جم وزير الخارجية في حكومة مسعود يلمظ وبولنت أجاويد 1997-2002 تصريحات  بأن هدفه أن تكون تركيا ذات نفوذ عالمي. وطور علاقاته في الشرق الأوسط بشكل كبير ما بين وساطات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومبادرات لسوريا، وعلاقات أقوى مع إيران واليونان، وتقارب كبير مع الاتحاد الأوروبي لدرجة دخول محادثات الانضمام إلى مرحلة الجد.

الرضا الأمريكي

لم تكن السياسات الانفتاحية على المنطقة التي أطلقهاحزب العدالة والتنميةغداة وصوله للسلطة في عام 2002  إذن  أمراً مستجداً أو اختراعاً. ولكنها كانت نتيجة لتغير الظروف السياسية سبقته إليها حكومات الثمانينات والتسعينات.

بل وساعدت عليه عوامل أخرى كان أولها هجمات 11 سبتمبر التي استطاع العدالة والتنمية الترويج لتركيا خارجيا من خلالها، باعتباره النموذج الذي يجمع الحداثة والديمقراطية مع الإسلام، والتحالف مع الغرب في مواجهة النموذج الإرهابي الذي مثلته القاعدة وبن لادن، أو النموذج الراديكالي المعادي للغرب الذي مثلته إيران.

سمح هذا لتركيا بمد علاقاتها في المنطقة برضا وتشجيع أمريكي باعتبارها نموذجاً يقتدى.

وشهدت السنوات الأولى من حكم العدالة والتنمية تعزيز تركيا لنفوذها في الساحة الإقليمية خصوصاً إثر تبني سياسة تصفير المشاكل مع الجيران والتي حسنت الأجواء مع كل من قبرص واليونان وسوريا والعراق وإيران وأرمينيا.

كما انخفضت حدة التوتر داخلياً مع الأكراد بشكل كبير وزاد التبادل التجاري التركي مع دول المنطقة، كما زاد تأثير القوة الناعمة التركية مع الظهور المكثف للدراما والموسيقى التركية في دول المنطقة.

وهم الديمقراطية التركية

يمكن القول أن سياسات أردوغان قامت على رفع الشعارات الديمقراطية أمام الغرب، ورفع الشعارات الدينية  والتاريخية العثمانية أمام الداخل التركي، ورفع شعارات دعم الفلسطينيين و قضايا العرب أمام العرب، في حين تقوم السياسة على براجماتية شديدة قوامها بناء إمبراطورية تركية جديدة.

حتى هذه النقطة لم تكن هناك مشكلة كبيرة في هذا كله. بل على العكس لم يخسر أردوغان وحزبه شيئاً من مواقفهم ذات الطبيعة المسرحية أحيانا، كموقفه أمام إسرائيل عام 2009.

وتضاعفت شعبيته مما مكنه من الترويج داخلياً لمشروع دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي كوسيلة لنسف التأثير السياسي للمؤسسات العلمانية في تركيا، وعلى رأسها الجيش والقضاء دون الدخول في مواجهة مباشرة، بل اعتماداً على ضرورة تنفيذ متطلبات الاتحاد الأوروبي بابتعاد الجيش عن السياسة واعتماد قوانين عصرية. 

التحول من وسيط إلى لاعب

التغير الكبير حدث عام 2009 عندما تولى أحمد داود أوغلو وزارة الخارجية التركية. حيث وضع أوغلو رؤيته السياسية في كتابهالعمق الاستراتيجيعام 2001، مصوراً تركيا كوريثة للإمبراطورية العثمانية، ومعتبراً القوقاز والبلقان والدول العربية ( دولاً مصطنعة) و(مناطق نائية من تركيا).

ونجح في إقناع أردوغان بنقل هذه الأفكار  السياسية إلى مستوى جديد، تحول فيه الأداء التركي في المنطقة من دور الوسيط أو اللاعب المحايد أو حتى الصديق إلى دور السلطان صاحب السياسات التوسعية الإمبراطورية  الواضحة.

وتحولت فيه المنطقة في نظر الأتراك من منطقة لتركيا مصالح فيها كأي دولة إلى منطقة تتصارع تركيا على الاستحواذ على نفوذ فيها.

هكذا تحولت تركيا إلى لاعب يلعب في السياسات والتحركات الداخلية داخل العديد من دول المنطقة، خصوصاً التي شهدت اضطرابات سياسية بعد العام 2011 (سوريا وليبيا والعراق واليمن وتونس ومصر) تحت شعارات سياسية ديمقراطية أحياناً، ودينية أحياناً أخرى، وتحالفات متقلبة  كل يوم بين المتناقضين من طهران إلى الرياض وأبوظبي،  ومن واشنطن ولندن وبرلين إلى موسكو، ومن الدوحة إلى دمشق وبالعكس.

وبطبيعة الحال، فإن مثل هذا الدور الجديد والذي تتنافس فيه تركيا مع إيران وأطراف أخرى علي النفوذ وتتدخل في شؤون غيرها لا يمكن أن يمر دون  صناعة عداوات سياسية مع الوقت.

وقد ظل أردوغان ناجحاً في الفرار من التبعات السلبية لهذه السياسات باستمرار إلى أن حوصر في الزاوية واضطر إلى التراجع عن قسم كبير من هذه السياسات في العامين الأخيرين.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (3)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك