رهانات أردوغان الخاسرة: 2- عاد بخفي حنين | محمد زكي الشيمي

رهانات أردوغان الخاسرة: 2- عاد بخفي حنين | محمد زكي الشيمي

25 Jun 2018
تركيا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

كان رجب طيب أردوغان يدرك منذ وصوله للسلطة في تركيا أن اختراق المنطقة العربية بالنسبة لقوة إقليمية كبلاده رهن بخلطة لا يمكن أن تختل مكوناتها.

تركيا – في نظر أردوغان – كانت بحاجة لتلك الخلطة كونها لا تتحدث العربية، ولا تملك نفوذًا دينيًا على أقليات مذهبية كالذي تملكه إيران مثلًا.

خلطة أردوغان

الخلطة تقوم على تقديم الإسلام على العروبة، وتقديم الانتماء السني علي الإسلام ذاته، وتقديم حكم الشعب أو الديمقراطية  علي كل قيم وأفكار ومفاهيم الدولة الحديثة، ليمكن معها خلق مجموعات سنية منسلخة عن الانتماء الوطني وموالية لتركيا بشكل كامل.

اعتمدت الخلطة الأردوغانية على الاستخدام الوظيفي لمجموعات أو تنظيمات كـ “الجيش الحر” في سوريا، أو عبر المنطقة كالإخوان مثلًا، لخدمة المصالح التركية، مع الترويج باستمرار لفكرة الإسلام السياسي غير العنيف الذي يقمعه الاستبداد.

حققت الخلطة التركية نجاحًا مبهرًا في البداية، فالتغير الذي حدث في المنطقة عام 2011  ساهم في صعود هذه الرؤية التركية والترويج لها على نطاق واسع.

تركيا بدورها دعمت تيارات الإسلام السياسي في كل مكان بشكل فج؛ لزيادة مساحات دورها الذي كان يتمدد يومًا بعد آخر.

اقرأ أيضا: رهانات أردوغان الخاسرة: 1- واقعية ما قبل العدالة والتنمية

انقلاب السحر

ولأن دوام الحال من المحال، انقلبت السياسات الفجة، التي قادت تركيا للتخلي عن حذرها الطبيعي في سياساتها الخارجية، في آخر الأمر على أردوغان نفسه.

أدى دعم تركيا لتيارات الإسلام السياسي في سوريا إلى خروج الأكراد من نطاق سيطرة الدولة السورية، ثم دخولهم مواجهات مباشرة مع الإسلاميين أنفسهم، ما وضع تركيا في تحدٍ جديد.

تنظر تركيا بقلق إلى فرضية تمتع أكراد سوريا باستقلالية أولًا، وتتخوف ثانيًا من انتقال الفوضى إلى الأكراد داخل الأراضي التركية، وهو ما حدث لاحقًا بالفعل، لتعود الأزمة الكردية إلى السطح داخل تركيا.

أدى دعم أردوغان للتنظيمات الإرهابية العنيفة في سوريا وليبيا لفقدان ثقة عدد كبير من مواطني البلدين في أخلاقية السياسات التركية من جهة، وإلى انهيار نظرية الإسلام السياسي غير العنيف، الذي تروج له تركيا والإخوان، من جهة ثانية.

الغطرسة تركع مضطرة

أدى التدخل العسكري التركي المباشر ضد الأكراد في سوريا والعراق دون إذن أو قبول حكومتي البلدين إلى مزيد من انكشاف خدمة تركيا لمصالحها الخاصة على حساب شعوب المنطقة.

الأخطر أن تركيا، التي تعاملت بغطرسة مع قوة عظمى بحجم موسكو لدرجة إسقاط طائرة روسية في سوريا، اضطرت للتراجع مذعورة.

لم يجد أردوغان مفرًا إلا خطوات للخلف بعد الدعم الواضح والعلني من حلفائه الغربيين كلهم ومعهم إسرائيل، والتلويح بدعم سعودي إماراتي وعدم ممانعة مصرية لقيام دولة كردية في شمال العراق وسوريا.

الأمر كان على وشك التنفيذ الفعلي في محاولة الرئيس السابق لمنطقة الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق مسعود بارزاني قبل شهور، وهو بالطبع ما كان سيمثل كابوسًا لتركيا وإيران ولحلفائهما في بغداد ودمشق، مما اضطر أردوغان للهرولة باتجاه موسكو للحصول على دعمها، في مقابل صياغة اتفاق ثلاثي مع موسكو وطهران لتقاسم النفوذ على أسس جديدة.

ما لبثت الأطراف الثلاثة تتوصل إلى اتفاق على تقسيم الأدوار في قمة سوتشي، حتى عاد التدخل العسكري التركي المباشر لمناطق نفوذ الأكراد في سوريا.

انهار الخطاب التركي الداعم للديمقراطية خارجيًا عبر دعم الجهاديين والإرهابيين، وتضاءل معه خطاب الديمقراطية الداخلي؛ كنتيجة لمحاولة الانقلاب الفاشل وما أعقبها من حملات اعتقال وعزل لعشرات الآلاف، أو للتضيق على الأكراد أو الأحزاب المعارضة، بما لم يعد معه وضع سجل حقوق الإنسان في تركيا ليس أفضل بأي حال من الأنظمة التي ينتقدها أردوغان.

استبداد الرجل، والصراع بين الجناحين الإسلاميين في السلطة وفي “الكيان الموازي” أو ما بين أردوغان وفتح الله كولن بتوصيف آخر، أنهى إلى حد بعيد أسطورة الإسلام السياسي الذي يدير خلافاته داخل التيار بشكل ديمقراطي.

من جهة أخرى، قادت محاولات الرجل لإشغال الجيش التركي بجبهة مفتوحة في سوريا والعراق أو مناوشات في المتوسط لإبقاء الاصطفاف الوطني حوله، مع طول مدتها، إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية، خصوصًا مع تباعد القوى الأوروبية النسبي عنه.

رجل تركيا لم يخسر كليًا

لم يخسر أردوغان كل رهاناته بعد، فالرجل ماهر في السيطرة على أنصاره داخل حزبه الحاكم.

تخلص مبكرًا من عبد الله جول  منذ رشحه لرئاسة تركيا في 2007، ثم غيبه تمامًا عن المشهد عندما ورث منصبه الشرفي في 2014، وأتى بأحمد داوود أوغلو كرئيس للحكومة.

عاد أردوغان للتخلص من أوغلو نفسه في 2016، ليستبدل به أحد أكثر المخلصين له، وهو بن علي يلدرم ، قبل تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، ليضمن السلطة كاملة في يديه دون حاجة لمزيد من التغييرات.

رهان آخر يجيده أردوغان يتمثل في قدرته الدائمة على تغيير موقعه والقفز من مركب إلى آخر، بجانب بقاء قدرته علي مساومة الأوروبيين على وقف تدفق اللاجئين، وتحالفاته القديمة والجديدة مع قطر والصومال والسودان.

استغل الرجل كذلك قدرة تركيا، بحكم مكانتها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، فضلًا عن موقعها الجغرافي، على استغلال تناقضات الأطراف المختلفة لتحقيق بعض المكاسب.

وإذا كانت السياسات ذات الشعارات الرنانة الزائفة أدت إلى خسارة أردوغان لكثير من رهاناته، فإن المرحلة القادمة ستشهد غالبًا تحوله مجددًا نحو مزيد من الواقعية.

 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (1)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك