الأخوات المسلمات أمام تمثال العضو الأنثوي: الإخوان واليسار في غزوة سويسرا | مينا منير

الأخوات المسلمات أمام تمثال العضو الأنثوي: الإخوان واليسار في غزوة سويسرا | مينا منير

19 Jun 2019
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

تحت عنوان إضراب النساء (Frauen Streik)، اندلعت مظاهرات الأسبوع الماضي، مصاحبة لإضراب نسائي على طول مدن سويسرا الكبرى.

الإضراب يستهدف إحياء قضية حقوق المرأة في المساواة في المرتبات، إحدى نقاط الجدل في سويسرا في الأعوام الثلاثة الماضية.  أكبر المظاهرات بطبيعة الحال احتضنتها ساحة ميدان البرلمان في العاصمة بيرن، وبالصدفة كنت هناك صباحًا.

منشور الدعوة إلى إضراب مساواة الرواتب في سويسرا

اكتسى الميدان والشوارع المحيطة باللون البنفسجي والأبيض؛ لون شعار اليسار النسوي في سويسرا، مغلِّفًا لشعارات العدالة الاجتماعية والمساواة، لكنها لم تخلُ من شعارات حادة لا أفهم منطقيتها.

أمام محطة القطار (على الجانب الآخر من الميدان) نصبت المتظاهرات تمثالًا ضخمًا للعضو التناسلي النسوي بشكل يشبه موجة الـ Pussy Riots في أمريكا، المنادية بالمساواة من خلال التأكيد على الإختلاف!

لم يكن هذا ما استرعى فضولي، بل ما رأيته مكتوبًا أمام التمثال بالطباشير بالألمانية والعربية: “سيدات سوريا تؤيدن المرأة السويسرية في طلباتها المشروعة”. وحول التمثال فج الشكل، وقفت خمس عربيات محجبات وسط المتظاهرات السويسريات.

متظاهرة محجبة في احتجاجات سويسرا

على طريقة فيلم “عوكل” تساءلت في داخلي: “إيه اللي جاب القلعة جنب البحر؟ هل يمكن أن تتظاهر عربية محجبة بجانب تمثال عضو تناسلي؟ وما هي الحقوق التي تدعم “المرأة السورية” نساء سويسرا لنيلها؟ ألا يدركن كم الكوميديا السوداء في الشعار الغريب، وكأن المرأة العربية حصلت على حقوق أكثر من نظيراتهن السويسريات المسكينات؟

الإختراق البراجماتي “المحجب”!

بدا بالأمر قدر من البراجماتية الشديدة التي لا يمكن أن تكون وليدة هؤلاء النساء وحدهن.. براجماتية تناسب جماعة تريد أن تصدر نفسها باعتبارها الجانب التقدمي من الإسلام السياسي والإجتماعي.. الإخوان.

عدت في الظهيرة، فرأيت تطور “التضامن” العربي كمًا وكيفًا. ظهر عدد كبير من النساء ذوي الأصول الشمال أفريقية من مناطق سويسرية تتحدث الفرنسية دعمًا لمن جئن مبكرًا، ورفع الجميع لافتات تدعو لاحترام الحجاب!

بشكل منظم، رفعت النساء اللائي لم يتكلمن الألمانية لافتات ألمانية وزعها عليهن رجل ضخم تقول: حجابي خياري (Mein Hijab Meine Wahl).

لافتات حجابي خياري (Mein Hijab Meine Wahl)

لست بصدد مناقشة الحجاب، لكن التنظيم الشديد في الحركة للسيطرة على الأقل على جانب محطة بيرن من الميدان.

بعد الغداء اكتملت المرحلة الثانية بسماعات ضخمة تردد أغاني لا علاقة لها بالحجاب، ولا تفهمها السويسريات بطبيعة الحال، لكنهن – كعادة الغرب – رأين في الأمر شيئًا شرقيًا ممتعًا يضخ الحيوية، فتراقصن على الأغاني التي تعكس لهجات وموسيقى الريف السوري، بينما الميدان يستقبل المزيد من المحجبات بما يشبه كثيرًا “مظاهرات الحرائر” لنصرة محمد مرسي.

لم يمضِ الوقت وتسارعت الوتيرة حتى صارت المظاهرة عن حقوق نساء سوريا الهاربات من جحيم الحرب، ورُفعت أخيرًا أعلام ما يُسمى بالثورة السورية، تلتها سيدة قدمت نفسها كمحامية هربت من سوريا لتدعم حقوق السويسريات!

أخيراً اكتملت الرؤيا في الرابعة مساءً بظهور الدعم الذكوري الذي أكمل احتلال الناصية بمظاهرة لدعم سوريا وغزة، وتوزيع الأعلام والـ “بادجات” المجانية.

لعبة الكراسي الموسيقية

على غرار الإنجليز، يقدر السويسريون شراب الساعة الخامسة، باختلاف تفضيل القهوة على الشاي. اختلست تلك اللحظات الهادئة قليلًا للدردشة مع بعض السويسريين المشاركين في مظاهرات الحرائر.

وعلى طريقة “شيلني وأشيلك” فهمت من رجلٍ كهل أن المجموعات اليسارية القائمة على تنظيم المظاهرة الضخمة نسقت مع مجموعات تمثل الأقليات المختلفة، ومنها منظمات حقوق الإنسان العربية والإسلامية القائمة في جنيف تحديدًا (الأمر الذي يفسر الحشد القادم من مناطق تتحدث الفرنسية إلى بيرن ألمانية اللغة).

كان الرجل صريحًا: “لن يتحرك اليسار دون التحالف مع القوى المؤثرة” في بلد يحاط بجدار اقتصادي عالٍ يفصله عن محيطه الأوروبي، ولا يسهل الحشد والحركة منه وإليه، بما يقلل حجم التضامن اليساري المنتظر من حركات ألمانيا وفرنسا.

إشكاليات التحالف الخفي

الإشكالية المبدئية هنا أن المتظاهرين لم يطلعوا على تلك التنسيقات الأشبه بلعبة الكراسي الموسيقية بين اليسار الذي يتبنى مبادئ إسلامية والعكس على طريقة ما يسميه الإنجليز: You scratch my back, and I scratch yours.

المتظاهرة النسوية السعيدة بما تراه مشاركة وتضامنًا بريئًا من شريكاتها قاطنات سويسرا العربيات، لا تعرف بأمر ذلك التنسيق على مستوى أقاليم سويسرا بأغراض سياسية أكبر مما يبدو.

الإشكالية الأخطر أنها عملية خالية من التنسيق المحكم؛ فتلك البراجماتية المزعومة والمبنية على المشاركة تفقد معناها عند حركة أحد طرفيها نحو المغالبة لا المشاركة، كما يظهر فقط من تلك العينة التي تراها بعينك في بقعة جغرافية محددة بين التاسعة صباحًا والخامسة مساءً.

الواقع السويسري يتطلب النظر إلى ما هو أبعد مما يراه ذلك الرجل الصريح نسبيًا؛ فسويسرا ليس لديها نسبة كبيرة من المهاجرين كجيرانها. هي ليست جزءًا من الاتحاد الأوروبي، ومنظومتها الاقتصادية أكثر تعقيدًا من أن تتقبلهم، كما أن الحياة فيها أغلى بكثير من جاراتها الأوروبيات، وبالتالي فإن نقطة الجذب الأولى لتحالف بين كيانات إسلامية وجماعات اليسار ليس الحشد البشري كما هو الحال في فرنسا أو ألمانيا مثلًا، وإنما الحضور المالي القوي لدول دعم الإخوان في واحدة من أهم عواصم المال في العالم، جنيف.

تحالف المال

أحد أشهر نقاط تحالف اليسار – الإخوان في أوروبا هو مركز سعيد رمضان (زوج ابنة حسن البنا مؤسس الجماعة) في جنيف، وهو مركز يقدم نفسه كإسلامي بمبادئ لا تختلف مع اليسار، الأمر الذي جذب يساريين سويسريين للانضمام إلى مظلته الإسلامية، كأحمد هوبر (Ahmed Huber).

في وقتٍ معاصر لتأسيس المركز، وصل عضوا الإخوان المسلمين البارزان يوسف ندا وغالب همت لتأسيس بنك كامل في جنيف (بنك التقوى)، الذي صار خزينة عمليات الإخوان في المنطقة.

الغريب أن الولايات المتحدة كانت قد أدرجت هوبر وبنك التقوى على لائحة الإرهاب بعدما كشفت المخابرات الأمريكية صلاته المادية والأيديولوجية بالقاعدة، ثم رفعته منها فيما بعد. لكنه ما زال يعمل بحرية في جنيف، بما شجع على تأسيس المزيد من الجمعيات التابعة رأسًا لتنظيم الإخوان الدولي، مثل منظمة مسلمي سويسرا، ومنظمة اتحاد الجمعيات الإسلامية؛ وهي منظمات أسسها الإخواني التونسي محمد كرموس، ولها حضور فاعل في قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في سويسرا.

النجاح الذي حققه سعيد رمضان استكمله نجله صاحب الفضائح الجنسية الشهيرة طارق رمضان، الأكاديمي الذي عمل كقناة للتمويل القطري في جنيف.

بداية طارق رمضان كانت بحصوله على مرتب شهري بلغ 35 ألف دولار من “جمعية قطر الخيرية Qatar Charity” مقابل نشاطه “الإستشاري” في مجال الجمعيات الخيرية وحقوق الإنسان في جنيف.

تلك الجمعية التي تحصل على تمويلها رأسًا من صندوق قطر السيادي كانت محل تحقيق خطير الشهر الماضي من صحفيين فرنسيين، أظهر ضخ أكثر من 70 مليون يورو في مجال الدعوة وحقوق الإنسان في فرنسا وسويسرا.

لا أعتقد أن القائمين على تلك الاتفاقات بين جماعات اليسار النسوية والجماعات الإسلامية المتمركزة في جنيف تهدف بالضرورة لمكاسب محدودة كزيادة مرتبات النساء أو عدد من المقاعد، وإنما مكاسب إقليمية ومالية مخفية بالنظر لخصوصية لسويسرا و”حياديتها” محل التساؤل والشكوك، خصوصًا في النشاط الدولي القائم في جنيف.


أوراق قطر| تتبع تمويل الدوحة لـ طارق رمضان فكشف شبكة تمويلها للإخوان في أوروبا؟ | س/ج في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك