أبلغ نبيه بري، رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الشيعية، السفيرة الأمريكية في لبنان إليزابيث ريتشارد، أن المجلس النيابي بصدد التحضير لإقرار تشريعات جديدة تستهدف تقنين الحشيش زراعة وتصنيعًا.
التشريع الجديد طرح كفكرة من مكتب استشاري عالمي كلفته الحكومة اللبنانية بتطوير خطة جادة لإنقاذ اقتصاد البلاد المتعثر.
الدعوة إلى تقنين الحشيش سنوية تقريبًا، لكن الحملة الأبرز ظهرت في منتصف 2014. بدأت حينها بين الأوساط الشعبية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتلقت دعمًا من زعماء سياسيين.
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي وليد جنبلاط، قال في حديث تلفزيوني إنه “لا خوف من تقنين الحشيش لأسباب طبية، وهي لا تشكل خطرًا على الصحة ما لم تصبح إدمانًا”، معتبرًا أن “إيرادات الحشيش في البقاع كانت تفعّل الدورة الاقتصادية في لبنان”.
وزير السياحة الأسبق فادي عبود، القيادي في التيار الوطني الحر، دعا حينها، في حديث تلفزيوني أيضًا، إلى تقنين الحشيش للتصدير وليس الاستهلاك المحلي، بما سيعود على لبنان بإيرادات مهمة.
الخارج عن السياق أن وزراء حزب الله حينها عارضوا تقنين الحشيش بشدة، بدعوى تعارضه مع الشريعة الإسلامية، رغم تزامن الطرح مع كشف متواصل لعدة دول عن تورط التنظيم في شبكات دولية لتجارة المخدرات.
يعد لبنان أحد البلدان الرئيسية المنتجة للحشيش رغم حظر زراعته، وفي 2017، صنفته الأمم المتحدة كرابع منتج للحشيش عالميًا.
يقول وزير العمل اللبناني محمد كبارة إن “تشريع زراعة الحشيش لأغراض صحية ينفع المجتمع ويعود بمداخيل مالية”.
في يناير الماضي، كلف مجلس الوزراء اللبناني شركة “ماكينزي أند كومباني” الأمريكية بإعداد دراسة خلال ستة أشهر تستهدف تطوير رؤية تُحدد مستقبل البلاد الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة.
الشركة، التي حصلت على 1.4 مليون دولار مقابل إعداد الدراسة، قررت إسناد الأمر إلى خبراء محليين، لم تكشف أي من المصادر عن هويتهم.
الإسناد أثار الجدل في لبنان حينها. وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم قال إن المجلس الاقتصادي الاجتماعي، المعاد تشكيله، يملك دراسة شاملة تحدد الرؤية الاقتصادية، كما وضع حزب الكتائب رؤية في 2015 كان مصيرها الأدراج، فضلًا عن توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي لم يُنفذ منها إلا القليل.
تقرير المكتب الاستشاري الدولي، الصادر مؤخرًا، تضمن اقتراحًا بإنشاء مناطق لزراعة الحشيش لأغراض صحية وفي إطار قانوني.
وزارة الاقتصاد قالت إن تشريع الزراعة يمكن أن يدر أكثر من 500 مليون دولار سنويًا، عبر آلية للمراقبة تشمل إنشاء ضريبة على الحشيش، ما يخفف العب الاقتصادي على الدولة اللبنانية، التي يعاني من ديون تتجاوز 150% من الناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ أيضًأ: لبنان.. تحديات وفرص اقتصادية
يملك لبنان تاريخًا طويلًا مع زراعة الحشيش، التي تتركز أساسًا في سهول منطقة البقاع الخصبة شرق البلاد، والتي تمتد على مساحة 120 كلم من الشمال إلى الجنوب. وتعود هذه الزراعة في لبنان إلى عدة قرون منذ العهد العثماني على الأقل.
أثناء الحرب الأهلية، اعتمدت الميليشيات المتصارعة على الحشيش لتوفير نفقات القتال. وفي منتصف الثمانينات قدرت أجهزة الاستخبارات الغربية إنتاج الحشيش بأكثر من 1814 طنًا سنويًا.
في فترة الانتشار العسكري السوري، تشير تقارير صحفية عدة إلى تورط مسؤولين سوريين رفيعي المستوى في زيادة نسبة الأرض المزروعة بالمخرات من 10 إلى 90%.
مع الانسحاب السوري، استهدفت الحكومات اللبنانية القضاء على زراعة الحشيش، لكنها فشلت بصورة ذريعة، حتى أن تاجرًا معروفًا عرض على الحكومة علنًا تشريع التجارة مقابل تسديد ديون لبنان.
وواجهت الأجهزة الأمنية صعوبات ضخمة في التصدي لزراعة الحشيش، التي تشرف عليها عائلات معروفة بصلاتها الوثيقة مع حزب الله، في منطقة تبسط عليها ميليشيات التنظيم سلطة علنية، لدرجة استهداف جرافات الجيش بقاذفات الصواريخ في 2012.
تشير مصادر متطابقة لتورط حزب الله في تأمين زراعة الحشيش والاتجار به في مناطق نفوذه؛ لتوفير دخل ضخم يمول عملياته العسكرية التي اتسعت مؤخرًا لتشمل عدة دول في المنطقة، وكذلك التعويضات التي يدفعها لمصابيه وأسر قتلاه، ونشاطاته الخدمية.
اقرأ أيضًا: حزب الله وتجارة الكوكايين.. مافيا أم حركة مقاومة؟
جهاز الأمن الإسرائيلي “الشين بيت” اتهم حزب الله في أكثر من مناسبة بمحاولة تهريب متفجرات عبر الحدود بمساعدة مهربي مخدرات وثيقي الصلة بالتنظيم.
تشير الأدلة المتاحة إلى أن التنظيم له باع طويل في استخدام خطوط طولية لتهريب المخدرات عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية لأغراض ذات صلة بالعمليات العسكرية، والتي من بينها مبادلة المخدرات بالمعلومات الاستخباراتية من مجرمين عرب، وأحيانًا يهود إسرائيليين.
يعتبر حزب الله على خامنئي، مرشد الثورة الإيرانية، مرجعيته الدينية الأعلى. ويحرم خامنئي استخدام الحشيش وزراعته وتجارته إلا بغرض التداوي.
ويحرم خامنئي المال المجموع من تجارة الحشيش، ويصفه بـ “السحت” ويوجب التصدق به، أو بخمسه إذا اختلط بمال حلال، ويفتي بدفع الصدقة أو”خمس الأموال” إلى ولي الأمر الشرعي.
قال تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي نشر في نوفمبر ٢٠٠٨ إن الحزب يستند في تقنين الحشيش إلى تصريح خاص تحصل عليه من زعيم روحي، “بأن تجارة المخدرات مقبولة أخلاقيًا في حالة بيعها للزنادقة الغربيين كجزء من الحرب ضد أعداء الإسلام”. لكن التقرير لم يذكر من هو هذا الزعيم الروحي الذي أعطى الفتوى.