لماذا لا ينسى ضحايا التحرش ذكرياتهم المؤلمة بالتقادم؟ | س/ج في دقائق

لماذا لا ينسى ضحايا التحرش ذكرياتهم المؤلمة بالتقادم؟ | س/ج في دقائق

26 Sep 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

غالبية تجاربنا الحياتية لا تترك أثرًا في ذاكراتنا. التحضير لاختبار صعب أو دراسة مهام الوظيفة الجديدة، على ما فيه من جهد، يبقى قابلًا للنسيان، ويظل استدعاء معلوماته تحديا في غاية الصعوبة.

لكن التجارب المؤلمة، ومنها التحرش الجنسي، تطارد الضحية. تأبى النسيان مهما مرت السنوات، ومهما بذل من جهود لتجاوزها.

فما تفسير تلك الظاهرة علميًا؟

وكيف يتعامل الدماغ وقت الخطر؟

لماذا يضطرب الضحية عند استرجاع الواقعة؟

وهل يمكن وضع حد للمعاناة؟

س/ج في دقائق


بشكل عام، ماذا يحدث في الجسم في مواجهة الخطر؟

يقول خبراء الطب النفسي والأعصاب إن تعرض شخص ما لخطر شديد، يزيد معدل ضربات القلب، ويتسبب في انكماش الشرايين، وتوجيه مزيد من الدم إلى العضلات، التي تتوتر بدورها استعدادًا لمعركة حياة أو موت محتملة.

بالتزامن، يزداد إفراز العرق في محاولة لتبريد الجسم وتحسين التحكم في الراحتين والقدمين لتطوير القدرة على الجري استعدادًا للهروب.

في حالات أخرى، عندما يكون الخطر شديدًا، يتجمد الجسم ويفقد القدرة على الحركة.

غالبًا ما تكون الاستجابة للتهديدات مصحوبة بمجموعة من الأحاسيس والمشاعر. قد تزيد حدة الحواس بما يساهم في تضخيم القدرة على كشف التهديد والاستجابة له.

قد يعاني الشخص من وخز أو تنميل في الأطراف، أو ضيق في التنفس، أو ألم في الصدر، أو مشاعر ضعف، أو إغماء، أو دوخة. قد تتسابق الأفكار، أو على العكس، تتوقف تمامًا لتفصل الشخص عن الواقع، بجانب الشعور بالرهبة، العجز، الذعر، العجز، عدم السيطرة، أو الفوضى.

ردود الفعل هذه تكون تلقائية لا يمكن إيقافها، بغض النظر عن الشعور المتأخر بالذنب أو العار لأن الضحية هرب من الموقف ولم يخض المعركة.

التحرش: المعنى المفقود في الترجمة.. وأين الجريمة في التحرش “الناعم”


كيف يتعامل الدماغ وقت الخطر؟

حققت الأبحاث البيولوجية على مدى العقود القليلة الماضية تقدمًا كبيرًا في فهم كيفية استجابة الدماغ للتهديد، إذ تتحكم في استجابات الدفاع أنظمة عصبية ورثها البشر عن أسلافهم البعيدين.

واحدة من اللاعبين الرئيسيين هنا هي اللوزة الدماغية، وهي جزء من الدماغ تقع في عمق الفص الصدغي الأوسط، تعالج معلومات التهديد الحسي، وترسل المخرجات إلى مواقع الدماغ الأخرى، مثل الوطاء، المسؤولة عن إطلاق هرمونات التوتر، أو مناطق جذع الدماغ، التي تتحكم في مستويات اليقظة والسلوكيات التلقائية، بما في ذلك الجمود أو التجميد.

تشير الأبحاث التي أجريت على حيوانات التجارب ومؤخرًا على البشر إلى وجود مسارين محتملين تتلقى من خلالهما اللوزة الدماغية المعلومات الحسية:

أولهما الطريق المنخفض، والذي يمد اللوزة بإشارة سريعة لكنها غير دقيقة من المهاد الحسي. ويعتقد أن هذه الدائرة مسؤولة عن الاستجابة الفورية اللا واعية للتهديد.

المسار الثاني يتعلق بالطريق المرتفع، من خلال المناطق الحسية في القشرة المخية، والمسؤول عن إمداد اللوزة الدماغية بتفاصيل معقدة عن مصدر التهديد، فيما يعتقد الباحثون أنه ينطوي على معالجة جوانب التهديدات التي يدركها الشخص بوعي.

هذا النموذج الثنائي يوفر تفسيرًا علميًا لكيفية التعامل مع التهديدات المختلفة، فعلى سبيل المثال، عندما تسمع صوتًا صاخبًا فتشعر بتجمد مؤقت، هنا يتعامل المخ عبر الطريق المنخفض ليصدر أمرًا مباشرًا للجسم باتخاذ سلوك دفاعي لا إرادي، فإذا لاحظت شخصًا يحمل مسدسًا، فبدأت في فحص المكان للعثور على مكان للاختباء ومسار للهروب، هنا يعمل الطريق الأعلى.

المخ يكون قادرًا على ترميز الذكريات المتميزة بالتوازي لنفس الحدث، فيبقى بعض التفاصيل صريحة، لكنه يبقى تفاصيل أخرى في حيز لا واع.

إنفوجرافيك في دقائق: التحرش الجنسي حول العالم.. إحصائيات مرعبة


كيف فهم العلماء الأمر؟

التهديد الشرطي مثال تجريبي للذكريات الضمنية. في المختبر، يقرن الباحثون محفزًا ضارًا كالصدمة الكهربائية، يؤدي إلى استجابات التهديد الفطرية، مع محفز محايد، مثل صورة أو صوت أو رائحة. صوت أو صورة أو رائحة لم تكن لتمثل أي شيء مميز لو لم تكن مقترنة بالتجربة المؤلمة. صورة البحر مثلا، وصوت أمواجه، ورائحة نسيمه.

هنا يشكل المخ ارتباطًا قويًا بين الحافز المحايد واستجابة التهديد. الآن هذه الصورة أو الصوت أو الرائحة تكتسب القدرة على بدء تفاعلات التهديد التلقائي اللاواعي، حتى في غياب الصدمة الكهربائية (أو غياب أي تهديد في الحياة العادية)، فيما يشبه تجربة بافلوف في الارتباط الشرطي.

الاستجابة المشروطة هنا تتشكل عادة بعد الاقتران بين التهديد الفعلي أو التحفيز الضار والمحفز المحايد، وتستمر مدى الحياة.

ليس مستغربًا أن هذه الاستجابات تدعم القدرة على البقاء، ففي حالة الأطفال مثلًا، يحرص الطفل على الابتعاد عن الموقد تجنبًا للحرارة أو الألم، إذا تعرض للاحتراق ذات مرة. لأن صورة النار ارتبطت شرطيا بالألم.

الدراسات تشير إلى أن اللوزة الدماغية تلعب دورًا مهمًا في ترميز وتخزين الارتباطات بين المحفزات الضارة والمحايدة، وأن هرمونات التوتر والوسطاء مثل الكورتيزول والنورادرينالين يلعبون دورًا مهمًا في تشكيل ارتباطات التهديد.


ما علاقة ما سبق بضحايا التحرش الجنسي؟

يعتقد الباحثون أن الذكريات المؤلمة تمثل نوعًا من الاستجابة الشرطية للتهديد. بالنسبة للناجي من حادث دراجة، فإن رؤية شاحنة تقترب بشدة تذكره فورًا بالشاحنة التي صدمته، ما يتسبب في تسارع ضربات القلب والتعرق الحاد. بالنسبة للناجي من اعتداء جنسي، تؤدي رؤية الجاني أو شخص يشبهه إلى الشعور بالارتجاف واليأس والرغبة في الاختباء أو الهرب أو القتال. هذه الاستجابات تظهر فورًا بغض النظر عن استدعاء ذكريات واعية من الصدمة نفسها.

نشير هنا إلى أن الذكريات الواعية للصدمة يجري ترميزها عبر مناطق مختلفة من المخ، بما ينتج أشكالًا مختلفة من الخبرة. تلك الذكريات تعكس رعب التجربة الأصلية. قد تكون أقل تنظيمًا من الذكريات المكتسبة في ظل ظروف أقل إرهاقًا، لكنها عادة ما تكون أكثر حيوية، وأكثر كثافة، وأكثر ثباتًا .

الذكريات يمكن توصيفها كظاهرة بيولوجية ديناميكية على هذا النحو. ويؤدي التعرض لإشارات تسبب استعادة الذكريات المؤلمة إلى تنشيط الأنظمة العصبية التي تخزن الذكريات. هذا يشمل التنشيط الكهربائي للدوائر العصبية، وكذلك العمليات الكامنة داخل الخلايا.


هل يمكن وضع حد لمعاناة الضحية؟

يمكننا القول أن الذكريات المفككة تبقى قابلة للتعديل، وتعتمد سمات التعديل واتجاهاته على ظروف الشخص الذي يسترجعها، لكنها عادة ترتبط بمستويات عالية من الإجهاد. وتعمل هرمونات الإجهاد على دوائر الدماغ النشطة، بما قد يؤدي لتقوية الذاكرة الأصلية للصدمة، فيما يعرف بإعادة دمج الذاكرة.

مع ذلك، هناك استراتيجيات سريرية لمساعدة الضحايا على الشفاء من الصدمات العاطفية. عامل واحد حاسم هنا هو الشعور بالأمان؛ فاسترجاع الذكريات المؤلمة في ظل ظروف آمنة ومستويات إجهاد منخفضة نسبيًا وتحت السيطرة تساعد الضحية على تحديث أو إعادة تنظيم تجربة الصدمة، بما يتيح الفرصة لربط الصدمة بتجارب أخرى وتقليل تأثيرها المدمر، فيما يسميه علماء النفس بالنمو اللاحق للصدمة.

من الواجب الأخلاقي مراعاة الظروف التي يجري فيها استرجاع الذكريات المؤلمة، سواء أثناء العلاج، أو أثناء تحقيقات الشرطة، أو جلسات المحكمة، أو الشهادات العامة؛ فقد يكون استدعاء الصدمة جزءًا من الشفاء أو يؤدي لإعادة الصدمة وتثبيتها، واستمرار آثارها الضارة.


هذا الموضوع تلخيص لما ورد في مقال منشور على موقع popular science. لقراءة التفاصيل اضغط هنا.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك