طه حسين وعباس العقاد.. من هو عميد الأدب العربي حقًا؟

طه حسين وعباس العقاد.. من هو عميد الأدب العربي حقًا؟

29 Oct 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عميد الأدب العربي.. لقب يتلازم عن استحقاق مع خريج السوربون، صاحب المآثر الجلي في دراسة الأدب والنقد، وكذلك نشر التعليم الحديث، لكن التساؤل بقي مطروحًا: لماذا لم يحظ الدكتور طه حسين بتقدير شعبي، كالذي ناله مثلًا الأديب المكثر عباس محمود العقاد، بإطلاق اسمه على شارع واسع في العاصمة المصرية القاهرة! أو حتى لماذا وضع الاثنان في مرتبة قريبة رغم ما لطه حسين، في الواقع، من فضل وتفوق!

تضاد الموقف من التراث

يبدو الأمر لي نابعًا من التضاد بين موقف الرجلين من التراث، وكذلك رؤيتهما لطريقة التعامل مع الحضارة. فطه حسين، الذي محّصته بالنار محاكمة الرأي التي خاضها إثر نشر كتابه “في الشعر الجاهلي”، كان من دعاة التحديث المطلق، مقاومًا للرؤية القائلة بأن اللحاق بالغرب والاستفادة منه فيها خطر هائل على الدين والهوية الإسلامية؛ فهو القائل في كتابه السابق لعصره “مستقبل الثقافة في مصر”:

لكن السبيل إلى ذلك (أي التحضر) ليست في الكلام يُرسل إرسالًا، ولا في المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما هي واضحة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي واحدة فذة ليس لها تعدد، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يُحَب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يعاب

يواصل طه حسين: “ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع. والغريب أننا نسير هذه السيرة في حياتنا العملية اليومية، ولكننا ننكر ذلك في ألفاظنا وعقائدنا ودخائل نفوسنا، فنتورط في نفاق بغيض لا أستطيع أن أسيغه. إن كنا صادقين فيما نعلن ونسر من بغض الحياة الأوروبية، فما يمنعنا أن نعدل عنها عدولًا؟ وإن كنا صادقين فيما نقدم عليه كل يوم وفي كل ثني من أثناء حياتنا العملية من تقليد الأوروبيين ومجاراتهم، فما يمنعنا أن نلائم بين أقوالنا وأعمالنا؛ فإن هذا النفاق لا يليق بالذين يكبرون أنفسهم ويريدون أن يرتفعوا بها عن النقائص والدنيات؟”.

ويستمر في هذا الخطاب حتى يقول بعد صفحات:

فإذا كنا نريد هذا الاستقلال العقلي والنفسي الذي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والأدبي والفني، فنحن نريد وسائله بالطبع، ووسائله أن نتعلم كما يتعلم الأوروبي، لنشعر كما يشعر الأوروبي، ولنحكم كما يحكم الأوروبي، ثم لنعمل كما يعمل الأوروبي، ونصرف الحياة كما يصرفها.

ومعنى ذلك أننا بين اثنتين: فإما أن نريد حياة الحرية والعزة وإذن فلنسلك إليها السبل التي سلكتها الأمم الحرة العزيزة، وإما أن نريد حياة الذلة والاستعباد، وإذن فالأمر يسير، وهو أن نترك أمورنا فوضى تمضي كما تستطيع على غير نظام وفي غير طريق.

تجديد اللغة العربية.. أي نهجيك تنهج؟

نظريات استرضاء الجماهير

أما العقاد – الذي ترك وراءه كتبا من طراز “الله”، “أبو الأنبياء”، وسلسلة العبقريات – فقد كان يفضل إسماع الجماهير ما تحب، ولو وصل الأمر لاسترضائها بترديد نظريات المؤامرة عن “سرقة الحضارة”، التي تلقفها الإسلاميون من بعده وجعلوها من دعائم دعايتهم. فهو القائل في كتاب “دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية”:

إن حيوية التاريخ واللغة هي التي أوحت إلى عقول المتيقظين من أبناء الشرق أنهم يشبهون أنفسهم في أيام مجدهم وازدهار لغتهم، ولا يشبهون الأوروبيين في حضارتهم الحديثة التي انتصروا بها على جيش المماليك الغرباء عن ذلك التاريخ وعن تلك اللغة عند سفح الأهرام

يضيف العقاد: “فلم تمض سنوات على افتتان الشرق المغلوب بمظاهر القوة في الحضارة الأوروبية الحديثة، حتى سُمِعت في مصر وفي العالم العربي صيحة الدعوة إلى إحياء التراث القديم ورد الأمانة إلى أهلها مرة أخرى قبل فوات الأوان؛ لأن الحضارة الحديثة  عند الأوروبيين عارية مستعارة من هذا الشرق العربي، أخذوها وأقاموا بنيانهم على أساسها الذي هو أولى بنا ونحن أولى به من أن نتركه للمستعمرين المتطفلين عليه، وليس بالعسير علينا أن نقيم بناءنا الجديد على أساسنا القديم”.

لهذا كانت الصدمة صدمة إحياء للتراث القديم، ولم تكن في أشد أيام الضعف والمحاكاة صدمة تسليم وفناء

ويكمل حديثه عن نهضة الأدب العربي حتى يقول واصفًا الحركات الشعرية الجديدة:

“وأخذت الدعوة إلى هدم قواعد الفنون تظهر حينًا من جانب العاجزين عن التعبير الفني بقواعده الأصيلة، وحينًا آخر من جانب المتواطئين على الهدم والمتعللين له كل يوم من وراء الستار بعلة جديدة. وأخذت الشعوبية تحارب العروبة بمختلف الأسلحة أو مختلف الحيل والأحابيل”.

ولكن حيوية اللغة –ومعها حيوية التاريخ العريق – هما الحارس القوي الأمين الذي تقاصرت عنه تلك الحيل وتلك الجهود، فبقيت النهضة على حصانتها المنيعة بين العاملين على هدمها وتعويقها، عامدين لرغبتهم في الهدم، أو غير عامدين لعجزهم عن النهوض بمطالب الفن الصحيح

متى ننصت لصوت العقل؟

سلب رسالة النهضة

لاحظ كيف سلب الرجل، بهذه العبارة البراقة، رسالة النهضة العربية من صناعها الحقيقيين (وهم في العادة مسيحيون سوريون، مثل فارس الشدياق وبطرس البستاني ويعقوب صروف)، ليمنحها من يظنهم “أحق بها وأهلها” من القوميين العرب، المأسورين بتاريخ الجهاد في القرن الأول الهجري، لدرجة أنهم ينظرون لكل مرحلة من وجودهم وكأنها فرصة لإحياء أمجاد الأمس.

وما الضير في ذلك، فلعل العقاد تناسخت فيه روح ذلك الوراق الشيعي، الذي كان ينسخ حكم الفرس والهنود، ويلصق بها أسانيد إلى أهل البيت، وحين يُسأل عن ذلك يقول “أردّ الحكمة إلى أهلها!” هكذا يروي التوحيدي في “البصائر والذخائر.”

لا عجب إذن –والحال كما ترون – أن يكتب الرواج لتصور العقاد عن الحضارة العربية، في ماضيها ومستقبلها، أما طه حسين فينضمّ إلى مصافّ “زنادقة” القرن العشرين! فالنظام الناصري في “جمهورية مصر العربية” يستفيد من هذا السرد، وللإسلاميين بكل ضروبهم فيه مأرب، فضلًا عن النكوصيين الجدد من نقاد الاستشراق، من إدوارد سعيد إلى جوزيف مسعد.

ومن هذه الزاوية، المسيطرة كما يبدو على ساحة الفكر والكتابة اليوم، يحق لنا القول: خذوا العقاد إليكم، وليصبح عميد “أدبكم” كما تحلمون؛ أما طه حسين فإن له منزلة “يقصر عنها طمع الطامع”.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك