أفخاخ الإسلاميين في دقائق: 7- فخ الاقتصاد الإسلامي | هاني عمارة

أفخاخ الإسلاميين في دقائق: 7- فخ الاقتصاد الإسلامي | هاني عمارة

15 Dec 2018
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لا يحمل التاريخ الإسلامي وتطور التشريع نظرية متكاملة لما طرح حديثًا بما يسمى “الاقتصاد الإسلامي” كنظرية مستقلة تتعلق بالمعاملات.

تعاملت مجموعة أحكام، مردها بعض النصوص واستنباطات الفقهاء الأصولية، مع بعض المعاملات المالية بالتحليل أو التحريم، “الربا” مثلًا، لكنها لم تلزم الحاكم بسياسة اقتصادية معينة، بل أقرت ضمنًا لرأس السلطة بحق اتخاذ ما يراه مناسبًا، بضبط الأسواق، والتحكم في الأسعار، ونزع الملكيات، وفرض الضرائب، ومنح العطايا. هذا واضح في كتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية.

شمولية الإسلام

ومع تأسيس الدول الحديثة، انتقلت النظم الاقتصادية إلى المعاملات المالية في الدول ذات الأغلبية المسلمة، وظهرت مسألة فوائد الفروض، ومدي انطباق حكم الربا عليها، مع مسائل أخرى مشابهة، دون الادعاء بأن الأسلام أسس نظرية اقتصادية مستقلة ومتكاملة.

زالت سلطة الدولة العثمانية عن الدول الناطقة بالعربية، ثم سقطت كليًا، وتأسست الدول بشكلها الحديث في المنطقة، بالتزامن مع دعوات، بدأها حسن البنا، تطالب بالعودة لـ “دولة الإسلام”،  رافقها نظرية شمولية الإسلام، والاقتصاد جزء منه بالضرورة، باعتبارها “نظرية إلهية” تحل المشكلات التي عجزت النظريات الاقتصادية “الوضعية” عن حلها.

ولأن المعرفة البشرية تتطور، وتتحول بالتبعية بين النظريات الاقتصادية التي تظنها أقرب للتعامل مع واقعها، تعسف “الإسلاميون” في تأويل النصوص والتلاعب بدلالات الألفاظ، في تخبط مستمر؛ لإثبات أن “الله” وضع للبشر أسسًا اقتصادية شاملة. هذا التعسف رافقة تكييف النص لإثبات ارتباطه بحال الاقتصاد، وبالتالي شمولية الإسلام.

الإسلام الاشتراكي

البداية هنا مع رسائل حسن البنا، التي  شرح فيها ما يراه نظامًا شاملًا لإدارة الدولة، وبينها رسالة النظام الاقتصادي، التي ردد فيها أفكارًا شعبوية اشتراكية كانت سائدة لدى العوام حينها، وقدم تصورًا ساذجًا للاقتصاد المعاصر، غلب عليه فكرة سيطرة الدولة على الأسواق، ومحاربة “الثراء الفاحش”، والتقليل من الكماليات، وتمصير الشركات “التأميم لاحقًا”.

لم يكن البنا متمرسًا بالفقه، خصوصًا فقه المعاملات، الذي يعتمد على التخريجات الأصولية أكثر من النص المباشر، فتعسف في الاستدلال بآيات قرآنية في غير موضعها.

الداعية السوري الدارس في الأزهر مصطفى السباعي، مؤسس إخوان سوريا، حاول استدراك ما فات البنا، فاستخدم ملكاته الفقية في كتابه “اشتراكية الإسلام”.

ركز السباعي على المسائل الأربع المحورية للنظم الاشتراكية (التأميم – تحديد الملكية – الضرائب التصاعدية – التكافل الاجتماعي)؛ فقاس الوقف والحجر على التأميم، وقاس إلزام صاحب الثمر بإعطاء المحتاجين بما يتجاوز حد الزكاة على تحديد الملكية، ودلل على الضرائب التصاعدية بتصرفات بعض الخلفاء بمضاعفة الزكاة على بعض الأثرياء، وعلى التكافل الاجتماعي بإعطاء المحتاجين غير الوارثين نصيبًا من التركة.

تعقبه في هذه المسائل الشيخ محمد الحامد، خطيب حماة، في كتابه “نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام”، وفند مزاعمه وفق الفقه التقليدي.

الإسلام الرأسمالي

في بداية السبعينيات، مع التحول الاقتصادي في مصر، وانتقال منتمين للتيارات “الإسلامية” إلى دول الخليج الصاعدة، وهجرتهم إلى دول رأسمالية، شهدت تكوين جاليات مسلمة هناك، بما ترتب عليه ضرورة التعاطي مع النظم البنكية العالمية؛ نشأت فكرة المصارف الإسلامية، ومعها أعيد صياغة نظرية الاقتصاد الإسلامي لتتماشى مع الرأسمالية وحرية السوق، وظهرت شركات توظيف الأموال كذراع اقتصادي للبنوك الحكومية.

الربا والفائدة

الفكرة الجوهرية التي تمحورت حولها نظريات الاقتصاد الإسلامي هي تحريم الفائدة على القروض والودائع، وعلى أساسها قامت “البنوك الإسلامية”، التي لا تحدد سعر الفائدة، وتعتبر المودع – نظريًا – شريكًا في الربح والخسارة.

هذه المسألة باتت أحد ثوابت الاسلام السياسي المعاصر، تمامًا كالحجاب والخلافة والقدس؛ لا يقبل فيها نقاش أو اجتهاد.

يوسف القرضاوي ألف رسالة “فوائد البنوك هي الربا الحرام” ردًا على مفتي مصر حينها محمد سيد طنطاوي؛ رافضًا التفسير المقاصدي الذي اتبعه باعتبار الربا المقصود في القرآن مسألة اجتماعية تتعلق بمساعدة المعسر على سد حاجته الأساسية، ولا تتعلق بالاقتصاد والاستثمار، بينما معاملات البنوك اقتصادية استثمارية بحتة.

المفارقة أن القرضاوي، في المسائل الأخرى، أحد دعاة المقاصدية واستكشاف روح النص، بينما في هذه المسألة دخل في مزايدة مع بعض السلفيين، الذين التزموا بحرفية النص في حالات الربا الست التي تشمل الذهب والفضة والزروع الأربعة، وبالتالي لا تتسع لأوراق النقد.

المفارقة الأخرى، أن القرضاوي عمل مستشارا لفروع “المعاملات الإسلامية” التي أنشأتها مصارف عالمية غربية تعمل وفق نفس آليات السوق المصرفي، مع تغيير في المسميات. كتسمية فوائد القروض العقارية إيجارا.

فقه الزكاة

في تلك الفترة، ألف القرضاوي كتابه الأشهر “فقه الزكاة”، الذي قدم نفسه فه كداعية للوسطية والعصرانية، معتبرًا أن الزكاة بديلًا إسلاميًا شاملًا للضرائب، وكفيلًا بحل كل مشكلات الدولة المالية، معتمدًا على نقطتين:

1 – توسيع وتكثير مصادر الزكاة:  لتكون المصدر الأساسي لدخل الدولة؛ تعويضًا لغياب المصدر الأهم في تاريخ الدول الإسلامية، وهو الفيء والغنيمة.

الكتاب أوجب الزكاة في مسائل خلافية، وبينها الفواكه، والحلي، وعروض التجارة، والأوراق النقدية، والبترول.

2 – توسيع جهات صرف الزكاة: وذلك تشمل كل مسئوليات الدولة وهي اللي تحايل فيها على النص القرآني بتخصيص صرف الزكاة بثمانية مصارف.

ما بعد القرضاوي

بعد القرضاوي، ظهرت فئة “خبراء الاقتصاد الإسلامي”، ببعض من درسوا الاقتصاد من ذوي الخلفيات الإسلامية، من أبرزهم حسين شحاتة وعبد الحميد الغزالي، المحسوبون على الإخوان، وعلي القرة داغي من العراق، والسلفي علي السالوس، الذين توسعوا في فروع الاقتصاد الإسلامي، واستغلوا النقد الموجه للنظريات الاقتصادية في تلميعه كـ “حل شرعي بديل لفشل المشروعات الغربية” في أوقات الأزمات الاقتصادية، مثل الاثنين الأسود في 1987، أو أزمة الرهون العقارية في 2008.

النقد تركز على تأسيس كيانات “خاضعة للإسلامي السياسي”، بديلة  للكيانات الرسمية والمؤسسات غير الرسمية، ومن بين ما طرحوه تحريم البورصة والسندات، واعتبارها ضربًا من القمار، وشركات التأمين التي وصفوها بنوع من بيع الغرر.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك