أزمة هوليوود الجديدة: فوكس في قبضة ديزني “المهذبة”.. توسع فني أم استعراض قوة؟! | أمجد جمال

أزمة هوليوود الجديدة: فوكس في قبضة ديزني “المهذبة”.. توسع فني أم استعراض قوة؟! | أمجد جمال

28 Aug 2019

أمجد جمال

ناقد فني

سينما عالمية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الأمر ليس بجديد على منظومة الإنتاج في هوليوود المحكومة تاريخيًا بكل قواعد السوق الحر، لكن استحواذ ديزني على منافسها المعاصر “فوكس القرن العشرين” في نهايات 2018 أثار قلق المهتمين بالشأن السينمائي عالميًا؛ كون ضحيته عملاقًا إنتاجيًا راسخا عبر التاريخ، ومسؤولًا عن إنتاج عدة روائع سينمائية، ويدير شبكة من الشركات الأصغر مقسمة لأهداف إنتاجية متنوعة.

صفقات هوليوود التاريخية

لنعود للتاريخ بإيجاز. هوليوود قامت على مبدأ رأس المال الضخم أو الشركات (الاستوديوهات) الكبرى المسؤولة عن الحصة الأكبر من إنتاج وتوزيع أفلام السوق الأمريكي، والمتركز تحديدًا في ولاية كاليفورنيا.

عظماء الإنتاج الخمسة (Big Five) مصطلح كان يُطلق تاريخيًا لتسمية الشركات الخمس الكبرى الحاكمة لسوق هوليوود.

هذه الشركات الخمس في الأربعينيات كانت: بارامونت – وارنر بروس – ر.ك.و راديو – فوكس القرن العشرين – مترو جولدن ماير.

وصلوا إلى ثمانية في الستينييات حين انضم إليهم ما يُعرف بصغار الكبار (Mini Majors): يونيفرسال – كولومبيا – يونايتد آرتيستس. حينها كانت ديزني مجرد كيان مستقل صغير متخصص في أفلام الرسوم المتحركة، وبعيد عن منافسة العمالقة، لكنها صعدت تدريجيًا حتى صنعت إمبراطوريتها الحديثة. ولتعزيز مكانتها، استحوذت في السنوات الأخيرة على عدة شركات أصغر مثل بيكسار ومارفل ولوكاس فيلم (حرب النجوم).

أما بقية العمالقة فمنهم من استطاع الصمود باستقلالية حتى اليوم (بارامونت – وارنر بروس – يونيفرسال)، بينما لاحقت الخسائر البقية عبر العقود، فتفككت وبيعت أسهمها أو بيعت بالكامل لبنوك أو شركات أخرى.

وارنر استحوذت لفترة على مترو جولدن ماير، التي كانت قد استحوذت بدورها على يونايتد آرتيستس. لاحقًا، استحوذت سوني على كولومبيا. أما روكو فاستمر تعثرها حتى انتهت تمامًا.

طمس الهوية

لم تكن الصفقات التاريخية السابقة مخيفة للمتهمين بصناعة السينما؛ فمعظم الشركات المباعة كانت على وشك الإفلاس أصلًا، أو أن من استحوذ عليها لم يحاول طمس هويتها لصالحه. على العكس، حافظت وارنر على مكتبة MGM وساهمت في ترميم معظم كلاسيكياتها وتسويقها حديثًا.

سوني أيضًا لم تغير كثيرًا في النهج الإنتاجي لكولومبيا، التي صنعت 12 فيلمًا فائزًا بأوسكار أفضل فيلم قبل بيعها لسوني؛ أي كان لها قيمة سوقية وفنية.

بدخول سوني معمعة الإنتاج السينمائي، لم تكتف بصناعة الأفلام التجارية الضخمة وسلاسل البلوك باستر، بل أسست شركات صغيرة لإنتاج كل الأنواع الفيلمية، وأهمها سوني كلاسيك بيكتشرز، المسؤولة عن إنتاج وتوزيع الأفلام متوسطة الميزانية، والتي تنافس عادة على جوائز الأوسكار سنويًا.

هذا الدور الفني كانت تلعبه بقية الشركات الكبرى بنسب متفاوتة، ومنهم مجموعة فوكس بفرعيها الأصغر: فوكس 2000، وفوكس سيرشلايت. وعلى خلاف نهج الشركة الأم، تخصصت الشركتان الأصغر بإنتاج الأفلام الصغيرة والمتوسطة ذات النصوص الأصلية، والتجارب الإخراجية المغامرة، والتي تنافس على الجوائز سنويًا، آخرها أفلام The Favourite، Three Billboards، The Shape of Water.

ديزني نفسها لم تحاول طمس هوية الشركات التي استحوذت عليها كبيكسار ومارفل ولوكاس. أو لنكون أكثر دقة، فإن هوية الشركات الثلاث كانت متماهية مع هوية ديزني من الأصل.

لكن الأمر قد يكون في طريقه للتغير مع استحواذ ديزني على فوكس ذات الهوية المختلفة، خاصة مع سلسلة أنباء متعاقبة عن سياسات ديزني حيال منتجات فوكس المجدولة، وحيال الخيارات الفنية والأخلاقية للأخيرة لدرجة مثيرة للقلق.

هل تريد أدلة على طمس ديزني لهوية فوكس كليًا؟! اضغط هنا

بتاريخ 21 فبراير، ذكر آلان هورن (مدير تنفيذي في ديزني للأفلام)، أن شركته لن تسمح بمرور أفلام تحمل علامة ديزني إلا بمراعاة بعض القواعد التي يتوسمها جمهورها، مثل عدم ظهور شخصيات تدخن، أو استخدام الألفاظ النابية، وذكر مثالًا بفيلم Bohemian Rhapsody الذي أنتجته فوكس قبل إتمام الصفقة: “إنه فيلم رائع وناجح جدًا، لكن لا سبيل لصناعة مثله تحت شعار ديزني الآن. جمهور ديزني قد لا يعلم ما سيشاهده، لكنه يعلم ما لن يشاهده. وبعض الأمور  لن نسمح بتمريرها”. لاحقًا، ذكر مصدر لهوليوود ريبورتر أن فيلم المخرج ستيفن سبيلبرج القادم West Side Story الذي بدأته فوكس قد يكون ضحية تلك السياسات.

وفي 24 أبريل، ذكرت هوليوود ريبورتر أن ديزني ألغت مشروعات كانت فوكس تجهز لها قبل بيعها، من بينها فيلم News of the World للنجم توم هانكس، وOn The Come Up عن الرواية الأعلى مبيعًا، وMouse Guard للنجم إدريس ألبا. وعرف المصدر من داخل ديزني أن سبب إلغاء الأخير هو أن تكلفته أعلى مما تستحقه أفلام ما دون السلاسل!

وفي 9 يوليو، نشرت المجلة نفسها خبرًا عن قرار ديزني بتأجيل إصدار فيلم الجريمة The Woman in The Window. كانت تجهزه شركة فوكس 2000 للمنافسة في سباق الأوسكار، والمبني على رواية ناجحة ومن إخراج “جو رايت” صاحب Atonement وDarkest Hour. السبب المُعلن للتأجيل إلى مارس 2020 أن الفيلم ترك انطباعًا بالغموض لدى المتفرجين في العروض التجريبية التي أجرتها ديزني. لاحظ أن الفيلم أساسًا ينتمي لجونرا الغموض! ومنسوب لمخرج مهم وله وجهة نظر فنية. الفيلم يُعاد الآن مونتاجه وتصوير بعض مشاهده لتكون أوضح للمتفرج.

وفي 1 أغسطس، نشرت فارايتي أن إجمالي عدد موظفي فوكس الذين تم تسريحهم وصل إلى 250، بينهم عدد من أبرز المنتجين الفنيين والتقنيين وأهم عاملي الجرافيكس. ويتوقع محللون أن يقفز الرقم إلى بضعة آلاف. إذًا، ديزني دفعت 71 مليار دولار لتستحوذ على شركة لا تريد أبرز فنانيها!

وفي 6 أغسطس، صرح بوب إيجر، المدير التنفيذي لديزني، أن شركته محبطة بسبب الخسائر التي تعرضت لها إنتاجات فوكس في الربع الأول من 2019. على ضوء ذلك يضيف إيجر أنه كلف آلان هورن وآلان بيرجمان (مراقبي فوكس) بتطبيق نفس معايير “الانضباط” و”الإبداع” التي تطبقها ديزني، وذلك يعني التخلي عن معظم المشروعات التي كانت قد جهزتها فوكس، وأخذ علامة فوكس التجارية إلى اتجاه جديد، بالتركيز على تطوير ما تملكه فوكس من سلاسل مثل Avatar، X-Men، وPlanet of Apes، مع استحداث سلاسل جديدة قائمة على منتجات فوكس الشعبية القديمة مثل Home Alone، Cheaper By The Dozen، Night At The Museumـ The Diary of a Wimpy Kid.

لاحظ أن معظمها أفلام عائلية أو موجهة للأطفال. وأن معايير “الإبداع” التي ذكرها سلفًا تعني في قاموسه تكرار القصص القديمة!

وفي 13 أغسطس، نشرت مجلة فارايتي تقريرًا عن تطورات الوضع داخل فوكس. تشير لحادث أثناء العرض التجريبي لفيلم Jojo Rabbit الذي أنتجته فوكس سيرشلايت ومن المتوقع أن ينافس على جوائز الأوسكار، وهو فيلم تاريخي كوميدي يقدم شخصية هتلر وصراعه مع اليهود بشكل ساخر، أثناء العرض التجريبي صاح أحد المنتجين من ديزني اعتراضًا على جرأة محتوى الفيلم التي لا تناسب جمهور ديزني.

الخلاصة: أفلام عائلية، محاذير أخلاقية وسياسية، مزيد من سياسة الأجزاء، واستحداث السلاسل من اللا شيء، ومصادرة رؤى المخرجين لتكون أفلامهم في مستوى المتفرج المتوسط.

علاء الدين بين زمنين.. ربع قرن من الصوابية السياسية | مينا منير

كيف افترست التكنولوجيا السحر والخيال في “الملك الأسد 2019″؟ | حاتم منصور

فوكس.. ديزني 2

كان بإمكان ديزني أن تفعل كل هذا داخل نطاقها القديم، وكانت تفعله بالفعل، ما الحاجة لاستعمار شركة أخرى وجعلها ديزني رقم 2؟ إن لم تكن مجرد صفقة لاغتيال منافس وشل خطوط إنتاجه الأكثر تنوعًا، والتمادي في فرض نمط إنتاجي واحد على ساحة هوليوود لم يكن يعاني من النقص بالأساس.

تحدثنا عن استوديوهات خسرت وتفككت وتلاشت بداية من السبعينيات، لكن لم نذكر أن بعض أسباب التدهور كانت متعلقة بسياساتهم الإنتاجية وتطورها الخاطئ عبر العقود. فمثلًا في عقد الثلاثينيات، وصل إنتاج الشركات لمتوسط 358 فيلمًا، متنوعة في ميزانياتها وأحجامها. قلّ المتوسط إلى 288 فيلمًا في الأربعينيات، وانحدر مرة أخرى إلى 160 في الستينيات.

إجمالي العدد كان يتناقص لأن الشركات أخذت في التخلي تدريجيًا عن صناعة الأفلام متوسطة التكلفة وقليلة التكلفة (فئة ب)، والاكتفاء بالأفلام الضخمة ذات الميزانيات المرتفعة وهي مقابل السلاسل في عصرنا. أما الشركات التي صمدت فكانت هي التي أدركت أهمية الموازنة بين النوعيات والميزانيات، خصصت أذرعًا صغيرة لها مختصة بإنتاج الأفلام المتوسطة والصغيرة والمختلفة عن الخط السائد ولو بنسب قليلة.

ليست مشكلة ديزني الوحيدة أنها تتجه بالسوق نحو مناخ احتكاري تكون فيه هي السلط المركزية للصناعة. المشكلة الأكبر تناسيها أن الذوق العام يتغير بصورة أسرع مما نتوقعها. الأنواع التي كانت شعبية في الماضي كالويسترن والملاحم اندثرت اليوم، والأنواع الشعبية اليوم قد تسقط غدًا. بهذا قد تكون ديزني أسست لبنية تحتية رابحة الآن وعلى المدى القصير، لكنها خاسرة على المدى البعيد، إن لم تتخل عن التطاوس وأعطت فكرة التنوع الاحترام الذي تستحقه.


عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد: 5 مفاهيم مغلوطة (جزء 1) | أمجد جمال | دقائق.نت

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد .. القصة والأسلوب شيء واحد (جزء 2)| أمجد جمال | دقائق.نت

عصر هوليوود الذهبي لم يصدأ بعد (3).. كيف انتصرت لنا على السلطة الأخلاقية | أمجد جمال


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك