كيف تقرأ بيان الخارجية السعودية بشأن أزمة اختفاء خاشقجي بعد ١١ يوما من سيطرة الإعلام على المشهد

كيف تقرأ بيان الخارجية السعودية بشأن أزمة اختفاء خاشقجي بعد ١١ يوما من سيطرة الإعلام على المشهد

15 Oct 2018
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

السؤال المباشر: كيف تقرأ بيان الخارجية السعودية الذي توعد بالرد على أي إجراء عقابي يطال المملكة بإجراءات عقابية أكبر؟

والإجابة القصيرة: أفهم منها أن الأزمة في طريقها للمسار الدبلوماسي.

أما التفصيل، فإنه على مدار حوالي 11 يومًا كان الإعلام وحده موجودًا على ساحة القضية. الإعلام آلة مهمة جدًا لملاحقة سلوك الدول، وقضية كاختفاء صحفي بعد دخوله مقر قنصلية بلاده ليست سهلة ولا هينة. هي أكبر من قضية اغتيال صحفي في شارع أو اغتيال بلد لعميل سابق. قضية يجب على المجتمع الدولي طبعًا ألا يتهاون فيها، وإلا انخفض سقف الأمن في العالم كله.

لكن هذا لا يعني أن يمنح الإعلام نفسه كارت بلانش يتجاوز دوره. فلا يكتفي بعرض الحقائق، بل يتخفف فيعرض كل ما يترامى إلى أذنيه. هذا مضر للقضية نفسها؛ لأنك حين تبني قضيتك على عشرة معطيات، تقدمها كحقائق، ثم يكتشف المواطن العادي بتشغيل عقله أن ثلاثة أو أربعة منها خطأ واضح كان من الممكن بسهولة التحقق منه، فأنت تثير الشك في القضية برمتها. تضارب تقارير الجزيرة، ثم النقل عن مصادر كلها مجهولة ومتناقضة، رغم أنها تنسب إلى نفس الجهة الرسمية، ثم استخدام صور لـ “فريق إعدام” يثبت بعد ذلك أنها التقطت عام ٢٠١٣، ثم فرية ساعة أبل المثيرة للسخرية. كل هذا يضعف القضية البسيطة: لقد دخل هذا المواطن إلى القنصلية، هذه صورته أمام الكاميرات، بعد ذلك لم نره، أين هو؟

في هذا التقرير من دقائق قدمنا ثغرات الرواية الإعلامية من جميع الأطراف لمن يريد الاطلاع عليها..

ثم إن الدافع لم يكن “لهاثًا” خلف المعلومة، بقدر ما كان لهاثًا خلف معلومات الإدانة، من طرف فريق إعلامي واحد، ينقل عن بعضه بعضًا. فريق صار معروفًا في المنطقة الناطقة بالعربية، لكن أكاذيبه وأضاليله لا تزال المصدر الرئيسي للإعلام العالمي في تغطيته للمنطقة.

لا يعني هذا أنني أبريء السعودية أو أعفيها من المسؤولية، وإلا أكون قد فعلت ما أنتقد عليه آخرين. قد يثبت التحقيق إدانة السعودية. إنما يعني أن الإعلام عليه أن ينقل ما يتحقق منه. وأن الإدانة تصدر من التحقيق.

بعد أحد عشر يومًا، بعد تأكيد خلف تأكيد أن الأتراك لديهم الدليل الدامغ، وأن الأمريكيين عرفوا بنية “اختطاف خاشقجي” قبل حدوثها، إذا بنا نرى تركيا تبدأ تحقيقًا مشتركًا مع السعوديين، والخارجية الأمريكية تنفي تمامًا علم الولايات المتحدة بأية نية للاختطاف. أي أن التحقيق الرسمي المشترك سيبدأ، بينما الإدانة الحاسمة صدرت بالفعل، وصدرت تبعاتها، وصدرت تهديداتها.

بعد أحد عشر يومًا، ليس لدينا سوى اعتذار واحد من صحيفة نيويورك تايمز عن نشر خبر “فريق الاغتيال”، بسبب عدم إمكانية التحقق منه. أما واشنطن بوست، وطبعا قناة الكذب الممنهج، الجزيرة، ومراسلوها، فلم يصدر منها اعتذار عن أي خبر ثبت خطأه.

بعد أحد عشر يوما حمل الإعلام السائد مع “أخباره” رغباته السياسية، وهي نفس الرغبات السياسية للحلف العثماني في المنطقة الناطقة بالعربية، ورغبات الحلف “الأوبامي” في العالم. بالنسبة لهم، أية عقوبة دون هذه الرغبات ستكون ظلمًا. فسمعنا عن قرب نهاية السعودية، أو على الأقل نهاية توجهها الذي تبناه ولي العهد محمد بن سلمان. هل هذا هو الغرض؟

من أجل ذلك لا بد من ترويج جانبي، هامش يتغول على متن القضية الأساسية. ترويج يقول إن المختفي كان رمزًا للعقلية الإصلاحية، وليس هذا صحيحًا. هو فرد في تنظيم الإخوان المسلمين، روج لبن لادن، ثم بكاه حين قتل، وتوجه مباشرة كغيره من البارامجاهدين القدامى إلى الحلف العثماني، معتبرًا إياه وطنه الفكري، وامتداد السعودية الطبيعي (وهذه فكرة الإسلام السياسي، وإلا فأي طالب مدرسة يعرف أن السعودية نشأت بعد صراع دام مع العثمانيين).

كان خاشقجي مقربًا من الحكم في السعودية، حين كان الحكم أكثر توافقا مع توجهات الصحوة، وأكثر انغلاقًا. كان وقتها مستشارًا للديوان الملكي، وكان في وقت ما مستشارًا لرئيس المخابرات.

لكنه اختلف مع الحكم حين قرر الأخير أن يضع حدا لسيطرة “الصحوة”، بتصريحات واضحة من ولي العهد عن العودة إلى ما قبل 1979.

بعد هذه “الأيام الإعلامية”، وضح أن المعين الإعلامي، غير المدقق، لا ينضب، ووضح أنه نجح في غرض أساسي من أغراضه، وهو إفشال مؤتمر الاستثمار (وهو ركيزة أساسية في رؤية بن سلمان) سريعًا دون انتظار لنتيجة التحقيقات.

وهنا لم يعد الأمر مجرد أخبار غير دقيقة ومتناقضة، لقد خلق وقائع على الأرض قبل صدور الحكم. وقائع يمكن أن تضر الجميع. فبدأنا نرى تدخلًا رسميًا من الدول.

لم يكن البيان السعودي وحيدًا في يومه، كعلامة دبلوماسية. لقد صدر البيان في نفس اليوم الذي كان مقررًا فيه إجراء اتصال بين الرئيس الأمريكي ترامب والملك سلمان، وفي نفس اليوم الذي أصدرت فيه ثلاث دول أوروبية بيانًا مشتركًا يدعو إلى تحقيق جاد يسلط الضوء على ما حدث.

ثم إنه نفس اليوم الذي تحادث فيه الملك سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مدشنين التحقيق الرسمي المشترك بين الدولتين.

لقد كان البيان ببساطة إعلانًا أن القضية الآن يجب أن تعود إلى الجهات المسؤولة. فهي رسالة من السعودية إلى السياسيين بأن مراضاة الإعلام على حسابها لن تمر. تريدون تحقيقًا؟ هاكم بدأ التحقيق. تريدون أن نصل إلى المسؤول؟ هذا سيتم عن طريق المسؤولين، وليس عن طريق الأخبار المرسلة. كان التلويح بإجراءات سعودية مقابلة جزءا من البيان. لكن الجزء الآخر الصادر عن سفارتها في الولايات المتحدة يثمن “عدم استباق الأحداث في أزمة الصحفي السعودي المختفي جمال خاشقجي”.

ثم إن بيان الخارجية السعودية بصيغته المشددة حاكى الصيغة غير الدبلوماسية التي تحدث بها ترامب عن حليف أساسي للولايات المتحدة، حين قال سيكون هناك “عقاب شديد”، وكأنه مدرس يتحدث عن طفل.

الغرض الثالث هو تغذية الإعلام بسردية جديدة، بخط جديد. ستجدونها في صحف اليوم. سردية التأثير المتوقع لو سارع العالم إلى الإدانة و”العقوبات”، قبل أن ينتهي التحقيق المشترك مع الدولة المعنية – تركيا.

بعد كل سطرين “تحليلات” لن أمل من تكرار هذا السطر، حتى لا تتوه الفكرة. هناك مواطن دخل قنصلية سفارة، ثم اختفى. بعد أن اختلفت الروايات حول خروجه. لا بد من إجابة واضحة أين ذهب، ولا بد من محاسبة المسؤول عن هذا. الإعلام هنا مهم جدًا، لكن النتيجة النهائية نعرفها من الجهات الرسمية المختصة، التي يجب أن يوفر الإعلام معلوماته لها لكي تتحرى دقتها. يتساوى في هذا جريمة في حارة، أو جريمة في أعلى مستوى سياسي.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (8)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك