كيف ربحت إسرائيل حرب أشرف مروان بجدارة في فيلم الملاك؟

كيف ربحت إسرائيل حرب أشرف مروان بجدارة في فيلم الملاك؟

16 Sep 2018
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الجدل الأكبر المثار حاليًا بسبب هذا الفيلم، ومسيرة أشرف مروان عامة، يتعلق بسؤال رئيسي واحد: هل كان جاسوسًا يعمل لحساب إسرائيل، أم لصالح مصر، فترة الاستعداد لحرب 1973؟

هذا الجدل ليس المحور الأساسي هنا لمقال يُمثل بالأساس مراجعة نقدية، وإن كنا سنصل إليه إجباريًا؛ كونه السبب الرئيسي في اهتمام الملايين من الجهور العربي عامة، والمصري خاصة، بالمشاهدة. لكن قبل أن نبدأ، نحتاج لوضع بعض الخطوط العريضة.

الفيلم مقتبس من كتاب الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل للمؤلف الاسرائيلي وأستاذ التاريخ يوري بار جوزيف، وهو كتاب يتبنى رؤية زفي زامير، رئيس المخابرات الإسرائيلية أثناء الحرب، وملخصها أن مروان كان جاسوسًا مخلصًا وخدومًا ومفيدًا جدًا لإسرائيل.

سقوط الجاسوس إيلي كوهين.. أدلة جديدة تؤيد الرواية المصرية

من الهام هنا أن نذكر أنها ليست الرؤية الإسرائيلية الوحيدة، لأن إسرائيلين آخرين يرون في مروان جاسوسًا مصريًا خالصًا.

على كلٍّ، يشق الفيلم طريقه لمسار مختلف، ويحاول سد فراغات وثغرات عديدة في أصله الأدبي، ليقدم في النهاية قصة درامية أكثر تسلية، وأكثر إثارة للتساؤلات منها لتقديم إجابات جازمة، على طريقة الكتاب.

إعلان فيلم الملاك The Angel

في عالم الجاسوسية، يقال أن هناك 4 دوافع رئيسية ليقرر شخص ما خيانة بلده: استعادة الكبرياء والكرامة الشخصية التي أُهدرت؛ المال؛ التعرض لتهديد أو ابتزاز؛ القناعة بأيدلوجيات وأراء مختلفة عن السائد في وطنه.

في فيلم الملاك، يتحرك أشرف مروان بمزيج مُحتمل من كل هذه الدوافع:
من ناحية، هو شاب لم ينل أبدًا احترام وتقدير وثقة صهره (جمال عبد الناصر)، واعتاد التوبيخ منه حتى أمام الآخرين، وبالتالي تبدو خيانته مدفوعة باستعادة الكبرياء والكرامة والثقة بالنفس.

من ناحية ثانية، هو شاب يلهث وراء نمط حياة الأثرياء في لندن، ومدمن قمار، وبالتالي يحتاج إلى الكثير والكثير من المال بانتظام.

من ناحية ثالثة، سيتعرض لاحقًا لتهديدات شخصية وعائلية وابتزازات من الموساد، للاستمرار في عمله.

من ناحية رابعة، هو شخص يؤمن أن مصلحة العالم، ومصر أيضًا، تتلخص في الوصول لحالة سلام دائمة مع إسرائيل، وفي انتقال مصر من اعتبار الاتحاد السوفييتي حليفها الأساسي، بكل ما يمثله من فكر اشتراكي، يعتبره مروان فاشلًا إجمالًا، لمرحلة جديدة تعتبر حليفها الأساسي فيها أمريكا، بكل ما تمثله كنموذج ناجح نقيض للسوفييت.

الدافع الأخير تحديدًا هو مربط الفرس هنا في شخصية مروان، وبفضله ينتقل الفيلم في محطاته الأخيرة لتقديم جواب ثالث بخصوص الجدل المثار حوله. جواب مضمونه أن مروان لم يتحرك لخدمة طرف على حساب الآخر، بقدر ما تحرك بدافع إيمانه بقضية السلام. ومن هنا يصبح اختيار الاسم الحركي لمروان في الموساد (الملاك) كعنوان للكتاب والفيلم، دلالة أوضح بخصوص دوافعه.

سيناريست الفيلم ديفيد آراتا حقق شهرته بفضل فيلم الدستوبيا الشهير Children of Men الذي نال عنه ترشيحًا للأوسكار كأفضل سيناريو مقتبس. وهنا يحاول مع مخرج الفيلم أرييل فرومين، الإسرائيلي الجنسية، صياغة أشرف مروان بشكل أكثر إنسانية، باعتباره شخصًا لا يتبع قواعد (نحن – هم) بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي، بقدر ما يتبع قواعد تتعلق بإيقاف الحرب، وبالتعايش السلمي بين الكل.

40 عامًا من معاهدة السلام.. ماذا واجه السادات؟ وماذا جنت لمصر؟ | س/ج في دقائق

ربما لن نعرف أبدًا حقيقة مروان ودوافعه بشكل مؤكد 100%، وأي من الطرفين كان ضحية خداعه فعلًا، لكننا نعرف الآن أن الرواية الموجودة في الفيلم، التي دشنته كشخص يسعى للسلام وحقن الدماء، هى الرواية الأسهل مبيعًا والأكثر إشباعًا لجمهور عالمي، مؤيد لحالة سلام بين إسرائيل والعرب، والأصعب مبيعًا بالتأكيد للمتفرج العربي، الذي لا يزال يرغب بإزالة اسرائيل، وإلقائها في البحر من العهد الناصري حتى الآن.

حرب أشرف مروان الإعلامية والثقافية، ربحتها الرواية الإسرائيلية بجدارة في فيلم الملاك، سواء كانت رواية حقيقية أم لا؛ لأن صناع الفيلم لم يصنعوه من منظور (نحن أم هم)، وهو المنظور الضيق المفضل لنا إعلاميًا وجماهيريًا، بقدر ما صنعوه من منظور: السلام أم الحرب والدم؟

هذه نوعية حروب، يمكن أن نتفق أن إسرائيل تعرف دائمًا وأبدًا كيف تربحها.

على المستوى السينمائي، من السهل على المشاهد العربي والمصري تصيد عشرات الأخطاء في الفيلم. في مشاهد عديدة نستمع مثلا إلى لكنة مصرية غير سليمة. هذا خطأ لا ينفي جهدًا واضحًا في الاعتماد على اللغات المصرية والعبرية لمزيد من الواقعية، بدلًا من الارتكاز على الإنجليزية كحل سينمائي سهل ومستديم طوال الوقت.

مروان كنزاري، الممثل ذو الأصول التونسية الذي يقوم بدور مروان، يتمتع بملامح مقنعة جدًا كشخص مصري. ويقدم مشاهد عديدة جيدة لشخصية سنحتاج وقت لنفهمها. تجدر الإشارة إلى أنه سينتقل غالبًا قريبًا لدائرة الشهرة، بعد عرض نسخة ديزني الجديدة من فيلم علاء الدين، التي سيقوم فيها بدور الشرير جعفر.

هل حققت ديزني أمنياتنا الثلاث في علاء الدين 2019؟ | حاتم منصور

في المقابل، معرفتنا الدقيقة كمصريين وعرب عامة بطباع وطريقة حديث شخصيات تاريخية مثل (جمال عبد الناصر – السادات – القذافي) جعلت من العسير على ممثلي هذه الأدوار إقناعنا بتقمصها. هذه مشكلة تزداد بسبب إصرار السيناريو على تقزيم هذه الشخصيات واستضعافها، واعتبار مروان الفاعل الوحيد أغلب الوقت، لدرجة مثلًا تقديمه كصاحب اقتراح تحديد يوم كيبور – 6 أكتوبر – كموعد مثالي لشن الحرب.

على صعيد اختيار المواقع والديكورات والملابس، والدقة التاريخية إجمالًا لزمن الأحداث، يستحق المخرج الإشادة، خصوصًا إذا وضعنا في الاعتبار أن الفيلم الذي أنتجته نتفليكس، يتحرك بميزانية متواضعة نسبيًا مقارنة بهذه النوعية.

مع الإجابة النهائية التي يطرحها الفيلم عن حقيقة دوافع مروان، وهي بالمناسبة إجابة أراها شخصيًا كمحاولة لسد الفراغات بخصوص موقفه المحير قبل حرب 1973، أكثر منها كمحاولة لتقديم إجابة متماسكة ومنطقية، عدنا الآن للجدل والسؤال الإجباري:
بعيدًا عما يطرحه الفيلم، هل كان أشرف مروان جاسوسًا يعمل لصالح اسرائيل، أم لصالح مصر، فترة الاستعداد لحرب 1973؟

بالنسبة لهذا الجدل وحقيقة ما حدث فعلًا، فلا يسعني إلا أن أوصي بقراءة ما كتبه خالد البري ومينا منير هنا في موقع دقائق، كمحاولتين ناضجتين لقراءة وتحليل كل المعلومات والمعطيات الموجودة، بشكل خالٍ من الانطباعات والأحكام المسبقة:

أشرف مروان من الزاوية الأخرى: كتاب إسرائيليون يؤكدون أنه خدع إسرائيل خدعة كبرى.

أشرف مروان: الحكاية الإسرائيلية الكاملة وتناقضاتها في كتاب الملاك.

باختصار:

فيلم مصنوع بحرفية سينمائية مقبولة، ويستحق المشاهدة رغم نقاط ضعفه الواضحة للمتفرج العربي بالأخص. والأهم، أنه يحاول إجابة الجدل المثار عن بطله، بإثارة جدل أكبر.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك