كيف نحارب التطرف؟

كيف نحارب التطرف؟

1 Jan 2019
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في المسألة الوطنية ثمة ضروة لفهم أننا إزاء صراع تنويري هادف وغائي ضد التعصب الديني والانغلاق على الذات، يبدأ بتحرير الفرد من الفكر الميثي أو الأسطوري، الذي يحتقر قيمته الإنسانية ويلغي وجوده الفردي؛ باعتماده تفسيرات فوضوية متعددة لتشريعات ثابتة.

صراع تفسير النصوص

هذا الصراع التاريخي على تفسير النص يتضمن نوعين:

الأول تقليدي: يرتكز على تصور دوغمائي سكوني للدينوالتشريعات، ويفسر النصوص المقدسة تفسيرًا حرفيًا قاموسيًا لا يقبل التأويل والنقاش، بصفتها حقائق إلهية. هذا يلغي وجود الفرد، ويحوله إلى مجرد آلة أو وسيلة أيديولوجية، أو روبوت منفذ لأوامر وحجج الفقهاء.

والثاني مجازي معقد: تستبطن طبيعته الوهم الخيال والأساطير الشعبية، والتصورات الخاصة للفقيه لتفسير تجليات الواقع، وخلق نص آخر تمامًا، يختلف عن النص الأصلي!

هذه الفوضوية والصراعات بين رجال الدين المسلمين على تفسير النصوص المقدسة مسؤولة على مر التاريخ عن خلق وتأجيج الحروب الدينية العنصرية.

تصور مشوه للإله

ولعل من بين الأسباب الرئيسة في تشكيل ظاهرة الإرهاب الإسلاموي، هو تصور حركات الإسلام السياسي المشوه للدين والإله والمقدسات، المستمد من هذه التفسيرات.

ففي مجتمع الإسلامويين الإنسان غير موجود كفرد؛ لأن وجوده الفردي مرتبط بصنم يقدسه القطيع، وحتى تتكيف مع هذا المجتمع إما أن تكون عبدًا أو جلادًا. الصنم هنا قد يكون فكرة، أيديولوجيا، شخصية متخيلة، أو حقيقية تاريخية أو معاصرة.

المتطرفون والإله العبري

هذا ما يجمع مفهوم الايديولوجيات الإسلامية المتطرفة المشوه للتوحيد بمفهوم الأوحدية اليهودي!، عدا أن للإله العبري في المأثورات التوراتية اليهودية بعدا قبليا وقوميا عنصريا، وسلوكا سلطويا يربط شريعة الإله العبري التي شكلتها الأساطير البابلية، المصدرالتكويني للعهد القديم، بشريعة البشر والملوك وطموحات الامبراطوريات القديمة للتوسع والسيطرة على المجتمعات الأخرى، فهو إله سلطة، وتشريعاته أبعد ما تكون عن القيم والأخلاق.

التأثر بالوعي الأسطوري

بالتأكيد لا يوجد في تاريخ الأديان والمذاهب دين أو مذهب ينبثق من لا شيء، دون أن يتشكل عبر ممرات مختلفة لتطور الثقافات، أو يتأثر بطقوس وعقلانية الأديان والمذاهب الفكرية الأخرى المزامنة لظهوره، ضمن سياق تطوره التاريخي الزماني والمكاني.

الأيديولوجيات والمذاهب الفكرية الإسلاموية التي تشكلت في الشرق تأثرت في جملة من تصوراتها الدينية بالوعي الأسطوري للأديان الإبراهيمية اليهودية والمسيحية، أو الزرادشتية، ولايمكن الحكم عليها وفهمها وتحليل أفكارها إذا ما نزعت من سياقها وحيثياتها التي ظهرت فيها.

التأثر باليهودية الرعوية

قد يكون أقرب نموذج ديني قديم لفكر هذه الجماعات الإسلاموية المعاصرة اليهودية الرعوية قبل حكم الملك سليمان واتحاد القبائل العبرانية، التي لا تعترف إلا بسؤدد غرائزها الوحشية على المزرعة والمدينة ومنتجاتهما، وترويض موجوداتهما لخدمتها، وترى حياة الإنسان وقيمته الفردية بعين ميتة تسلب منه حريته وكرامته، حيث لا تعلو فوق سلطة السيف سلطة، تمامًا مثل أيديولوجيات الإسلام السياسي اليوم، التي لا تستطيع نقد واقعها المنحط الحافل بأنواع الاستبداد والجوع للسلطة والعبودية والجرائم الوحشية، بل ترفع ماتؤمن به من عقائد مزيفة إلى مصاف المقدس لكي لا تمس.

هذا العقل الرعوي الذي أوجد الإسلام السياسي، ووضع تشريعات العهد القديم، هو الذي يشكل ذهنية القطيع، ويزدهر في أي بيئة تقودها العصا وتدار بالخوف والأساطير ونمط حياة العبيد وعبادة الموت وكراهية الحياة.

إلغاء الفرد

أينما وجد الإسلام السياسي وجدت فكرًا بدائيًا مرتحلًا محاربًا للحضارة، يلغي وجود الفرد أو يستهلكه بتأليه الطقوس والخرافات، والتفكير ككتلة جماعية.

أما بالنسبة للإنسانية ووجودها في فكر الإسلام السياسي، فالجماعات الدينية قد تسمح بها كمبادرة ذاتية، لكنها لا تسجلها كإنجاز فردي للإنسان الذي قام بها، وإنما تنسب كفضيلة للجماعة الإسلامية أو الحزب السياسي أو الأمة التي ينتمي لها هذا الفرد أيديولوجيًا.

تشتيت سلطة الأيديولوجيا

أخيرًا، أرى أن شرط تطور المجتمع ومحاربة التعصب الديني في القرن الحادي والعشرين، هو الشروع في تشتيت سلطة الأيديولوجيا الدينية المتطرفة (اللامركزية) بحيث يقود الفرد نفسه بمعزل عن وصاية رجال الدين، ويصبح مسؤولًا عن تصرفاته، ومحاسبًا على أخطائه بحق الآخرين أمام القانون، وليس كما يوهمه العقل الفقهي التقليدي بأن التوبة من الوقوع في الخطأ يمحوه، دون الالتزام بإصلاح هذا الخطأ، وتوقع المحاسبة عليه قانونيًا، والتعهد بعدم تكراره.

الإيمان والدين.. أيهما الطريق إلى الآخر؟

مشكلتنا مع المقدس

رسالة من جهيمان العتيبي إلى محمد بن سلمان .. رواية صحفية في دقائق

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك