مأساة الفتى.. أحلام المجانص والإجنيص | عمرو عبد الرازق

مأساة الفتى.. أحلام المجانص والإجنيص | عمرو عبد الرازق

26 Feb 2020
عمرو عبد الرازق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المجنص في مصطلحات التمارين الرياضية، هي إحدى عضلات الظهر وجمعها مجانص، وتشتهر بين الرياضيين بإجراء تمارين خاصة بتقويتها بهدف إبرازها جماليًا.

بينما في اللغة، فلا يوجد لفظ مجانص في قواميس العربية، أما أقرب الألفاظ لها، هي الجذر اللغوي جنَّص ومشتقاته الإجنيص، وهي لفظة لا علاقة لها بالرياضة، لكنها تحمل معاني مختلفة متقاربة، أكثرها سلبي كالكسول الذي لا يبرح موضعه، أو المتكاسل كثير النوم، أو الغبي ثقيل الفهم، أو المرعوب الفار بخوفه. وكلها معان سلبية، إذا ما قورنت بالانطباع السائد عن الرياضي المهتم بتنمية عضلات جسده!

الإجنيص والمجانص يجتمعان في فرد

ومن سوء حظ المرء أن تجتمع فيه شمائل صاحب المجانص والإجنيص، كالبنية العضلية، والكسل العقلي والركود الفكري والجبن والالتفاف عن إبداء ما بداخله صراحة مخافة العقاب، فيكون مستقره هو خبث الطوية ومنهاج التقية، ويكون عمله الأساسي الذي يتقاضى عليه رزقه، هو احتراف ضرب الكراسي بالكلوبات، وإنجازاته تتلخص في خطف الانتصارات الهزيلة المبنية على التلفيق والادعاء!

كما أنه من سوء حظ المجتمعات، أن يصَّعّد شخص كهذا بداخل طبقات المجتمع، يجمع صفات القوة البدنية، وتهافت الشخصية، عبر مجموعة من الصدف، فالارتباك الواقع هنا على الجماهير، يكون من العسر بدرجة، يصعب على الكثير منهم أن يتفهم كيف تجتمع وضاعة النفوس بصلاح الأجساد بادعاء المثالية!

ولكون المظهر غير مطابق للجوهر، فيروج صاحب المجانص أن هذا المظهر من دلائل سلامة الباطن، ولا يدرك كشأن كل غافل عن ذاته مسخ تكوينه في عيون المتفرسين!

حتى أن البعض ممن يفترض بهم التعقل، يتوسمون به نفعًا، فيقصدونه ليؤدي عنهم بعض الأدوار التطوعية التي يتأففون عن القيام بها، فيتوهم الإجنيص أنه مقاتل صنديد!

وتصير الملهاة مأساة، ويصبح الأمر جد خطير، ويتحول المغتر بوضاعة فكره وقوة جسده، إلى قبضايا ومشروع زعيم، مستغلًا مكانة منبره في النفوس! وتستحيل ترهاته إلى أشباه مقدسات، وسفاهاته إلى قضايا، وتفاهاته إلى أبواب مناقشات، تسحب معها المجتمع إلى الحضيض.

وربما كان كسل ذهن الإجنيص، يعود لنشأته تحت أكثر السقوف الإنسانية انخفاضًا، وتلمذته لأكثر الملقنين نقلًا، فهو يريد أن يسقي من حوله نفس ماء شربه، ويسحب الجميع لمضماره الضيق، فلا تتبقى له مهمة سوى الترويج لشططه باعتباره أكثر مناهج الحياة اعتدالًا واتزانًا، وتقديمه كطريق للنجاة!

ومن لزوم الإقناع، يطل الإجنيص على الجماهير كنجوم السينما، رغم ادعائه أنه صاحب مسار مختلف أكثر سموًا وكمالًا.. فيظهر بإطلالة جانبية لجسد تعمد أن تبرز منحنيات صدره، بسط إحدى اليدين على الصدر كمعلم حارة بأفلام الخمسينيات، وملامح لا تدرك أهي لأغا عثماني ورد بمخطوطة قديمة، أم أنها لأسير هكسوسي مرسوم على معابد الفراعين، وعيون كحيلة كمشبوه فار من العصور الوسطى بأعماق آسيا!

معركة الشحاذ.. ماذا خسرنا بتنحية الفن انتصارًا لأبناء شكري مصطفى؟ | عمرو عبد الرازق

فخور بالعدو.. عدو للقريب

ربما تعطي تلك الهيئة، تفسيرًا لابتهاج صاحبها وافتخاره المضمر بأعداء معاصرين وسابقين، من عصابات آسيا الوسطى، وحقده على النابغين من أبناء الوطن الذي يحمل وثائق الانتماء إليه!

فصاحب العِلل السابقة إن وجد التفافًا إنسانيًا أو مجتمعيًا حول قامة، بعيدًا عن محفوظاته البليدة يزعجه الأمر، ويسعى لإبراز وضاعة منهجه إلى واجهة المشهد، ولا يهدأ إلا إذا أفسد الحدث وشتت البهجة، وسعى للتنغيص على من فيه، فالمُكتحل لا يستريح إذا استمتع الآخرون بعيدا عن مقرراته..

ولكونه جبانًا فرَّارًا بليدًا، فلا يعلن عن نفسه، فلكل حدث ورقة متربة مناسبة ينفض عنها غبارها، ثم يتلو ألغازها على المشدوهين، فيظنون أن للهراء معنى، وهو في حقيقة الأمر لا يقدم سوى حيلة لتعويض نقصانه العقلي وفقر أفكاره، التي دهسها الزمن ومحتها الحضارة، فيعمد لإفساد الفرحة وتشتيت تعاضد الجموع مرة بعد الأخرى!

ولكونه نشأ مخفض الرأس معتل العقل فقير الفكر، فإن وجد خارج أضابيره المتربة ما يغايرها من أفكار وأشخاص، انتفض فجأة وحاول نفض تراب أوراقه المكدسة على الجميع، حتى لا يبقى على الأرض أحد إلا وغطاه الغبار والقاذورات، ثم يتقدم الصفوف ليدعي أن لديه الحل لإزالة القاذورات التي كان هو أبرز صانعيها..

الإجنيص لم يمارس يومًا مشاعر صادقة، فما يروجه مُعلبات خارج إطار التجربة، سعادته مصطنعة لنصرة الأيديولوجية التي يرى بها خلاصه، تعلم ادعاء الفرح. يفرح لغريب من أقصى الشرق ويفخر به، وأقصى طموحه فيما حُشي به رأسه أن يُفسد التفاف الأقربين، لا أن يشاركهم تعاضدهم، وإذا حاول ممارسة فعل البهجة، فيخرج المشهد بافتعال شديد وتمثيل ركيك وعبارات لزجة لا علاقة لها بانطلاقة صادقة، ولعل الأغا يمتلك بين أوراقه المتربة ما يمنع عنه الفرحة الصادقة!

خلاف شيخ الأزهر والخشت: مئتا عام من المساومة مع الدولة المصرية| خالد البري

هادم الفرح.. مفتعل السماحة

تكدير الصفو مهمة العاجز، الشخص الذي لا يستطيع أن يمرر حالة نشوة ثقة وافتخار، دون إفساد الموقف بسماجة، يصرف الناس عن حياتهم الواقعية، ويقوم بتوجيههم نحو أوهام أقرانه وأشباهه شحيحي الأثر الطيب والإنجاز النافع..

فيرغب دومًا في تذكيرك أن لا قيمة للنابغ المجتهد المفترق عنه، بينما هناك قيمة للقاتل المغتصب شريك منهجه!
بل ويزيد فى خيالاته أن يروج لكون السماء ترحب بالأكثر قبحًا وإجرامًا، ولا تعير الأكثر نفعًا وعلمًا انتباهًا.. والإجنيص كلما زاد ضيق أفقه، كلما انخفض سقف فكره أكثر، ونهايته أن يتمدد منسحقًا بين سقفه وأرضه بنفس ممزقة بلا ملامح!

يروج الإجنيص لسماحة مفتعلة تتميز بالكذب الشديد والادعاء الواضح، وبتسليط سيف الحياء على رقاب المهذبين..

وقديمًا قالوا: كل شيء لدى العطار إلا أن تحبنى غصب.. فاعتراف أحدهم لك بجمالك وطيبتك، لا يتأتى بعبس الوجوه وخشية السِحَن.. فلا سماحة مع تقطيب، ولا حكمة مع تهديد مبطن، ولا رأي صادق دون إباحة النقد, وما دون ذلك غصب للنفوس وسحق للإرادة .. فالإجنيص يتبع منهج:

تلوا باطلًا وجلوا صارمًا ** وقالوا صدقنا فقلتم نعم

لكن يلتمس للإجنيص العذر بتنشئته التي لم تعرف مجالًا للتنوع!

جرائم السلطة الاجتماعية في حارتنا .. الحلقة الغائبة بين الحكم والقانون

مثال أعلى للانحدار والتخبط

إصراره عجيب على تذكيرك بوجوده، ومهمته التنبيه الدائم بما يجوز لك أو لا يجوز، يستهلك وقته في تشويه غيره، باستنتاج المجهول من المجهولات، وصراع الكلِم وجدالات القرون الوسطى! حتى أنه لو ظهر بزمن قديم لاستحق أن يحتل مكانه ضمن آلهة الأوليمب الإغريقية، كمثال أعلى للحماقة والابتذال والسماجة!

يروج الإجنيص لأن مبعث الغضب من هرائه هو صحة منهجه وصدقه، وأن نبوءاته ستتحقق بالتأكيد بيوم مؤجل، وأن ما يغضب الآخرون هو حقدهم تجاهه لصواب مساره ، ولكن حقيقة ما يُغضب العقلاء أن يكون لهذا الهراء، الذى أكل عليه الدهر وشرب وصار أصحابه جيفا بالية أن يكون له أثر فى إفساد حياتنا، وتكدير حياة المخلصين ممن نحبهم ونحترمهم، الذين أفادوا عالمهم واقعًا لا مجازًا.

وأن مجرد مناقشة تخاريف كتلك، فى أرض طيبة، هى عملية فساد وتدمير منظم، تستوجب المحاسبة لا أن تُغرس في نفوس آخرين، ينشأون عليها ويفسدون بها، كما فسد هو من قبل، وصار مضربًا للأمثال في الانحدار والتخبط!

طه حسين وعباس العقاد.. من هو عميد الأدب العربي حقًا؟


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك