سلة القيم القطرية | (1) أستاذية رشيد رضا: الدين جنسية.. والولاء للعثماني قمة الوطنية | مينا منير

سلة القيم القطرية | (1) أستاذية رشيد رضا: الدين جنسية.. والولاء للعثماني قمة الوطنية | مينا منير

1 Jun 2020
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

قطر
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قناة الجزيرة القطرية طالعتنا مؤخرًا بسيل من التقارير عن الأعمال الدرامية الخليجية التي تستهدف نشر فكرة التطبيع من خلال “تحسين صورة اليهود”. التقارير لم تنحصر على الًجزيرة، بل امتدت لأذرع قطر الإعلامية الأخرى، وبينها العربي التي تبث من لندن.

في عاصفة تناول البعد السياسي للمسألة في الصحف والإعلام عمومًا، أثار استغرابي أن أحدًا لم يستغرق وقتًا للتفكير في لغة الخطاب القطري: القطريون لم يتحدثوا هذه المرة بالمفردات الناصرية العروبية المعتادة عن الممانعة وإسرائيل،

بل ظهرت ملامح السخط على وجه المذيعين وهم يعددون الأعمال التي تصور “اليهودي” كإنسان طيب.

العنصرية الطافحة من هذا الخطاب الذي يستنكف فكرة تصوير اليهودي كإنسان طبيعي ليست بغريبة عن المتابع لخطاب قطر لمدة طويلة. فمنابر قطر التي تسببت في عدة أزمات بسبب إنكار الهولوكوست هي التي اعتادت على استضافة وُجهاء الإخوان للهجوم على المسيحيين.

لا ينسى متابع لخطاب قطر حلقات أحمد منصور التي فيها أفرد ساعات لضيفه محمد سليم العوا للحديث عن حجم التهديد الذي يشكله الأقباط، وكميات السلاح التي يخبئونها، والتي تتطلب رد فعل حازم تجاه طموحهم الذي يهدد وحدة مصر.

في هذا السياق وحده، نرى مقطع فيديو آخر نُشر منذ أيام لرجل قطري، ينتمي لأغنى بلد في العالم، يبدو أنه كان منتشيًا بفعلته، لدرجة تصوير نفسه وهو يطرد عاملا آسيويا بسيط من وسط زملائه الذي يحصلون على وجبة إفطار رمضانية مجانية، لأنه ليس مسلمًا.

مطابخ خطاب قطر

الوقوف عند مسألة شجب تلك العنصرية هو عين الخطأ.

فالمطلوب فهم ذهنية هؤلاء الذين يقفون في مطبخ صناعة العقل الذي يدير إمارة لها سياسة خارجية عدوانية وتمتلك قدرات مادية هائلة تسخرها لخدمة هذه السياسة.

إحدى مراكز صناعة العقل القطري، أو بمعنى أدق التعبير عنه، هي مراكز البحث التي يديرها رؤوس صناعة القرار، مثل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يديره عزمي بشارة، عرّاب السياسة القطرية في الحقبة الأخيرة.

هناك أيضًا بروكينجز الدوحة، والذي هو محاولة لتصدير صورة عالمية الأفق لسياسة قطر من خلال مركز يحمل اسم Brookings الشهير.

لكن، يظل المركز الأقدم والأكثر تعبيرًا عن الهوية القطرية في مجملها هو مركز الجزيرة للدراسات، والذي يتجاوز حدود الأبحاث السياسية، ويدار من نفس مطبخ ذراع قطر الإعلامي، الجزيرة، وهو الذراع الذي لا يأبه بالصوابية السياسية، ولا يعرف حدودًا للتدفق المادي عليه منذ منتصف التسعينيات.

في هذا المركز، سنجد دراسات منظمة يقوم بها أعضاء تنظيمات الإرهاب في المنطقة ومنظري الإسلام السياسي، لتعبر عن رؤية الدولة القطرية للدين.

بالبحث هناك، ستجد كمًا كبيرًا للمقالات والدراسات التي تركز على أسماءٍ بعينها، وفي صدد موضوع العنصرية الدينية والقومية ستجد التركيز على فكر محمد رشيد رضا.

الاهتمام الشديد برشيد رضا أثار الفضول أيضًا لقراءة تلك الأفكار التي تتخذ كوسيلة للتعبير عن قناعات قطر..  فمن هو وماذا يقول؟

مدرسة رشيد رضا

محمد رشيد رضا لبناني النشأة، من مواليد 1865. مع اهتمامه بالدراسة الدينية، تعرف على الإمام محمد عبده في زيارة الأخير لبيروت، الأمر الذي ساقه للرحيل إلى مصر للتتلمذ على يديه.

يكاد يكون أهم عمل عبر عن رؤيته لكل الأمور هو إطلاقه لمجلة المنار، صوت ما أسماه البعض “إصلاحًا”، والذي لم يكن إصلاحا بالمفهوم البروتستانتي (الإصلاح بالتخلي عن التقاليد القديمة)، وإنما بالعودة إلى الأصول في مواجهة ما رآه انحلالًا بتبني السياسة وأسلوب الحياة الغربية.

في ضوء ذلك، كرس رشيد رضا حياته للهجوم على فكرة الوطن والدولة الوطنية كبدعة غربية يُراد بها هدم الدين.

ولتحقيق ذلك، استخدم قلمه للهجوم المنظم على فكرة الدولة الوطنية.

هنا استدعاني الفضول لقراءة أعداد المنار التي تتعامل مع تلك الأمور التي ألهمت الإخوة في قطر.

ففي سلسلة مقالات بعنوان “الوطنية والإسلام”(1) يُخبرنا رضا بأن فكرة الوطن المبني على تساوي الحقوق بين أفراده دون أن يؤخذ في الاعتبار الجانب الديني يجعله ضربًا من الضلال ويستهدف حقوق الأغلبية.

من هنا سنجد أنه لا يوجد مقال واحد يتعاطى فيه رضا مع قضية الوطنية إلا وهاجم أتباع الديانات الأخرى، على اعتبار أنها في حالة دائمة لإحداث تآكل في حقوق المسلمين، وأن الوطنية سلاحهم.

الأتراك مواطنون.. الأقباط “أغيار”

من ضمن سيل النصوص التي يهاجم فيها الأقباط، يرى رضا مثلًا أن الأقباط يُسمون بالـ “أغيار – others” وأنهم كالنقطة السوداء في جسم الثور الأبيض.

أولئك الأغيار – في رأي رضا – يستخدمون فكرة الوطنية لا لتحقيق المساواة وإنما لانتزاع حقوق المسلمين السياسية في تولي “أمير” مسلم على الدولة، بعدما سيطروا بالفعل على الاقتصاد بسبب توليهم على المسلمين في أملاكهم، إداراتهم وعقاراتهم.

يفهم رضا أيضًا أن الجنسية من الدين، أي أن المسلم المصري والتركي لهما جنسية واحدة، بينما غير المسلم المصري جنسيته مختلفة.

وبالتالي ففكرة الوطن غير منطقية شرعيًا. وعليه، فهو يعيب على الذين يرون أن المصري غير المسلم له حقوق وطنية لا يمتاز بها المسلم غير المصري. أي أن التركي المسلم يجب أن تكون له نفس الحقوق السياسية في مصر للمصري المسلم، وهي حقوق كاملة لأن كليهما يتمتعان بالجنسية الدينية التي لا يتمتع بها “الأغيار”.

 وعليه، فتحت عنوان “الجنسية المصرية فوز للأقباط على المسلمين” يرى رضا أن فكرة مصر كدولة وطنية هي مؤامرة صليبية على الإسلام.

إما حكومة عثمانية إسلامية.. أو الخضوع للقبط

هنا نصل إلى نقطة هامة للراهن القطري في ضوء وضعه السياسي الذي يفرض عليه الحماية التركية، وبالتالي تجعل الجزيرة منبرًا للتأصيل الفكري لها.

فرشيد رضا لم يعتبر سقوط الخلافة العثمانية سببًا لتغيير المنظومة الفكرية التي تحكم مبادئ الجنسية و”الإمارة” والمواطنة. فقد رأى الرجل أن التركي والعربي كلاهما يشتركان في حاضنة الدين حتى وإن أتى علماني مثل مصطفى كمال أتاتورك لتغيير الوضع القائم للخلافة، وعليه فإن الأولويات ستظل قائمة كما هي، وعلى رأسها إعلاء الحاضنة الدينية على التقسيمات الوطنية المستحدثة، والتي قد تجعل تركيًا أقرب للعربي عن آخرٍ لا يشاركهما الولاء الديني، وعلى المسلم أن يختار بين خيارين: إما خيار يتماشى مع “إرادة القبط في إخراج الحكومة عن الإسلامية”، أو خيار “الحكومة العثمانية الإسلامية”.

محمد رشيد رضا اليوم

لا نستغرب إذًا حينما نعرف أن حسن البنا حمل شعلة محمد رشيد رضا وقرأ عليه فكر الدين والوطن، بل وتولى طباعة أعداد المنار بعد موته. ولا نستغرب أن نرى مهدي عاكف يتكلم عن الوطن كحفنة تراب عفن، أو التنظير المستمر الذي يظهر فيه الأقباط دائمًا في مواجهة المشروع الإسلامي، والذي يفسر الغل الذي ظهر في حرق 84 كنيسة ومحلا للأقباط بعد فض رابعة.

لكن الأهم في مقالنا هو أن نرى الأساس الذي تُبنى عليه سلة القيم القطرية في رؤيتها لأتباع الأديان الأخرى و دور الحلم العثماني الذي يتجلى في خياراتهم إلى اليوم.


(1) المنار ج3 م14 ص238، ص 279-283، ص207- 209، ص283-284.


لمطالعة الوجه الآخر لمحمد رشيد رضا.. سيهمك قراءة هذا المقال:


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك