أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية

أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية

29 May 2018
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في حدود عام 1940 كان حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، قد ذاع صيته. ويكتب ويدير أكثر من مجلة إسلامية ويستقبل فتاوى القراء، فسُئل ذات مرة عن صفات الإله في القرآن بين التأويل والمجاز (المتعارف عليه بالمذهب الأشعري) وبين الإثبات (كما ينسب للسلف ويتبناه الحنابلة)، فأجاب البنا ما ملخصه إن المذهبين على حق. فأعاد عليه صاحب السؤال في العدد اللاحق، كيف يكون كلا النقيضين على حق، فأجاب ما معناه، إن الخلاف هين والمسافة قريبة.

كما سُئل عن علم  تحضير الأرواح، وكانت جماعات تحضير الأرواح الغربية انتشرت في مصر في تلك الفترة وكانت ترتدي ثوب العلم (قبل أن تصنف كعلم زائف وتنتهي لاحقا)، فأحدثت انقساما في الوسط الإسلامي ما بين مؤيد ورافض، وكان من المؤيدين الأستاذ محمد فريد وجدي والشيخ طنطاوي جوهري شيخ البنا. فأجاب حسن البنا ما ملخصه بأن علم تحضير الأرواح حقيقي فالروح حق، لكن ينبغي الحذر منه؛ لأن الروح التي تحضر قد تكون روحا شيطانية وليست روح الشخص المطلوب تحضيرها.

تلك كانت السمة العامة لفتاوى حسن البنا في جميع الأمور المتعلقة بخلافات الوسط الإسلامي. البحث عن حل وسط دائما.

والواقع أن ما كان يمارسه حسن البنا في تلك القضايا، هو سلوك سياسي، هدفه اجتذاب مؤيدين، وهو ما يفسر انتشار دعوته بين الثلاث فئات الرئيسية للإسلام في مصر (السلفية والصوفية والأزهرية) برغم ما بينهم من خلافات.

وبرغم أنه سلوك سياسي وجماهيري ودبلوماسي، إلا أنه في التأسيس الثاني للجماعة تحول مفهوم الوسطية لتنظير فقهي أصولي عبر عنه منظر الجماعة الفقهي الأول يوسف القرضاوي بمفهوم (الوسطية الإسلامية) وألف في ذلك كتب ورسائل.

تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الوسطية، بدأ استخدامه من قبل شيوخ الأزهر في عهد عبدالناصر، مثل الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد المدني، حيث كان هناك توجه في الدولة تم الإيعاز به للمؤسسة الدينية، بمحاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية (السنة والشيعة على وجه الخصوص).

قبلها لم يكن يعرف التشريع الإسلامي وأصول الفقه، شيئا اسمه الوسطية والاعتدال ولم يكن من قواعده التوسط بين النقائض، لكن ما فعله القرضاوي، هو أنه جعل الوسطية فقها وأصل ونظر لها تحت أصل أن الإسلام دين الوسط، وحاول في الكتاب بشيء من التعميم والتدليس أحيانا الإيحاء بأن الفقه الإسلامي وأصوله متبن لمبدأ الوسطية، وذكر بعض القواعد الأصولية وبعض الحالات في المسائل الفقهية الفرعية، وكانت النتيجة النهائية، أن الوسطية مبدأ إسلامي جليل وأدرجها بما يجعلها أصلا جديدا من أصول الفقه.

ولقب القرضاوي بإمام الوسطية، فلا تذكر كلمة (وسطية) في الحقل الإسلامي إلا ومقرونة بذكر القرضاوي، وأصبح السياق العام لفتوى القرضاوي في أي مسألة، أن (الناس تتأرجح يمينا ويسارا، بين كذا وكذا، أما نحن فمبدأنا الوسطية والاعتدال).

ومن المجالات التي مررها القرضاوي من خلال هذا الأصل:

تقديم جماعته الإخوان، كتيار وسطي بين تطرف التكفيريين وتفريط العلمانيين، أو بين الماديين والروحانيين أو الدنيا والدين، وأخذ في أسلمة المجالات المدنية وما تفرع عنها (مثل الفن الملتزم – والاقتصاد الإسلامي) ومجموعة من الفتاوى الوسطية عن (حجاب المرأة دون النقاب – التقليل من التكفير – التقليل من شأن قضايا السلفيين مثل اللحية والثياب)، ثم عُمم الوصف حتى تسرب إلى الأكاديميات الإسلامية الرسمية، وأصبح نمط تفكير عام ومبدأ إسلامياً لا مجال للنقاش في أصله.

خطورة مفهوم الوسطية وسلبياته:

بنيت الوسطية على مغالطتين كبيرتين:

  • الأولى: الوسطية بهذا المعنى، تفترض أن الأمور دائما بين طرفي نقيض والصواب فيها يكون التوسط، والمغالطة هنا تكمن في أن الوسطية ليست معيارا علميا وإنما معيار دبلوماسي، وهو أمر تقديري لا ينضبط.
  • الثانية: تصور الحالة الوسطى، وهي قائمة على النسبية، حيث يتوهم صاحب الموقف أن موقفه وسيط بين الآراء المتطرفة بنظره، وهو أمر لا يصح دينيا.

قلنا سابقا، إن الوسطية كانت خيارا سياسيا للإخوان بهدف التجميع والتجييش، وليست مبدأ علميا، وإقرارها كأصل ديني له عدة مظاهر سلبية في الفكر:

  1. اختلاق أزمة للمواطن العادي، عبر تأثيمه؛ لاتباعه نمط الحياة الحديثة واتهامه بالتفريط في الفقه القديم، وهو ما دفع المسلم المعاصر للبحث عن حل يريح ضميره، وهو كان المدخل الذي استطاعت منه الإخوان الوصول إليهم.
  2. وعلى المستوى السلوكي، أنشأت الوسطية (ظاهرة المتدين الحداثي) الذي يجمع بين الأضداد.
  3. أما على المستوى الفكري، فكان لها دور سلبي في خديعة العوام، عبر تبسيط الأمور واختزال حل أي مشكلة في الوسطية، وهو ما شكل معيارا غير موضوعي.
  4. كذلك كانت الوسطية، مخرجا للإسلاميين أنفسهم من كثير من الأزمات المتعلقة بالعصر الحديث، وهو ما جعلنا نشاهد الحزب المدني ذا المرجعية الإسلامية.

SaveSave

SaveSave

SaveSave

SaveSave

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (1)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك