أفخاخ الإسلاميين في دقائق: ٢- فقه الأولويات | هاني عمارة

أفخاخ الإسلاميين في دقائق: ٢- فقه الأولويات | هاني عمارة

31 May 2018
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في الجزء الثاني من مسلسل الجماعة ، دار حوار بين عبدالناصر والهضيبي بعد نجاح تحرك الجيش، حيث طالب الهضيبي عبدالناصر بفرض الحجاب وإغلاق دور السينما، فرد عليه ناصر: فيه حاجة اسمها فقه الأولويات.

                                

الحوار الذي سبق، كان في عام 1952، ويعتبر مثالا مبسطا لتأثير الإخوان وسيطرتهم على الوعي العام، بمن فيهم أشد معارضي الإخوان.. لماذا؟

وهم فقه الأولويات

ما لم يتنبه إليه وحيد حامد، هو أن في علوم الشريعة التقليدية من فقه وأصول، لا يوجد ما يُسمى بـ«فقه الأولويات»، المصطلح لم يكن موجودا في القاموس الإسلامي حتى السبعينيات.

وأول من اخترعه المنظر الإخواني يوسف القرضاوي في كتابه الشهير بنفس العنوان.. ثم تسرب إلى الخطاب الديني تدريجيا، وألفت فيه المؤلفات لأغراض شتى، وأصبح جزءا من الجدل الفقهي التقليدي عديم الفائدة ومسلمة دينية ومعلوم من الدين بالضرورة. ويُوصم الذي لا يعرفه بالجهل بأصول الدين.

تكتيكات الإخوان

المتتبع لسيرة مؤسس الإخوان حسن البنا، يجد أنه كان لديه غاية وأولوية، هي التمكين، جعلها فوق كل الاعتبارات؛ ولذلك اتبع عدة تكتيكات.

التكتيك الأول:  تجميع وتكتيل الأنصار، وفي سبيل ذلك كان يضيق كثيرا بالخلافات والجدل الديني التقليدي، ويصادر عليه أينما وجد، بالدعوة إلى التوحد لتحقيق الهدف المرجو من وجهة نظره.

ويروي البنا ذاته كيف أنه واجه في دعوته في المقاهي خلافات دينية بين أنصاره ليعالجها بأولوية العمل لنشر الدعوة. فيروى »عباس السيسي« عنه، كيف أنه عندما دخل المسجد وجد خلافا بين فريقين حول صيغة الآذان، فصادر على الخلاف بأن طالبهم بعدم الأذان، متعللا بأن الأذان سنة ووحدة المسلمين فرض.

والتكتيك الثاني: يقوم على إخضاع الأفراد للعمل، كبديل للاستغراق في البحث النظري أو الأكاديمي.

وهو ما عبر عنه بوضوح في رسالته الثانية بعنوان »هل نحن قوم عمليون؟«، وكان المدخل الأساسي لمسألة العمل والطاعة وتداول وصف »الأخ العامل«، المستخدم بكثرة في أدبيات الجماعة، وجعل ركن العمل من أركان بيعته العشرة.

أفخاخ الإخوان وكيف يخدعون العوام

أفخاخ الإسلاميين: ٢- فقه الأولويات – دقائق نت

أما التكتيك الأخطر: المكيافيلية الشديدة في التعاطي مع تعارض الغرض الديني مع الوسيلة السياسية، وهو السمة السائدة للجماعة منذ نشأتها وإلى الآن.

ولعل من جوانب هذا التطبيق، ما فعله حسن البنا مع طلبة كلية الحقوق الذين أرادوا ترك الكلية لأنها تدرس وتحكم القوانين الوضعية، فأثناهم البنا عن قرارهم، مبررا بأن مصلحة الدعوة تقتضى عدم ترك المجال لـ»النصارى والملحدين« للانفراد بوضع القوانين والتشريعات.

بعد صدام الإخوان بضباط يوليو وإيداعهم السجون، أجرى سيد قطب نوعا من النقد لتلك «الميكافيلية» في التنازل والتحور والتلون من أجل ما يُسمى مصلحة الدعوة، مطالبا بالمفاصلة والمفارقة، وأن تكون نقاء الوسيلة بنفس نقاء الغاية،

وهو ما تكلم عنه باستفاضة وعبر عنها بصورة أكثر وضوحا في رسالته إلى شقيقته «حميدة» المعنونة بـ«أفراح الروح»، مطالبا بالوضوح والمفاصلة والمفارقة في الغاية والأهداف.

وفي التأسيس التالي للجماعة في السبعينات، عادت سيرتها الميكافيلية الأولى، وكان فارسها في هذا الميدان كالمعتاد «يوسف القرضاوي»، فألبس سلوك البنا البراجماتي ثوب الأصولية الشرعية، ونحت مصطلح فقه الأولويات في كتابه الشهير، ومارس فيه حيله في تخريج المسألة فقهيا، استنادا لوجود بعض الأصول المتعلقة بموازنة المصالح والمفاسد وبعض القصص التراثية لتأصيل هذا النوع الجديد من الفقه.

وكان المصطلح علاجا سحريا للجماعة في علاج كثير من مشكلاتها:

أولها.. وأهمها: تقريب وجهات النظر بين الجماعات الإسلامية (إخوان، سلفيين، وجهاديين)، وتضييق مساحة الخلاف أو تهميشها وتأجيل مناقشتها أو التخلص من عبء مواجهتها.

ثانيًا: إراحة الضمير الديني لعضو الجماعة العامل؛ لتصوره أنه يتحرك في سلوكه المتناقض وفق آلية شرعية أصيلة تُسمى «فقه الأولويات» وتشعره أحيانا بالامتلاء الزائف بـ«التمكن من أصول الدين».

ويتجلى هذا الموقف عندما تجادل أحدهم في تناقض، تكون إجابته بمنتهى الزهو والثقة – كما لو كان الشافعي يتحدث في رسالته- «يبدو أنك لا تفهم في فقه الأولويات جيدا».

ثانيًا: خديعة العوام؛ وذلك لأن فقه الأولويات، عند ممارسته على المستوى الحركي ينطوى على شئ من «التقية».

فما قد يتصوره العامي في سلوك الداعية الإخواني من التسامح والاعتدال في مقابل السلفي المتشدد، ما هو إلا تطبيق حركي لفقه الأولويات في استمالة قلوب الناس والترفق بهم وعدم الشدة عليهم والتدرج في سبيل «التمكين».

ثالثًا: تبرير سلوك الجماعة السياسي والدولي المتناقض أحيانا والغير مفهوم، بأن ذلك يخضع لـ«فقه الأولويات»، وهو التبرير الذي يتم تعميمه على المستوى الداخلي للجماعة، ويُصدر على هيئة نشرات داخلية توزع على الأسر.

رابعًا: وهو الأثر السلبي الأخطر والمستمر معنا دائما، المصادرة على نقد الخطاب الديني وتفكيكه، بدلا من المقارعة بالحجة، حيث يكون الرد بإخضاعة لـ«فقه الأولويات».

SaveSave

SaveSaveSaveSave

SaveSave

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك