أفخاخ الإسلاميين: ٣- فخ الدعوة

أفخاخ الإسلاميين: ٣- فخ الدعوة

2 Jun 2018
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الأمر بالمعروف

أولا نريد أن نعرف كيف وصل مفهوم الدعوة للإخوان. يحكي حسن البنا في مذكراته عن نشأته الدينية، من خلال حفظه القرآن ثم انضمامه للطريقة الصوفية الحصافية، وكيف قرأ سيرة الشيخ حسنين الحصافي، وعن تأثره البالغ بمواقف الشيخ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف رآه في المنام يرشده ويحميه من الشيطان، وذكر من مواقفه في النهي عن المنكر:

1 – دخل على موظفي هيئة المساحة، فوجد عددا من التماثيل يستخدمونها في أعمالهم، فكسر التماثيل.

2 – أجبر أحد الباشوات على خلع خاتمه الذهب.

3- أمر فتاة خادمة في أحد الزيارات لأحد الأعيان، بتغطية رأسها وذراعيها، رافضا تناول القهوة التي قدمتها.

اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية

وكيف أن البنا تحت تأثير نشأته المحافظة وحالة الانفصام في المجتمع بين المحافظة والتغريب، أسس مع أصدقائه وهو صغير “جميعة محاربة المنكرات”، وذكر ما كان يفعله هو ورفاقه في تلك المرحلة، من إرساله خطابات تحذير لكل من يمارس منكرا، ومنها على سبيل المثال:

1 – من لا يحسن أداء الصلاة على وجهها الصحيح، أو التقصير فيها أو عدم الخشوع.

2 – من يثبت عليه إفطاره في نهار رمضان.

3 – من يلبس ذهبا من الرجال.

4 – النائحات على الميت من النساء.

إذن.. ما كان يفعله حسن البنا، المراهق، ورفاقه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورته الخشنة البدائية، قبل أن يشب ويكبر وتتوسع قاعدة جماعته، فيتطور معه الذكاء والأسلوب والتكتيك.. والمصطلح.

فخ الدعوة - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الحسبة - الوعظ والإرشاد - الشيعة الإسماعيلية - حسن البنا - أفخاخ الإخوان - أفخاخ الإسلاميين - داعية - واعظ - الدعوة العباسية - القرآن - الدولة الإسلامية - الخلافة الإسلامية - الإسلام السياسي - ظلال القرآن - كتب السيرة - معتقلات

خلط الإخوان مفهوم الحسبة ومفهوم التناصح. ثم أحيوا مصطلح الدعوة الذي ارتبط في مجتمعات المسلمين بالحركات السرية.

لكن حسن البنا كان يستفتح خطبه ومقالاته بالآية القرآنية:

“قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”

ويحرص على تقديم نفسه في صورة الداعية لا صورة المحتسب. وجماعة الإخوان نفسها تسير على نهجه فتصف نفسها بأنها جماعة دعوية تمييزا عن غيرها من الجماعات.

السؤال هو: هل يوجد في الإسلام وظيفة تسمى الدعوة؟

تُوصف العلاقة الإرشادية بين المؤمنين في القرآن بصفات أخرى (وعظ – تناصح – تواص – أمر بالمعروف ونهي عن المنكر).

ومن يؤديها يوصف بصفات معينة:

المحتسب: وهي وظيفيه دينية ويكون  ممثلا رسميا للسلطة.

الخطيب: وهو الفقيه المتكلم.

الواعظ: وهو من يتطوع بنصيحة الناس. وعادة ما يكون فقيها ولكن ليس من الكبار

القصاص: وهو الشخص المولع بالحكايات الوعظية على العوام وهي وظيفة دينية غير رسمية انتشرت في العصور اللاحقة وكان فقهاء السلطة ينظرون إليها كمنزلة أقل.

كيف نشأ مفهوم الدعوة قبل الإخوان؟

كلمة “داعية” كانت كلمة مريبة ولها دلالات سياسية في الغالب؛ لأنها استخدمت أكثر مع أصحاب الدعوات السرية المناوئة للسلطة، فبدأت في الدعوة العباسية حتى تمكنت من الحكم،

واستمرت بعدها في الحركات الشيعية وخصوصا الإسماعيلية التي عرفت بمسميات عدة مثل “القرامطة والباطنية والحشاشين”. وهي التي تتمثل فيها تحديدا فكرة “الدعوة الحركية التنظيمية” التي ترتبط بقيادة وأتباع ينتشرون ويتحركون سريا في البلدان المسلمة، ويتواصلون اجتماعيا مع الأشخاص النافذين الذين يتوسمون فيهم مناصرة “دعوتهم”.

فكلمة “دعوة” و”داعية” توجد أكثر ما يكون في تراث الشيعة الإسماعيلية، وهو سياق يختلف عن سياق الموعظة، ويتميز طابعها بالسرية والازدواجية،

بالإضافة إلى أمر آخر لا يقل أهمية، وهي أن الدعوة الإسماعيلية كرست منهجية ومراحل لاستقطاب الأعضاء والمؤمنين. هذه المنهجية شبيهة بما يعرف عند جماعة الإخوان المسلمين بـ”مراحل الدعوة الفردية”.

بمقدورنا الآن الإجابة على السؤال:

ما أسباب استخدام مصطلح داعية رغم سوء سمعته التاريخية؟

لأن الدولة الإسلامية بصورتها التقليدية سقطت، وبمرور الزمن أسقط المفهوم السلبي للدعوة، فعادت الحركة الإسلامية لاستخدامه، متحصنة بوروده في القرآن دون مراعاة للفوارق في المعنى.

وكان لهذا دافع آخر، وهو تمييز العاملين من أعضاء هذه الحركات عن رجال المؤسسة الرسمية الذين احتكروا مهام المحتسب والخطيب والواعظ والقصاص،

وهنا تكمن الحيلة التي مكنت الشخص العادي، وأعطته صفته التدخل في شؤون الناس، وفرض الوصاية عليهم، واعتلاء المنابر.

إنها صفة “الداعية”.

اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٢- فقه الأولويات

كما تقترن فكرة الدعوة إلى الجماعة بنظرية فساد الزمان وسبيل الخلاص (الجماعة الناجية).

يتجلى هذا واضحا في المقدمة المسهبة لعبدالله عزام في كتابه “الدعوة إلى الله فريضة شرعية”، وهو من الكتب المقررة للدراسة في الأسر الإخوانية في المراحل الأولى من الانتماء التنظيمي، وهو استحضار لفكرة إظلام العالم قبل مجئ النبوة. والتئام المؤمنين و”تداعيهم” وتمايزهم.

كل هذا انعكس على التصنيف والتأليف الديني وإعادة صياغة منظومة الثقافة الإسلامية.

حيث ظهرت فكرة إعادة قراءة للقرآن الكريم بصورة تخدم فكرة الدعوة، من خلال نظرات “عميقة” ،كما فعل سيد قطب في كتابه “في ظلال القرآن”. وإعادة قراءة السيرة في ضوء فكرة الدعوة والحركة كما فعل منير الغضبان في كتابه “المنهج الحركي للسيرة النبوية”.

أما كتاب القيادي الإخواني السوري أبوالفتح البيانوني (المدخل إلى علم الدعوة) فلفق تأصيلا شرعياً للفكرة بقياسها على الحسبة، ثم قفز بالاستنتاج إلى نتيجتين هما غاية الجماعة في التجنيد والعمل:

الأولى: وجوب الدعوة شرعا.

والثانية: وجوب العمل الدعوي من خلال جماعة منظمة.

ومع تلك الأدبيات والتنظير الجديد في التأسيس الثاني في السبعينيات، ومع خروج هذا الجيل من المعتقلات بالإضافة إلى الشباب الجدد المنضمين لهم، ظهر استخدام لفظ “داعية”. ثم مع الوقت تحولت لمهنة انبثق عنها آلاف الوعاظ الدينيين من ذوي الهيئات المدنية الذين يمارسون الوعظ ويسردون القصص، وهي الظاهرة التي تطورت لاحقا إلى “الدعاة الجدد”، ومن المفارقة أن أغلب الدعاة، برغم تظاهرهم بالحياد، كانوا ينشرون نسخة الاسلام الإخوانية (ولو بصورة قليلة الدسم).

SaveSave

SaveSave

SaveSave

SaveSave

SaveSave

SaveSave

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك