أفخاخ الإسلاميين: 5 – فخ شمولية الإسلام

أفخاخ الإسلاميين: 5 – فخ شمولية الإسلام

1 Jul 2018
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

جاء في سيرة الشافعي، أنه لما أعلن عن مذهبه في الإجماع كأصل ثالث من أصول التشريع يضاف للكتاب والسنة، سأله حاضر عن الدليل من كتاب الله، فتغير لون الشافعي، وطلب إمهاله حتى يأتي بالدليل.

مدرسة “النتيجة قبل الدليل”

اعتكف الشافعي في بيته ثلاثة أيام يفتش في القرآن، ثم عاد مستدلًا بالآية 115 من سورة النساء: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.

اعتبر الشافعي أن “سبيل المؤمنين” مرادف للإجماع بمفهومه الفقهي.

وبرغم تعسف الشافعي الواضح  في تفسير الآية، إلا أن الخطأ المنهجي أصلًا في البداية هو افتراض حكم مسبق ثم البحث عن الدليل لاحقًا، ما يجعل النتيجة تسبق المقدمة.

اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية

المنطق اليوناني في تأسيس الشمولية

المنهج نفسه سار عليه الأصوليون من بعد الشافعي في القرنين الثالث والرابع الهجري، عندما أدخلوا المنطق اليوناني كقواعد أصولية أسسوا عليها تفريع وتوسيع الأحكام الفقهية.

ولعل أساس المشكلة كان الخطأ الذي افترضوه بأن كل حكم أصولي أو فرعي لابد له من دليل قرآني، أو أن “الإسلام نظام شامل لا توجد مسألة صغيرة أو كبيرة أو محدثة إلا وله فيها حكم” بالمعنى المعاصر الذي فرضه الإسلاميون.

اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٢- فقه الأولويات

هامشية التشريع عند الجامعة الإسلامية

هذه الفكرة هي المستقرة حاليًا في العقل العام للمسلم المعاصر، بفعل تأثير حركات الإسلام السياسي، وهي المميزة لها عن دعوات أخرى لفكرة الجامعة الإسلامية، التي نشأت في أوائل القرن العشرين، ونادى بها بعض رموز الحركة الوطنية في مصر، مثل محمد عبده، وقاسم أمين، ومصطفى كامل.

لم تكن فكرة الجامعة الإسلامية تعني بمسألة التشريع، بقدر ما تعني بمسألة  توحيد المسلمين في كيان يواجه الدول الأوروبية.

تمثل مسألة التشريع النقطة جوهرية في الفصل بين حركات الإسلام السياسي ودعاة الجامعة الإسلامية قديمًا وحديثًا.

الإسلاميون حاولوا في هذا الصدد ترسيخ فكرة إمكانية إعادة بناء منظومة متكاملة من التشريعات والنظم لبناء الدولة اعتمادًا على الفقه الإسلامي، ولعل أهم ما فيها فكرة السياسة ذاتها.

الشمولية في كتابات حسن البنا

المتتبع لكتابات حسن البنا يجد أن هذه الفكرة مثلت شغله الشاغل، حيث استهلكتها الكثير من كتاباته، شاكيًا من عدم استيعاب المسلمين لها، وأن المسلمين في زمنه يرون أن الدين أخلاق وطقوس وروحانيات وليس نظامًا شاملًا.

يقول حسن البنا في الأصل الأول من أصوله العشرين: "الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء، وهو مادة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة".

اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٣- فخ الدعوة

سار حسن البنا على درب الشافعي، إذ أقر أصلًا ثم بحث له عن دليل، ولأن الفجوة كانت كبيرة، فقد بحث عن النظم والأفكار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الرائجة في زمنه.

رسالة “نحو النور” كانت النتيجة، وهي رسالة بعث بها في 1946 إلى عدد من المسؤولين، في مقدمتهم الملك فاروق وورئيس الوزراء مصطفى النحاس، ليعرض عليهم ما يعتقد أنه النظام الإسلامي الشامل لإدارة الدولة.

نلاحظ في الرسالة أن “البنا” أخذ ملامح النظم الشرقية الاشتراكية المركزية، فطالب بتقليل الفوارق الطبقية، وتحديد الملكيات، وتأميم الشركات الأجنبية لصالح رأس المال المسلم، ومحاربة الكماليات ومظاهر الترف، وتدخل الدولة ومركزيتها، وعسكرة المجتمع، وتوحيد الزي، ورفض فكرة الأحزاب.

الرسالة اعتبرت أن النظام البرلماني يمثل تطبيقًا لفكرة أهل الحل والعقد التي أقرها بعض فقهاء السياسية الشرعية، وأدعى أنها النظام الإسلامي باستخدام نصوص عامة للتدليل عليها.

جدل اشتراكية الإسلام

وعلى درب البنا، سار مصطفى السباعي، فألف كتاب “اشتراكية الإسلام”، الذي قام فيه بأسلمة النظام الاشتراكي، والاستدال على كل مظاهره ومفرداته بتاويلات وتخريجات إسلامية بعضها في غاية الهشاشة.

هذا التخريج استفز أحد الشيوخ التقليديين، وهو الشيخ محمد الحامد الذي رد عليه بكتاب “نظرات في كتاب “اشتراكية الإسلام“.

مطالعة هذين الكتابين ضرورية جدًا لفهم الفخ الذي نتكلم بشأنه؛ لأن رد الحامد يكشف الكثير من الحيل الأصولية التي لجأ إليها السباعي.

اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٤- فخ الجهاد

إعادة تموضع “الحل الإسلامي”

وكالعادة في فترة السبعينيات، ومع تغير وجهة الجماعة وتحالفاتها السياسية والإقليمية، أعيد كتابة التصور نفسه، وطرحه مجددًا باعتباره الحل الإسلامي.

تحرر الطرح الجديد من النظريات الاشتراكية، فبدأ الحديث في الاقتصاد عن رأس المال الإسلامي، وظهرت مسألة البنوك الإسلامية، وشركات توظيف الأموال.

ولظروف التحولات السياسية والانفتاح، تبرأ الإسلاميون من كلام حسن البنا بتحريم الحزبية، واعتبروا أن الأحزاب فكرة الإسلام، معتمدين على قياس مدلس بين المذاهب الفقهية والأحزاب، كما فعل يوسف القرضاوي، الذي تطورت معه فكرة الأسلمة في كل المجالات.

 

SaveSave

SaveSave

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك