متى يعلنون وفاة أوروبا؟ السؤال المطروح على هامش اغتيال قاسم سليماني | الحكاية في دقائق

متى يعلنون وفاة أوروبا؟ السؤال المطروح على هامش اغتيال قاسم سليماني | الحكاية في دقائق

8 Jan 2020
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط
منذ الحرب العالمية الثانية، تراجع تأثير أوروبا عالميًا، لكن قواها الكبرى صارعت لسنوات لتحجز مكانًا في إدارة أهم ملفات العالم. الشرق الأوسط لعب دورًا معاكسًا أثار خلافات بين دول القارة في عدة مراحل؛ في غزو العراق 2003، وهجوم الناتو في ليبيا 2011 مثلًا. لكن الأطراف الفاعلة كانت على الأقل قادرة على اتخاذ مواقف يمكن التعويل عليها.
وصول ترامب للبيت الأبيض كان نقطة فاصلة زادت الشد والجذب بين الشريكين التاريخيين؛ يراها "أقرب إلى بيروقراطية بيزنطية لا تنجز شيئًا"، بوصف وول ستريت جورنال، بينما يريد هو استعادة ما يراه حقوقًا ضائعة لبلاده تاريخيًا. يؤمن بسياسة "أمريكا أولًا"، يريد تخفيف العجز التجاري، وتقليص التزامات بلاده للمؤسسات الدولية، ويطالب شركاء أوروبا بتحمل نصيبهم من نفقات حلف الناتو.

وفي ملف إيران كان التمايز واضحًا
في أوائل 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه الانسحاب من اتفاق إيران النووي 2015، وإعادة العقوبات على طهران. رفضت أوروبا - الممثلة في الاتفاق بثلاثة دول؛ فرنسا، ألمانيا وبريطانيا الخطوة الأمريكية. ألمح الرئيس الفرنسي لاحتمالية زيارة إيران كأول رئيس فرنسي يزور طهران منذ ثورة الخميني في 1979. زار واشنطن فعلًا لمناشدة ترامب بالتراجع عن موقفه. لمح لإمكانية عقد اتفاق نووي جديد يرضي الطرفين، لكن ترامب لم يتراجع.. أعلن الانسحاب رسميًا في مايو 2018، وعادت العقوبات التدريجية حتى وصلت إلى حملة "الضغوط القصوى".
بعد انسحاب واشنطن، حاول ماكرون طمأنة طهران.. هاتف الرئيس الإيراني، معربًا عن تصميم أوروبا على الإبقاء على الاتفاق النووي "بكل أبعاده"، مطالبًا إيران بالأمر نفسه. تحدث عن مشروع محادثات مع بقية الأطراف المعنية للتوصل إلى "إطار متبادل المنفعة" بشأن تطوير البرنامج النووي الإيراني بعد 2025، وأنشطة الصواريخ البالستية الإيرانية، والأزمات الرئيسية في الشرق الأوسط.

لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني قال صراحة إن فرص محاولات أوروبا لحفظ الاتفاق محدودة، قبل أن يعلن المرشد الأعلى علي خامنئي 7 شروط: إما أن تنفذها أوروبا أو تتخلى إيران عن الاتفاقية.. أوروبا لم تتراجع، أكدت مرارًا حرصها على مناقشة الضمانات التي تكفل بقاء الاتفاق.

عمل الحلفاء الأوروبيون مع طهران بشكل منفرد لإنشاء آلية تسمح بمواصلة التجارة مع إيران رغم العقوبات الأمريكية.. إيران تجاهلت شروط ماكرون، فمضت خطوة بخطوة في التراجع عن قيود برنامجها النووي، وواصل توسعها الإقليمي، وواصلت بنشاط تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية.
يرى ماكرون في نفسه وريثًا لقيادة أوروبا التي باتت على وشك الفراغ بخروج بريطانيا وانتهاء ولاية المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. حاول أن يعزز دوره في أكثر من ملف، خصوصًا ملف إيران. في قمة السبع الأخيرة، اقتنص تعهدًا من ترامب بالموافقة على الاجتماع بروحاني خلال أسابيع “إن كانت الظروف مناسبة”، لكن تلك الظروف لم تتوفر مطلقًا. ترامب أبدى استعداده للتوقيع على اتفاق منقح يتضمن حظرًا على الصواريخ البالستية، وعمليات تفتيش أكثر تدخلاً للمواقع النووية في إيران، وفترة زمنية أطول لا تسمح بحدوث اختراق نووي.. وهو ما لم تسمح به إيران.

فشلت جهود الدبلوماسية الماكرونية - تمامًا كما فشلت قبلها جهود أوروبا لإنقاذ إيران من تبعات عقوبات ترامب. الآلية التي اقترحتها أوروبا لدفع الأموال مقابل الصادرات الإيرانية وتجاوز العقوبات الأمريكية لم تحقق أثرًا، بعدما واجهت القارة صعوبة في إيجاد دولة تتطوع لاستضافة مقر الآلية، خوفًا من انتقام واشنطن.

أوروبا نفسها سقطت في فخ طهران؛ بريطانيا كشفت مؤامرة دبرها حزب الله لتخزين متفجرات لكنها أبقتها سرًا، محاولات اغتيال لمعارضين إيرانيين في أوروبا مرت مرور الكرام، واحتجاز سفينة بريطانية في الخليج لم تعرض إيران لعقوبة حقيقية.. بعد الإدانات، وحديث عن تشكيل قوة لحماية السفن.. ثم لا شيء!
لم يبد أن أوروبا تمتلك خطة حقيقية أكثر من كسب الوقت على أمل أن يأتي رئيس من الديمقراط يعيد الاتفاق النووي إلى سيرته الأولى. لكن السفينة أبحرت في بحر الوقت بعيدا عنها. في عكس الاتجاه الذي أملت فيه.
في إيران، تحركت مظاهرات شعبية احتحاجًا على تردي الأوضاع الاقتصادية تحت ضغط العقوبات. حجبتها السلطات عن العالم، لكن التسريبات المتتالية تشير لوضع كارثي، كل هذا دون تدخل حقيقي من أوروبا، التي وقفت كذلك صامته دون مواقف ذات وزن في إطار الشد والجذب المتصاعد بين واشنطن وطهران.
وفي العراق، اندلعت مظاهرات مشابهة احتجاجًا على تمدد نفوذ إيران فيه "تذكر هنا أن تورط إيران في الشرق الأوسط كان أحد الملفات التي طرحها ماكرون للنقاش". حاولت إيران القفز للأمام، بتحريك ميليشيات تابعة لها للهجوم على قوات أمريكية في العراق. ردت واشنطن بقصف مقرات للميليشيا التي هاجمتها. حاصرت الميليشيا السفارة الأمريكية في بغداد وحاولت اقتحامها. فمضت الولايات المتحدة بعيدًا.. قتلت قاسم سليماني، قائد فيلق القدس المسؤول عن تمديد نفوذ إيران الإقليمي.. نقف هنا قليلًا لنقول إن ترامب لم يستشر ولم يخبر حلفاء أوروبا بالخطوة قبل تنفيذها.
بعد العملية، قوبلت أوروبا بانتقادات لرد فعلها البطئ على الأزمة ككل، وعلى اغتيال سليماني تحديدًا. اكتفت عواصم أوروبا بإدانات وتحذيرات من تصعيد الوضع. طالبت إيران بضبط النفس. حاولت ألا تذكر سليماني بسوء رغم الثمن الذي دفعته من نشاطاته.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو انتقد رد الفعل الأوروبي. قال إنهم لم يظهروا التضامن الذي انتظرته واشنطن رغم أن "الخطوة الأمريكية أنقذت الأرواح في أوروبا أيضًا".
ركز الرد الأوروبي على محاولة استرضاء إيران بدلًا من إظهار التضامن مع الولايات المتحدة، لكن طهران لم تستجب. جمدت التزاماتها المدرجة في الاتفاق النووي.
ماكرون هاتف روحاني في محادثات استمرت ساعة كاملة، طالبه بعدم تصعيد التوتر واستئناف احترام الاتفاق النووي. أخبره بقلقه العميق من تطورات الشرق الأوسط، وطالبه بالامتناع عن أي إجراء من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات المتصاعدة. حثه على العودة سريعًا للامتثال الكامل لالتزامات إيران بموجب الاتفاق النووي، لكن روحاني أخبره أن طهران ستعود فقط حين تفي الدول المشاركة الأخرى بالتزاماتها.

بعد ساعات قليلة، قصف الحرس الثوري قاعدتين أمريكيتين في العراق.. اتصالات وإدانات أوروبية جديدة ومطالبات أخرى بضبط النفس.
أحد الضحايا غير المباشرين قد تكون العلاقة بين ضفتي الأطلسي، تقول بوليتيكو.. "أوروبا لا ترتاح لترامب"، هذا بات معروفًا. جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كان قد وصف الأزمة بـ "طلاق في القيم".
ترامب دعا أوروبا للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وطالب حلف الناتو "أي شركاء القارة العجوز" بحضور أكبر في الشرق الأوسط.. لكن، هل بإمكان أوروبا أصلًا الاستجابة لطلب ترامب؟
ربما تشعر أوروبا بمسؤولية خاصة تجاه إيران بالنظر إلى أن أقوى الدول الأعضاء فيها - بريطانيا وفرنسا وألمانيا - لم تنسحب من الاتفاق النووي، لكنه ظل بقاء بلا جدوى.

هولجر شميدينج ، كبير الاقتصاديين في بيرنبرغ، يعتبر أن الاتفاق "ميت"، لا طهران التزمت به، ولا أوروبا تملك تأثيرًا على أحد. يرى أن دور القارة في الشرق الأوسط بات محدودًا للغاية مع رئيس أمريكي لا يستمع للحلفاء، لتبقى أوروبا في مقعد المتفرج، انتظارًا للتداعيات المحتملة لغياب الاستقرار في الشرق الأوسط، دون قدرة ولا استعداد للتأثير في الأحداث. العملية التي استهدفت سليماني قتلته وتسعة آخرين. أوروبا كانت المصاب الحادي عشر.
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك