إردوغان والسراج.. قشة اليائس | خالد البري

إردوغان والسراج.. قشة اليائس | خالد البري

18 Dec 2019
خالد البري رئيس تحرير دقائق نت
تركيا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من مصلحة مصر أن تتدخل مباشرة بالإمداد اللوجستي لحسم الصراع في ليبيا لصالح حليفها.. لكنها لم تستطع أن تفعل ذلك بالقدر الذي تود.

لماذا؟

بسبب الحظر الدولي.

هذا الحظر هو الحامي الأكبر لحكومة طرابلس، حكومة فايز السراج. صحيح أن الحظر مخترق، لكن هناك فرقا بين انتهاك الحظر تسللا وبين فتح ممر إمداد لوجستي.

من هنا فإن السراج، ورجب إردوغان، بمذكرة التفاهم المشتركة بينهما قد يقدمان لمصر خدمة كبرى. إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل: هل ممكن أن يكونا من الغباء بحيث يفعلان ذلك؟ ولأن إردوغان ليس غبيًا، فلا بد من أسباب ودوافع أخرى دفعته إلى هذه الخطوة.

والعنوان هو: “اليأس”. أي الرغبة القوية مع انعدام الوسائل.

مذكرة تفاهم السراج – إردوغان: هل هي ضربة سياسية لمصر؟ | س/ج في دقائق

الرغبة عند إردوغان هي الحصول على موطئ قدم في غاز المتوسط، وسط التعاون الدولي بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل. لقد جرب إردوغان الوصول إلى هذا الغرض عبر العناصر المحلية الداعمة من الإخوان العثمانيين في مصر. وفشل. جرب تمكين نظام من العناصر المحلية الداعمة في سوريا، لكن روسيا أرغمته أول ما أرغمته على أن يسلمها ما تحت يد عناصره المحلية في الساحل. وفعل. وهو الآن يتعثر في مجرد “منطقة آمنة” على الحدود البرية.

في مغامراته تلك خرب علاقته الحميمة السابقة مع إسرائيل. وعلاقته مع قبرص واليونان خربة أساسًا كما تعلمون.

لم يعد له إلا عناصره المحلية الداعمة في ليبيا.

أما السراج فالرغبة عنده هي البقاء. لقد أخطأ الخطأ الأكبر بالفصل بين الجغرافيا والسياسة، في حمق سياسي ليس غريبًا على جماعة لا تعترف بالجغرافيا. الجغرافيا هي الحقيقة الوحيدة غير المختلف عليها، والتي لا تحمل آراء ولا وجهات نظر، من بين دعائم السياسة. عول السراج على دعم تركيا وقطر، وهو على مرمى حجر من مصر واليونان، بل وعن طبرق أيضًا.

منتدى غاز شرق المتوسط.. خبر صغير في الجرائد وتطور كبير في السياسة | س/ج في دقائق

مصر المستفيدة من اجتماع اليائسين

هكذا اجتمع اليائسان. من يريد البقاء ويعلم أن سبله صارت شحيحة. ومن يريد الغاز ويعلم أن الطريق إليه صار مسدودًا. وقررا أن يقايضا سلعتين لا يملكانها. الغاز بالحماية العسكرية والحماية العسكرية بالغاز.

الآلة الإعلامية لإخوان العثمانيين من العناصر المحلية الداعمة اشتغلت بكثافة على توصيل فكرة أن هذا اتفاق تاريخي، سيقلب الموازين. اعتاد الإخوان على الاستخفاف بالرأي العام والعقل الجمعي. هذه مجرد مذكرة تفاهم بلا قيمة قانونية، وإلا لاستطاعت أي دولتين تجاوز القوانين الدولية وتوزيع الأنصبة الإقليمية فيما بينها. لكن هذا الجزء الأقل كوميدية من الموضوع.

الأكثر مدعاة للسخرية يعيدنا إلى ما افتتحت به المقال. اليوم الذي تكسر فيه تركيا حظر السلاح على ليبيا تفتح بابا واسعا لمصر وغيرها لكي تدخل بثقلها دون خوف من ملامة دولية.

وهل مصر مستعدة لحرب تركيا؟

لو كانت مصر في موقع سوريا الجغرافي لقلت لا. تركيا جيش ضخم، هو الثاني في الناتو. وعضويتها في الناتو تمنحها منعة ضد الاعتداء. أما في ليبيا فالوضع مختلف. لأن خط الإمداد المصري إلى ليبيا سهل للغاية على عكس خط الإمداد التركي.

ربما ظنت تركيا نفسها قادرة على تقليد ما فعلته روسيا معها في سوريا. لكن الفارق مهول. بشار الأسد مهما اختلفت الآراء حوله هو رئيس شرعي في سوريا. قادر على توقيع اتفاقات وتطبيقها. أما السراج فرئيس حكومة لا يعترف به مجلس نوابه المنتخب.

صراع الشرعيات في ليبيا.. من سقوط القذافي إلى معركة طرابلس | دقائق.نت

سوريا دولة، تملك قواعد عسكرية وتجهيزات جيش نظامي قائم. لا تحتاج روسيا إلى العمل من الصفر لإنشاء مثل تلك القواعد. أما ليبيا فدولة تتحكم فيها حاليًا ميليشيات مختلفة. من يعارض السراج فيها أكثر نظامية ممن يؤيده.

الخصم الذي استدعيت روسيا لحماية نظام بشار الأسد منه خصم ضعيف. القوات الروسية في مأمن شبه كامل وهي تقاتل. وفي المرة التي أسقطت لها تركيا طائرة هرول إردوغان إلى موسكو معتذرًا ولا يزال حتى الآن يقدم اعتذاراته المادية عن “الخطأ”.

أما في ليبيا، لو استدعيت قوى خارجية، فالخصم لن يكون خليفة حفتر. إن لم تدخل مصر مباشرة في المواجهة، لن تكون ليبيا بالنسبة لتركيا سوى مستنقع لن تخرج منه. وإن خرجت، فلن تحظى إلا بالطين في قدميها. الغاز والمياه الإقليمية تحكمها كما سبق وأشرت قوانين مختلفة تمامًا. على المحك فيها ليس فقط الشرعية الدولية، لكن الاتحاد الأوروبي، حماية لليونان وقبرص.

الاتحاد الأوروبي يتقارب أيضا مع روسيا استعدادًا لمرحلة لا يعرف أحد مصير الناتو فيها (فرنسا استضافت روسيا وأوكرانيا في باريس لحل المشكلة الأكبر بين الناتو وروسيا).

احتفال الناتو بدخوله خريف العمر فيه ما يستحق النظر، للمهتمين. والتلاسن بين تركيا وفرنسا الذي سبقه، كما التوتر المتكرر بين تركيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى التعطيل التركي لخطط الناتو الاستراتيجية في البلطيق. كل هذه أمور لا تغيب عن أي مهتم بالسياسة.

معضلة الشريك المخالف.. هل بات الناتو رهينة عند إردوغان؟ | س/ج في دقائق

قبل سنوات كتبت أن التحالف المصري السعودي الإماراتي نجح في تثبيت أقدامه، وفي إعادة توزيع جهده على المناطق المختلفة. سحب نفسه من المستنقع السوري، وركز جهوده في التنمية الداخلية وفي درء الأخطار على حدوده المباشرة. بينما ترك الآخرين يخوضون معارك توسعية خاسرة، مستنزفة.

هذا الإصرار أوصل القوى الإمبريالية الإقليمية في إيران وتركيا إلى مرحلة مرهقة محبطة من اليأس. لم يرفعوا بعد راية التسليم بأننا أهل هذه المنطقة ولسنا رعايا لهم، لكنهم سيفعلون. الخطوات اليائسة لا تنقذ غريقًا.


لعبة القيصر والسلطان.. نزاع “النسر والهلال” الممتد بين روسيا وتركيا | الحكاية في دقائق

بعد سوريا.. بوتين روسيا يلاحق إردوغان في ليبيا | س/ج في دقائق

من الدفاع عن القذافي لتسليح ميليشيات طرابلس.. كيف تورط أردوغان في ليبيا؟ | س/ج في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك