أقسام التوحيد عند ابن تيمية.. مفتاح تكفير المسلمين | عبد السميع جميل

أقسام التوحيد عند ابن تيمية.. مفتاح تكفير المسلمين | عبد السميع جميل

5 Aug 2019
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

يتصور البعض أن الحاكمية – التي تمارس كل الجماعات المتطرفة العنف والإرهاب في سبيلها – من بنات أفكار أبو الأعلى المودودي أو سيد قطب. لكنها في الحقيقة أقدم من ذلك بكثير! ولدت علي يد عمرو بن العاص في معركة صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قبل أن يستخدمها الخوارج لاحقًا.

الشافعي أصل لها فقهيًا، وكتب الحنابلة والأشاعرة تحوي تنظيرًا عقائديًا لها.. ما فعله المودودي وسيد قطب لم يكن إلا إعادة أحياء الحاكمية في ثوب جديد.. إحياء لا يعادل نصف ما فعله ابن تيمية في التأسيس للفكرة عقائديًا؛ إذ كان أول من ربطها بمسألة التوحيد، وجعلها شرطًا للإيمان الصحيح بوحدانية الله.

سيد قطب| قصة معالم في الطريق | عبد السميع جميل


التوحيد الثلاثي

قدم ابن تيمية مفهومًا جديدًا لـ “التوحيد” لم يسبقه إليه أحد، فابتدع تقسيمًا ثلاثيًا لأول مرة في تاريخ المسلمين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الذات والصفات، ثم أدخل الحاكمية في توحيد الألوهية، حتى أصبحت نوعًا من التوحيد اسمه توحيد الحاكمية.

التقسيم مكن ابن تيمية من التفتيش في القلوب والطعن في الإيمان والاتهام بالشرك، ومن ثم القتل وسفك الدماء بمجرد الخروج عن الحاكمية؛ باعتبار أن إيمان عامة المسلمين عنده توحيد ربوبية لا يختلف عن كفار قريش، بينما الممارسات المخالفة لاعتقاده مثل الشفاعة والتوسل بالأولياء وبناء الأضرحة تخرج من توحيد الألوهية وتفضي بصاحبها إلى الشرك.

مغالطات ابن تيمية – إمام التيارات السلفية – في تخليق هذا التقسيم خالفت الفكر السلفي نفسه؛ باعتبار أن أحدًا قبله لم يقل به. حاول السلفيون البحث عن مخرج لا يظهر إمامهم بصورة المبتدع في الدين؛ فأخرجوا رجلًا اسمه ابن بطة يتحدث عن تقسيم ثلاثي للتوحيد قبل ابن تيمية، وكأنهم بذلك نفوا الابتداع عنه!

في ذكرى معروف الرصافي.. هل حان الوقت لمراجعة قرار منع كتابه الشخصية المحمدية؟ | مارك أمجد


توحيد قريش

حاول السلفيون تبرير تقسيم التوحيد بالقول إن كفار قريش كانوا موحدين بالربوبية، ولم يكفروا إلا بالإلوهية، فخرج أبو إسحاق الحويني يقول:

لو سألت أبو جهل نفسه: هل من خالق غير الله؟ سوف يقول: لا. «وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ». إذًا فما سر كفرهم طالما أنهم يعترفون بذلك؟ سر كفرهم هو جحد الإلوهية؛ فتوحيد الربوبية وحده لا يدخل أحد في دين الإسلام، حتى يعلم أن الله هو الحكم، وأنه لا يجوز أن يصرف شيء من العبادة إلا لله

الحويني يزعم أن أهل قريش كانوا يؤمنون بالرب ويشركون بالإله، وهو أمر لم يأتِ علي ذهن قريش ولم يصرح به أحدهم أبدًا، بأدلة قرآنية تنفي توحيد الربوبية عن قريش، بكل ما يتعلق بالربوبية من أمور خاصة بالخلق والبعث والنشور، مثل: «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ»، و«وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ».

صحيح أن آيات أخرى تذكر علي لسان قريش أنهم يؤمنون بأن الله هو الرب والخالق، وأنهم فقط يتقربون إليه بالأصنام التي يعبدونها، مثل: «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ»، لكن هذا لا يعني أنهم فرقوا بين الرب وبين الإله، أو أنهم وحدوا الرب وعددوا الإله، إلا إذا اكتفينا بالآيات التي تتحدث عن إيمانهم بالخالق، وتجاهلنا التي تنفي هذا الإيمان، أما جمع الآيات فيوضح أن ما قيل علي لسانهم كان محض كذب أشار إليه القرآن باعتبارهم “يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم”.

ومن ثمَّ، فإذا سلمنا بفرضية تقسيم التوحيد إلى إلوهية وربوبية، فإن أهل قريش كانوا يشركون بهما علي حد سواء.

زعم الحويني كذلك أن توحيد الربوبية لا يكفي للخلاص في الآخرة. ولو كان زعمه صحيحًا ما أقام الله الحجة علي بني آدم بقوله: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»؛ لأنه بذلك استخدم تعبير “ربكم” بدل “إلهكم”، وكان الواجب– بمنطق الحويني – أن يستخدم “إلهكم” حتى لا يأتي أحد يوم القيامة، ويقول: «إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ»، لكن القرآن لم يُفرّق من الأصل بين الرب والإله، تمامًا كما ذكر على لسان فرعون: «يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي» و«أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ»، دون التفريق بين الرب والإله كما ذهب ابن تيمية.

الإسلام وأصول الحكم.. قصة كتاب كشف ملامح مصر بعد ثورة 1919


مفتاح القتل

رغم كل ما سبق، نجح ابن تيمية في صناعة فارق بين الرب والإله، ومن ثمَّ نجح في تقسيم التوحيد عمومًا، وجعل التقسيم سلاحًا في وجه خصومه من المسلمين الذين وضعهم موضع المشركين، بما سهل التحريض عليهم، بقوله: “كل طائفة ممتنعة عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة، أو الباطنية المعلومة، فإنه يجب قتالها”.

بهذا المنطق، سحب ابن تيمية أي خلاف فقهي إلي أرضية الخلاف العقائدي، وتعامل مع أي مخالفة لآرائه الفقهية باعتبارها مخالفة للعقيدة، ومن ثمَّ حكم علي المخالفين بالشرك، ثم القتل، فإذا كان التوسل في مذهبه محرمًا، وخرج الصوفية والأشاعرة وخالفوه في هذا الأمر، فقد أشركوا من وجهة نظره، وجاز قتالهم!

يقول ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”: “من يقول إذا ذبح شاة باسم سيدي فلان أو يعبده بالسجود له أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني، أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل”.

من هنا انطلقت كل الجماعات الإرهابية في محاربة الصوفية، فقتل أنصار بيت المقدس أكثر من ٣٠٠ مصري مسلم في مسجد الروضة بسيناء في نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٧م، وقبل ذلك بعام قتلوا الشيخ الصوفي الكبير سليمان أبو حراز.


ملف أفخاخ الإسلاميين في دقائق


محمد عبده “الكافر” الذي أسس جماعات الإسلام السياسي| عبد السميع جميل

شيخ الأزهر في خطاب المولد النبوي.. إحياء الخطاب السياسي لأنصار الخلافة الإسلامية


 

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك