لهذه الأسباب يحتفي أنصار الإخوان بمعارك شيخ الأزهر | عبد السميع جميل

لهذه الأسباب يحتفي أنصار الإخوان بمعارك شيخ الأزهر | عبد السميع جميل

30 Jan 2020
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في مؤتمر الأزهر العالمي، انتهت سبع جلسات حوارية عن معضلة تجديد الخطاب الديني دون جديد، إلا عقلية شيخ الأزهر أحمد الطيب التي ظهرت بوضوح شديد هذه المرة حين دخل في خلاف حاد مع رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، خلافًا لما بدا عليه في خلافاته السابقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كل مناسبة دعا فيها الأخير لتجديد الخطاب الديني، حين بدا هادئًا لينا مرنًا أمام عبارات أشد، بينها “سأحاججكم أمام الله يوم القيامة”، و”أتعبتني يا فضيلة الإمام”.

هذه المرة، بدا شيخ الأزهر غليظًا رغم ثبات قضية الخلاف، ورغم وداعة الخشت ومبالغته في احترامه، وهدوئه أمام تندر الطيب وسخريته من منطقه وسط حفاوة واضحة من الحضور، وغالبيتهم من المنتمين لجامعة الأزهر.

شيخ الأزهر تجاهل محاولة الخشت توضيح رؤيته المدروسة كاملة بالإشارة إلى كتبه في المسألة. بدا حديثه متندرًا بوعد أن يكون “طيبًا”، لينتقل فورًا إلى إثارة ضحك الحضور من ضيفه الذي اتهمه بعدم إعداد خطابه معتمدًا على تداعي الخواطر. عد معي إذًا إلى خطابات الرئيس المصري المعتمدة في أغلبها على الارتجال وتداعي الأفكار والخواطر!

واصل الطيب تندره. سخر من هدية ضيفه، ومن منطقه عن عدم امتلاك الحقيقة المطلقة. اعتبر هذا المنطق متهافتًا ويستدعي السخرية، فقال: “هذا الكتاب الجميل اللي حضرتك أهديته لي. هل تعتقد أنه مطلق أم تشك فيه؟ إن كنت تعتقد أن هذا الكلام مطلق، فقد سقط مذهبك، وإن كنت تعتقد أنه مشكوك فيه فأرجو حين تتأكد أن تهدي إليّ كتابك!”

شيخ الأزهر هنا لا يتندر على رئيس جامعة القاهرة بشخصه، بل على جميع المثقفين والفلاسفة الذين يرفضون الحقائق المطلقة، رغم كونه ابن ثقافة فقهية تعترف بالحقائق النسبية وترفع لها شعارات مثل: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، لكنها رغبة الإمام الشخصية في تحويل النقاش إلى جدل عقيم بلا سبب.

الحكاية في دقائق: أين يقف الطيب في المسافة بين السيسي والجماعات الدينية

سر شراسة الطيب

الخشت ظن أن حديثه عن الالتزام بالآيات المحكمة والأحاديث المتواترة، ومبالغته في تبجيل شيخ الأزهر بعبارات مثل “سماحة قلب وعقل فضيلة الإمام تتسع لكلامي” ستشفع له في هجومه على الأشاعرة وأحاديث الآحاد وكتب التراث التي لا تناسب عصرنا، أمام زعيم الأشاعرة الرسمي في العالم، فما كان من “صاحب السماحة والفضيلة” إلا إزاحة الستار عن سماحته دفاعًا عن أشعريته، ويهاجم الخشت في كل حرف نطقه بسبب أو بدون، حتى وصف منهجه في التجديد بإهمال وترك وإعلان فرقة مع التراث.

كان الخشت أليفًا للغاية، حريصًا على تقريب قناعته مع الطيب، دون أن يعلم أن منهجه قائم على التجاور بين متناقضات تراثية وحداثية لا يمكن أن يقبل بها شيخ الأزهر الذي تقوم وظيفته بالأساس على الدفاع عن التراث الديني حلوه ومره، دون القبول بأنصاف المواقف المركبة في دعم الأزهر والتراث على طريقة الخشت..

رئيس جامعة القاهرة – الذي قدم نفسه كمحايد مع الأزهر لا معه ولا ضده، ولا يستطيع القول إن التراث كله جيد أو سيء في المطلق، رافضًا الاعتماد في العقائد على أحاديث الآحاد – بدا مصدومًا من هجوم شيخ الأزهر. لكنه لم يستوعب أن الطيب ليس ساذجًا ليقبل نقده الهجومي على مذهبه الأشعري لمجرد تغليفه بإطار من المديح المصطنع والمبالغ فيه، دون أن يدرك أن مثل هذا الحديث لا يمكن أن يمر في حضرته، كون تمريره سيُفهم منه ضعف الأزهر أمام طبقة المثقفين، ليستغل الطيب ضعف ضيفه كفرصة مواتية للدفاع عن مذهب الأشاعرة والتراث عمومًا، مدركًا أن مثل هذا الخطاب سيلقى رواجًا في أوساط الجماعات الرجعية، وأن هجومه على دعوات نقد التراث وإصلاحه وتجديده ربما تزيد شعبيته أكثر، ما يمكنه من الاحتماء بها ضد النقد الموجه إليه من السلطة، وهو ما حدث بالفعل من قنوات ومنابر الإخوان التي تلقفت كلماته بعد انتهائها مباشرة، واستخدموها في الهجوم على “الدولة التي تحارب الإسلام”.

خلاف شيخ الأزهر والخشت: مئتا عام من المساومة مع الدولة المصرية| خالد البري

نفس منطق الإخوان

يحتفي الإخوان بمواقف أحمد الطيب المتشددة دائمًا فيما يخص قضايا التراث التقليدي عمومًا؛ لأنهم يرون في كلامه نفس منطقهم العقيم.

ولعل تلك الكلمة الأخيرة كانت الأكثر إظهارًا للرجل في ثوب لا يختلف عن أي إخواني عتيق، الأمر الذي دفع القطيع الإخواني للاحتفاء الشديد به أكثر مما سبق؛ فالرجل الحزين من ابتعاد التراث عن غير قضايا الزواج والطلاق والميراث فقط، في إشارة غير مباشرة لفكرة شمولية الإسلام التي يثرثر بها الإخوان ومن علي شاكلتهم من الجماعات الإرهابية، رغبة منهم في تزاوج الدين بالنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الأمر الذي يتخذه هؤلاء الإرهابيون أنفسهم مبررًا للانقضاض علي دولنا بإرهابهم الساعي لبسط سيطرة الدين على كل نواحي الحياة.

ثم يأتي أحمد الطيب في النهاية ويناقض نفسه زاعمًا أن هذا الإرهاب والخراب ما هو إلا نتيجة مصالح وأغراض سياسية تختطف الدين اختطافًا لتحقيق أهداف شخصية! دون أن يسمح لنفسه بإعادة النظر في منطقه الذي يرى – تمامًا كالجماعات المتطرفة – الإسلام غائبًا عن الحكم، فيفعلون ما يفعلوه من أجل حاكميته، وهو ما يعلمه الإمام جيدًا، ويتجاهله عن عمد حتى يحمي تراثه من النقد، ويقدم لنا أسبابًا أخرى وهمية.

ما الفارق بين غزو الأندلس والحروب الصليبية؟

يستنكر الإمام ربط الإرهاب بالتراث، رغم ربطه التوسع الاستعماري في الصين والأندلس إلى التراث نفسه، فيغطي على الأسباب التراثية الصانعة للإرهاب ويقدم له أسبابًا سياسية فقط، رغم انطلاق كل الجماعات الإرهابية من قواعد تراثية قائمة على إعادة الخلافة والدعوة لتطبيق الشريعة والتحريض على الجهاد، وهي كلها أمور تراثية يعلمها الرجل، لكنه يفضل تجاهلها لحاجة في نفس يعقوب!

شيخ الأزهر يقول: “لولا التراث الديني ما وضع المسلمون قدمًا في الصين وأخرى في الأندلس”، بينما يستنكر – في نفس الوقت – منطق الغزو الصليبي الذي كان هو الآخر يضع قدمًا في الشرق وأخرى في الغرب بنفس منطقه الديني المبرر للغزو وأطماع التوسع الاستعماري، ومن ثمَّ واجب عليه أن يعيب على نفسه ما يعيبه على الآخرين، ويدرك أن هذا المنطق ليس مبررًا للانتصار والانسياق الأعمى وراء التراث لمجرد أنه كان دافعًا للتوسع الاستعماري.

جرائم السلطة الاجتماعية في حارتنا .. الحلقة الغائبة بين الحكم والقانون

ألم يحارب التراث العلوم؟

يعتبر الطيب “الحرب بين التراث والحداثة مصنوعة صنعًا لتفويت الفرص علينا”. يقول إنه الأزهر يدرس الفلسفة والمنطق والجغرافيا والاقتصاد، ويضيف أن الجامعات المصرية فيها الهندسة والطب والزراعة والصيدلة والطيران والعلوم ومراكز البحث العلمي، لكنها غير قادرة على صناعة عجلة سيارة، داعيًا للبحث عن شماعة غير التراث، متناسيًا أن التراث الديني كان ومازال عائقًا حقيقيًا أمام حركة العلوم والفنون في العالم العربي، فتحريم النحت والرسم والموسيقي سمة أساسة من سمات التراث القديم العقيم، الخالي تمامًا من ثقافة وفن الصورة المرسومة والمجسدة.

يتناسى كذلك تحريم الفلسفة والكيمياء ومحاربة أبجديات علم الأحياء ونظرية التطور التي تحارب باسم الدين حتى الآن، فضلًا عن تحريم آلة الطباعة لأكثر من 300 عام. ألا يكفي هذا حتى يدرك شيخ الأزهر مشكلة التراث الذي حكم دولنا ومنعها من المعارف والعلوم الحديثة قبل الحملة الفرنسية التي أشار إليها زاعمًا أننا كنا نعيش قبلها في جنة ونعيم التقدم بفضل تراثه؟!

شيخ الأزهر تفاخر بنتاج ما نفاه

يتجاهل الإمام أن تراثه يحارب ويعطل مختلف النظم السياسية والاقتصادية الحالية. الغرب تقدم بفضل العلمانية التي يحرمها التراث ويحاربها، وما نعيشه من أثار قليلة من النظم والعلوم والفنون مجرد صورة مشوهة ومحرفة منها نتيجة الحرب بين التراث والحداثة التي يزعم الإمام أنها مصطنعة، متصورًا أن استيراد بعض العلوم من الغرب وتقديمها لطلابه بعد تشويهها يمكن أن ينتج شيئًا، ويظن أن صناعة منتجات الحداثة من سيارات وطائرات وأسلحة هي دلالة التقدم، ويغيب عنه أننا ننتج ونصنع أسلحة ومدرعات وأجهزة مصرية حقيقية بالفعل، ولا يعني ذلك دلالة على التقدم والحضارة، كون التقدم الحقيقي يكمن في منظومة القيم والثقافة الحاكمة للمجتمع، فالمواطنة الحقيقية هي دليل على التقدم، والتداول السلمي للسلطة دليل على التقدم، وحرية الرأي والتعبير والعقيدة بلا وصاية دينية أو سياسية أو اجتماعية دليل علي التقدم، وسيادة القانون دليل على التقدم، وسيادة قيم العمل والعلم والمعرفة والفن دليل على التقدم الحقيقي، وليس التقدم مجرد سيارة أو طائرة فقط كما يتصور.

الإسلام وأصول الحكم.. قصة كتاب كشف ملامح مصر بعد ثورة 1919


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك