لهذه الأسباب يخشى الإخوان والأتراك “ممالك النار” | عبد السميع جميل

لهذه الأسباب يخشى الإخوان والأتراك “ممالك النار” | عبد السميع جميل

15 Dec 2019
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عاصفة من الهجوم واجهت مسلسل ممالك النار بعدما كشف وحشية العثمانيين وطمعهم التاريخي في احتلال مصر والشام، وأظهر أسطورة الخلافة الوهمية علي حقيقتها، وسحب البساط من الدراما التركية التي طالما استهدفت المشاهد العربي.

مستشار إردوغان ياسين أقطاي فتح دائرة الهجوم على ممالك النار بمقال نشرته “يني شفق”، لتتبعه كل منصات الإعلام الإخواني، من “محمد ناصر” عبر قناة “مكملين” إلى مقدمي الإخوان عبر يوتيوب.

الإخوان استغلوا الاهتمام الشديد بالمسلسل لتحويله إلي هجوم علي مصر والسعودية والإمارات. كونه إنتاجًا إماراتيًا يعرض عبر شاشة سعودية بسكربت كتبه كاتب مصري وبطله ممثل مصري؛ فعملوا على تجريد “ممالك النار” من رسالته، والانطلاق منه للإساءة لمصر وتبرئة العثمانيين من كل سوء قديم أو حديث!.

التوظيف السياسي للدراما

تلعب الدراما دورًا اقتصاديًا كبيرًا بلا شك بجوار دورها الترفيهي والفني، تمامًا كما تلعب أدوارًا سياسية واجتماعية وثقافية، ومن ثمَّ فالجدل الضخم حول ممالك النار بين قطاع واسع من الشباب أمر طبيعي.

المثير للدهشة أن حملات الهجوم علي المسلسل لم تتناوله من الناحية الفنية إطلاقًا، في حالة من التسليم بجودة العمل فنيًا، مع إرجاع ذلك إلي المخرج الإنجليزي بيتر ويبر، وإلى حجم الإنتاج الضخم “٤٠ مليون دولار”، موجهين الاتهام للمسلسل بخدمة أهداف سياسية معينة، وكأن المسلسلات التركية مثل “قيامة أرطغرل”، و”عثمان المؤسس” لم تمول بأكثر من ذلك، ولم تحمل أهدافًا سياسية تركية واضحة وصريحة لدرجة مثول إردوغان نفسه في أماكن تصويرها مع أبطالها مثلما فعل مع مسلسل “أرطغرل” الذي خرج يتحدث عنه في الفضائيات، ويستقبل نجومه بزيّهم التاريخي في الاحتفال بذكرى “فتح القسطنطينية”؛ كون المسلسل يهدف بشكل أساسي إلى تلميع جد العثمانيين – غير معلوم الأصل التاريخي – في عمل درامي لا يمت إلي الوقائع التاريخية بصلة. مع ذلك، لم يستحوا من اتهام غيرهم بعيوب هم أنفسهم مصابون بها!

العناصر المحلية الداعمة في بلادنا لم تستح من ملاحقة مسلسل “ممالك النار” بنفس المنطق والأسلوب الخبيث، فحلال على أسيادهم استخدام الدراما لأغراض سياسية يتلاعبون فيها بالحقائق التاريخية كيفما شاءوا، ومحرم علينا مواجهتهم في نفس ساحة الدراما بالالتزام بوقائع تاريخية ثابتة ومؤكدة لدينا من مؤرخين شاهدوا الأحدث بأعينهم وعاصروها بأنفسهم وسجلوها في كتبهم حية نابضة.

شماعة الدقة التاريخية

لم يصنع مسلسل تركي مثل هذا الحراك الثقافي الذي دفع الشباب إلى استقاء المعلومة عبر البحث في كتب التاريخ مثلما فعل ممالك النار في حالة نادرة تحسب له، ولكاتب المسلسل الذي أكد علي أن التاريخ لا يؤخذ فقط من الأعمال الفنية مهما كانت ملتزمة بالدقة التاريخية، كون المساحة المفهومة للإبداع والخيال لا يمكن استبعادها من العمل الفني، وإلا أصبح عملًا وثائقيًا لا علاقة له بالدراما.

مع ذلك، التزم الخط الدرامي العام لـ “ممالك النار” بالوقائع التاريخية المؤكدة، فصور نهاية دولة المماليك ودخول العثمانيين مصر والشام بعد انتصارهم بالخيانة في موقعتي “مرج دابق” و”الريدانية”، الأمر الذي يراه العثمانيون وأعوانهم فتحًا ونصرًا، ويراه المماليك والمصريون احتلالًا وعدوانًا.

المسلسل يحكي القصة بعيون المصريين، مثلما يحكي العثمانيون قصتهم في أعمالهم الدرامية بعيونهم وأهوائهم، ومن ثمَّ مفهوم وطبيعي غضبهم واحتجاجهم على مسلسل يصور دموية سلاطينهم وغدرهم وقتلهم لأخوتهم، وطمعهم في السلطة، ووحشيتهم وعدوانهم، ونهبهم لأوطاننا وسرقة ثرواتنا، في وقائع تاريخية مسجلة وثابتة عند “ابن إياس” و”ابن زمبل الرمال” وغيرهم.

كون كل ذلك لا يعجب العثمانيين وأتباعهم من العناصر المحلية الداعمة فهذا شأنهم وحالهم الدائم مع كل عمل درامي يكشف تاريخهم المظلم، حتى لو كان هذا العمل من إنتاجهم ووفق كتبهم المعتمدة!

لقد غضبوا سابقًا بعد إذاعة المسلسل التركي الشهير “القرن العظيم” المعروف في مصر باسم “حريم السلطان”. مسلسل من إنتاجهم وصناعتهم، كشف مجون سلاطينهم وولعهم بالنساء والجواري والاغتيالات والانقلابات الثابتة تاريخيًا، ولا ينطبق عليه نظرية المؤامرة السياسية من دول أخرى تريد تشويه تاريخهم العثماني، ومع ذلك هاجوا، وقرروا صناعة مسلسل “قيامة أرطغرل” لمواجهة “حريم السلطان” لتلميع تاريخهم ولو علي حساب الحقائق التاريخية، فتوظيف الدراما التاريخية لخدمة السياسة لعبة تركية واضحة جدًا لبسط نفوذها خارج حدودها الجغرافية.

قوة الدراما الناعمة

توظيف الدراما سياسيًا ليس عيبًا في المطلق؛ فالدراما تساهم في تنشيط قطاعات اقتصادية عدة على رأسها السياحة حين تكشف معالم تاريخية تشجع السياح وحتى المستثمرين، فضلًا عن العائدات المباشرة من مبيعات الأعمال الدرامية التي وصلت في تركيا إلى أكثر من نصف مليار دولار، ولذلك من مصلحتها تعطيل أي محاولة لسحب البساط منها في تلك الساحة الدرامية.

مقال ياسين أقطاي تحدى “ممالك النار” في القدرة على تجاوز تأثير رسالة أرطغرل وعثمان من عقول الشعوب العربية! ظنًا منه أن نجاح المسلسلات التاريخية ناتج من رسالتها الفكرية، وهو ظن أقرب إلى الوهم من الحقيقة، فقد نجح مسلسل “أرطغرل” نجاحًا ساحقًا، والمدهش أنه نجح وسط نفس القطاعات الجماهيرية العربية التي نجح بينها مسلسل “حريم السلطان”! ما يؤكد أن نجاح الأعمال التاريخية الدرامية في العالم العربي بالتحديد ليس ناتجًا من رسالتها الفكرية، بقدر ما هو ناتج من العوامل الفنية الخاصة بالتشويق والإثارة والدراما نفسها.

نحن إذن أمام عوامل عدة تدفع الإخوان والأتراك للخوف من “ممالك النار”، كونه يهدد صناعتهم للدراما، وينافسهم بقوة في قطاع اقتصادي ضخم وراء تلك الصناعة، ويحمل أيضًا رسائل ثقافية وفكرية مناقضة لرسالتهم، وإنتاجه جاء عبر دول عربية في خصومة سياسية معهم، الأمر الذي يفقدهم أحد أهم أسلحة القوة الناعمة.


10 سنوات ساخنة بين “سقوط الخلافة” و”ممالك النار”.. ماذا تغير في صراع الهوية؟ | عمرو عبد الرزاق

مؤلف ممالك النار يكتب في دقائق: ٥ أساطير قتلها المسلسل | محمد سليمان عبد المالك

تاريخ “العناصر المحلية الداعمة” للاحتلال العثماني في مصر والشام | عبد السميع جميل


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك