التجربة السويسرية… هل يسحق البريطانيون اليسار والاتحاد الأوروبي في الانتخابات القادمة؟ | مينا منير

التجربة السويسرية… هل يسحق البريطانيون اليسار والاتحاد الأوروبي في الانتخابات القادمة؟ | مينا منير

1 Oct 2019
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في 2013، كانت بريطانيا تمر بمرحلة حرجة بسبب صعود حزب الاستقلال الإسكتلندي ودعوته للتصويت على انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، والضغوط التي تمارسها الأصوات السياسية في البرلمان بخصوص التطورات المتسارعة في الاتحاد الأوروبي، والتي قد تتطلب إعادة النظر في عضوية بريطانيا فيها.

لم يجد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون حينها بُدًّا إلا أن يعد بالتصويت على الأمرين. في 2014 صوت الإسكتلنديون على البقاء في بريطانيا، أما التصويت على الاتحاد الأوروبي فبات ورقةً يحتفظ بها كاميرون كوعد في حال انتصر حزب المحافظين بالأغلبية المطلقة في انتخابات 2015.

وحينما حقق حزبه انتصارًا كاسحًا في تلك الانتخابات، لم يكن هناك مفر من إعادة النظر في عضوية بريطانيا. وفي محاولاتٍ يائسة للتفاوض مع قادة الاتحاد الأوروبي على ست نقاط قد تجنب بريطانيا التصويت، خرج رئيس وزراء المملكة – التي حررت أوروبا من الفاشية حرفيًا – في مشهدٍ مهين ومذل على الجمهور فجرًا من مطار هيثرو ليقول إن المفاوضات لم تحقق شيئًا. حاز قسطًا من الراحة، ثم ظهر في 10 داوننج ستريت ليعلن أنه لا مفر من إطلاق التصويت على عضوية المملكة في الاتحاد الأوروبي، وإن كان وحكومته سيدعمان خيار البقاء.

س/ج في دقائق: ما البريكست وماذا يحدث في بريطانيا؟

معضلة تركيا

المفاوضات – التي لم تحقق شيئًا – شملت نقاطًا رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومن ورائها الاتحاد الأوروبي التفاوض عليها، بينها إمكانية انضمام تركيا وما له من تبعات خطيرة.

قد يظن البعض أن الأمر ليس بالأهمية التي تهدد بقاء بريطانيا، لكنه المملكة المثقلة بأعداد كبيرة من المهاجرين من أراضي الاتحاد الأوروبي تخشى انهيار منظومة الهجرة من خلال التغير الديموغرافي الناتج عن انضمام تركيا بما يعنيه من دخول ملايين الأتراك الذين سيتركون بلادهم بمجرد الانضمام. أضف إلى ذلك ملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين تستخدمهم كورقة ابتزاز للضغط على الأوروبيين كلما تأخرت مفاوضات الانضمام.

الأخطر أن قبول تركيا كعضو في الاتحاد الأوروبي مرتبط بتطور شكل الاتحاد نفسه في مسارٍ مقلق؛ فالاتحاد الذي بدأ كدائرة اقتصادية مشتركة تحول إلى مشروع أيديولوجي مبني على أفكار تدعو إلى مشروع الوحدة الشاملة، التي بدأت بتمرير ما يُسمى باتفاق لشبونة الإصلاحي Lisbon Reform Treaty 2007 والذي سحب حق شعوب الدول الأعضاء في التصويت على سياسات الاتحاد وتغيراته بالالتفاف على تشريعات الاتحاد نفسها.

بناءً على اتفاق لشبونة، صارت المنظومة المركزية للاتحاد الأوروبي – في بروكسل – أكثر قوة من برلمانات الدولة الأعضاء، بما مهد لتسارع تمرير مشروعات تغيير شكل وبنية الاتحاد.

في ضوء ذلك، ستصير تركيا – حال انضمت – جزءًا من المنظومة التشريعية التي يحتكم لها القضاء الأوروبي مثلًا، والمنظومة الاقتصادية، بل وأيضًا جزءا من فكرة الجيش الموحد التي سيحتكم لا لشعوب الاتحاد بل لرؤساء الاتحاد غير المنتخبين، والأخطر أنها ستكون جزءًا مؤثرًا في إعادة تشكيل الهوية الثقافية للاتحاد.

هذا كله يدخل في سياق الرؤية الأيديولوجية لبناء إمبراطورية موحدة في مواجهة الكتل الاقتصادية والعسكرية الكبرى في العالم، كما يقول جاي فيرهوفشتادت القيادي البارز في الاتحاد الأوروبي وممثله في المفاوضات مع بريطانيا. أي أننا بصدد مشروع “إمبراطوري” مركزي، بجيش موحد يضم دولًا مثل تركيا.

١٥ ملفا قيم فيها الاتحاد الأوروبي فرص انضمام تركيا — النتيجة صدرت في هذا التقرير| س/ج في دقائق

جيش أوروبا المستقل .. أكبر من مجرد فكرة عسكرية .. فهل أوروبا جادة في تأسيسه؟| دقائق.نت

التجربة السويسرية

بعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، توسع تكتل اليسار المناهض للفكرة والداعم لمحاولات إسقاط الاستفتاء. وبالرغم من أن قطاعًا عريضًا من أبناء المدن التي صوتت سابقاً لمرشحي حزب العمال اليساري صوتوا لاحقًا للخروج من الاتحاد، إلا أن الحزب اليوم يتزعم المعارضة في إحباط عملية تنفيذ مقررات الاستفتاء، والحشد للبقاء.

هل المشكلة مشكلة داخلية في بريطانيا؟ كي نحدد دور الاتحاد الأوروبي في المسألة يجب أن ننظر لمعركة أخرى تدور رحاها بعيدًا عن أعين الإعلام، وهي معركة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا؛ فالعام 2020 هو الوقت المحدد لانتهاء عدة اتفاقيات حاكمة للعلاقة بين الطرفين، والبدء إما في تجديد الاتفاقيات أو توقيع اتفاقيات جديدة. فكيف تدير سويسرا مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي إذاً؟

أحدث تقارير الـ Global Wealth Report تظهر القوة المالية الضاربة لسويسرا.. لديها أعلى معدل ادخار للفرد البالغ (wealth per adult) في العالم، بالإضافة إلى النسبة الكاسحة للطبقة المتوسطة التي يمتلك الفرد فيها بين 100 ألف ومليون دولار أمريكي، مقارنة بتوزيع المدخرات على المقياس العالمي الذي يدخر بحسبه 65% من العالم أقل من 10 آلاف دولار.

هذا الكيان الاقتصادي تربطه مع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارة حرة، وتنظيم حركة المواطنين، بالإضافة إلى اتفاقيات أمنية. في مجمل تلك الاتفاقيات توجد عوامل أساسية حاكمة:

  • محددة زمنيًا وخاضعة للتصويت أو الإلغاء بعد انتهاء فترة الصلاحية.
  • محدودة في رقعة التطبيق: فمثلًا اتفاقيات حركة المواطنين الأوروبيين من أو إلى سويسرا تختلف باختلاف جنسياتهم.

الاتحاد الأوروبي هذه المرة طالب بأمرين: تقليل صلاحية البرلمان السويسري في عملية التصديق على الاتفاقيات Ratification process بالإضافة إلى تغيير منطق سويسرا في التعامل المعقد مع قضية حرية التنقل لكل الأعضاء، تتزامن مع حزمة عروض مغرية للجانب السويسري المطالب بالتصويت على تلك الأمور مع نهاية العام الجاري.

هنا تظهر نفس الآلية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي في التعامل مع بريطانيا، والتي تشمل عملية التخلص من قدرات برلمانات الدول الأعضاء، وأن يتم ذلك من خلال دق إسفين بين اليسار وحلفائه من جانب والحكومة المركزية من الجانب الآخر، تمامًا كما هو الحال في بريطانيا.

خلية تزوير انتخابات في بريطانيا.. كلها من المسلمين .. هل أنجحت مرشحة اليسار؟ | الحكاية في دقائق

ليبيا وأخواتها.. هل أظهرت عجز الاتحاد الأوروبي أم قوته؟ وهل يمكن التعويل عليه؟ | س/ج في دقائق

إرادة الناخبين التي لا يريدها الاتحاد

في بريطانيا، تظهر معضلة مشابهة لمعضلة مرت بها سويسرا منذ 27 عامًا؛ فمجلس العموم الذي أوقف يساريوه كل محاولات الاحتكام للناخبين يكرر تفاصيل العام 1992 في سويسرا.

حينها، قدمت الحكومة الفيدرالية مشروعًا للانضمام إلى لاتحاد الأوروبي وافقت عليه ودعمته الأحزاب الليبرالية واليسارية والحكومة بشكل كبير، حتى أن قضية الاستفتاء عليه باتت للاتحاد الأوروبي والحكومة المركزية أمرًا روتينيًا محددًا مسبقًا، لكن الواقع كشف العكس؛ فقد رجح مواطنو سويسرا بأغلبية طفيفة رفض الانضمام. المفاجأة المزلزلة صارت غصة في حلق الاتحاد الأوروبي وجعلت السويسريين أكثر تمسكًا بفكرة التصويت على كل صغيرة وكبيرة.

تأكد الأمر في 1997، حينما حاول الاتحاد الأوروبي خلف ستار اليسار في المقاطعات فرنسية اللغة دعم إعادة فتح مفاوضات انضمام سويسرا من خلال حملة تصويت Négociations d’adhésion à l’UE : que le peuple decide. ولأن الحملة كان شعارها (فليقرر الشعب) فقد قرر الشعب إسقاط المشروع بأغلبية أكبر بكثير (75%)!

هنا أدركت حكومة سويسرا والاتحاد أن الأفضل توقيع اتفاقيات ثنائية في مقاصد تجارية محددة دون الحاجة إلى الإنضمام، فدعم الشعب في استفتاء 1999 حزمة اتفاقيات اقتصادية ضخمة، بما يُظهر أن التعاون لا يشترط الخضوع لمشروع الاتحاد الأوروبي.

ومع محاولة اليسار تقديم الفكرة مجددًا – بدعم من الاتحاد – في مشروع Oui à l’Europe !، صوت السويسريون بنسبة أكبر على الرفض (76%)، ليترجم هذا الرفض في 2004 إلى حزمة اتفاقيات اقتصادية وأمنية منطقية تتحكم في الهجرة وحركة المواطنين الأوروبيين بشكل يفيد الاقتصاد دون الإضرار بالأمن أو الإخلال بالنظام.

مرة أخرى، وقبل تصويت البريكزت، صوت السويسريون لصالح قانون يمنع تصدير مأساة المهاجرين من أوروبا إلى سويسرا سنة 2014، وهذه هي الميزة الصحية في فكرة التعامل بين طرفين لا باتفاقية واحدة وإنما باتفاقيات كثيرة محدودة.

لندن الحائرة بين بروكسل وبرن

في مطلع هذا العام، وقعت المملكة المتحدة مع سويسرا حزمة اتفاقيات اقتصادية وأمنية وتجارية تجعل عملية التعاون المشتركة بينهما بعد البريكزت سلسة ومنتجة. الأمر الذي يجب أن يتوقف عنده المراقبون ليلاحظوا الآتي:

المعضلة المشتركة بين النموذجين البريطاني والسويسري في التعامل مع الاتحاد الأوروبي هي التعاظم غير القابل للكبح في مركزية بروكسل، التي تريد بشتى السبل تحديد قدرة الشعوب على التصويت فيما يخص دولها؛ أي التقليص من مفهوم الدولة الوطنية في مقابل تضخيم كيان مجهول التوجه والقيادة، وصفه ساسته بأنه “إمبراطورية.”

في سبيل ذلك، يدير اليسار والليبراليون الاختراق الحادث في بريطانيا وسويسرا لصالح الاتحاد الأوروبي. الأمر الذي لا يعكس حالة الشعب في الحالتين.

وإذا رأينا تطور الاستفتاءات الشعبية في سويسرا، فيمكننا التوقع بأن الانتخابات القادمة في بريطانيا ستسحق الحركات السياسية التي تعمل ضد إرادة ناخبيها.

ماذا كشفت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي؟ ولماذا اختلفت قراءاتها؟ | س/ج في دقائق

كاد الجاسوس أن يكون رسولا: أوليج جوردييفسكي كشف استعداد اشتراكيين لخيانة أوطانهم | مينا منير

بين حكايات الأخوين كيبلر وروايات سلافوي كجيجك.. من صنع بؤس العالم؟ | مينا منير

جريتا ثونبرج.. دليل اليسار لإنتاج جماعات الكراهية | مينا منير


ملف بستان الاشتراكية في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك