التجسس في زمن كورونا (٢) | الشاباك هزم كورونا بـ “أداة” مكافحة التجسس في غزة | مينا منير

التجسس في زمن كورونا (٢) | الشاباك هزم كورونا بـ “أداة” مكافحة التجسس في غزة | مينا منير

11 May 2020
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

إسرائيل كورونا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

إذا كنت تبحث عن قصة نجاح حقيقية بخصوص مكافحة كورونا الجديد، فإحصائيات إسرائيل مثال عملي. 

منذ مطلع مايو، أعلنت إسرائيل أن 80% من رقعتها الجغرافية لم تشهد حالات جديدة. واليوم تعود الحياة في إلى طبيعتها تقريبًا. فهل طبقت إسرائيل سياسة تباعد اجتماعي وإغلاق أكثر كفاءةً من نظيراتها في الشرق الأوسط أو حتى أوروبا؟ هل اكتشفت علاجًا سريًا لم تشاركه مع سائر العالم؟ 

لا هذه ولا تلك (على الأقل الآن).  رسميًا، ليس في تجربة إسرائيل سياسات حكومية مميزة عن أية دولة أخرى، ولا طبقتها بكفاءة أكبر من غيرها.  

الإجابة في اجتماع الحكومة يوم 17 مارس، والذي أقرت فيه استخدام وسيلة مسح ومتابعة رقمية (Surveillance System) لكل فرد على رقعة الدولة الجغرافية. القرار مر بهدوء ودون استشارة الكنيست، الأمر الذي يبدو لي تجنبًا لأي تأخير متعمد من اليسار والكتلة العربية. 

بعد الإعلان عن إقرار الحكومة المبكر للنظام، كانت الأسئلة التالية تراود المتابع: لم التعجل بتمرير منظومة خطيرة التبعات كهذه دون المرور على الكنيست، وفي توقيت لم يكن فيه كورونا منتشرًا في إسرائيل! والأهم أنه لم تكن هناك تجارب دولية أخرى أقرت استخدام منظومة كهذه ليتم الاعتداد بها لتبرير استخدام المنظومة!

اليوم نسمع مثلًا أن بريطانيا نشرت تطبيقًا جديدًا في نطاق محدود (جزيرة Isle of Wight) لتحذير المواطن حال ثبت وجود حالة عدوى قريبة منه. لكن ما أقرته إسرائيل يتجاوز هذا بمراحل. إذًا: متى طورت إسرائيل المنظومة؟

الإجابة على السؤال وسابقيه تكمن في هوية المنظومة التي تُدعى كِلِه – הכלי أو “الأداة.”

الأداة إسرائيل كورونا

رأس حربة الشاباك

“الأداة” هي منظومة طورتها وزارة الدفاع الإسرائيلية في العقد الأول من القرن الحالي. كانت تهدف لمتابعة تطور الحروب السيبرانية واستخدامها ضد أمن إسرائيل. إلا أنه سرعان ما تطول وتعقّد في قدراته حتى صار رأس حربة جهاز الأمن العام (الشاباك) في مكافحة التجسس والهجمات الإرهابية المحتملة. 

بفضل هذه المنظومة، استطاع الشاباك القبض على العديد من العملاء، تفكيك الخلايا الإرهابية، وتجنب هجمات محتملة. أما البعد الأخطر فكان قدرة الموساد على استخدامه في متابعة كل حركة لأي فرد يشكل تهديدًا محتملًا أو شخص ذي أهمية (Person of Interest) داخل غزة.  

تلك “الأداة” تطورت بشكل منتظم وبقدرات كبيرة، أمنت لإسرائيل سيبرانيًا من جانب، ومنحتها قدرة استباقية من الجانب الآخر.

تتميز “الأداة” التي طورتها إسرائيل داخليًا بقدرتها على جمع معلومات شديدة الدقة عن نشاط كل من يدخل على الإنترنت، دون أن تقف أمامها أي وسائل حماية كالـ Firewalls والـ Proxies؛ فهي لا تحدد فقط الصفحات التي يدخلها الشخص، وإنما معلومات دقيقة عن كل من تواصل معه، وموقعه الجغرافي هو ومن يحادثه، بل والبحث في المحتوى المكتوب الذي يجري إدخاله لتحديد إن كان يحتوي ما يستدعي المتابعة. 

بهذا، تقوم منظومة “الأداة” بعمل ملف أمني يجري تحديثه دقيقةً بدقيقة لكل فرد في إسرائيل ذاتها، بجانب من تنجح المنظومة في متابعته خارجها. 

كل ذلك يُسجل في خوادم لقاعدة بيانات ضخمة لا نعرف مكانها، لأسباب لا يصعب استنتاجها، ولا يملك أحد خارج مثلث أجهزة الأمن القومي الثلاثة (المخابرات الحربية، الموساد والشاباك) الولوج لها إلا بإذن من النائب العام، الأمر الذي حاول بنيامين نتنياهو الحصول عليه لمتابعة حالات فردية خاصة بعملاء إيرانيين ثلاث مرات وفشل، فلا صلاحية لرئيس الوزراء للاطلاع على قاعدة البيانات دون أن يرى رئيس الشاباك أدلة قوية أولًا تبرر ذلك. 

الأداة في حرب كورونا

يقوم المبدأ الأمني الإسرائيلي، والحاكم تقريبًا في كل الأمور، على تقديس المعلومة. فالحرب السياسية، مكافحة الجريمة أو حتى مواجهة وباء، كلها تمتلك نفس المنطلق: الحصول على المعلومة السليمة قبل كل شيء. 

بناءً على ذلك، وجهت الداخلية الإسرائيلية طلبًا للشاباك لاستخدام بعض معلومات المنظومة لمكافحة الجريمة المنظمة، وبالفعل أثبتت كفاءة كبيرة في سرعة رد الفعل القائمة على دقة المعلومة التي تم دمعها مسبقًا في خوادم “الأداة.” 

يبدو لي إذًا أن النجاح الكبير في تطبيق “الأداة” الجزئي في معارك لا تنطوي تحت بند التجسس ألهم الحكومة لاستخدامه في مكافحة كورونا. فسرعة رد الفعل، حالة رصد العدوى، يعزوها المراقبون إلى جاهزية، دقة وكمال المعلومات المتاحة من خلال تلك القاعدة. 

حينما أطلقت الحكومة يد الشاباك في معركة كورونا الجديد، وظفت معلوماتها بشكل يمنح وزارة الصحة فهمًا أفضل لانتشار الوباء بمعرفة من، كيف، ومتى تظهر الأعراض على فرد لم يخضع حتى للاختبار، وبالتالي من على الوزارة إعلامهم بخصوص تلك الحالة الممكنة (Potential Case).

عرض هآارتس لكيفية عمل الأداة في إطارها محدود التطبيق الخاص بفيروس كورونا
تساؤلات حقوقية

خروج المعلومات الخاصة بوجود مثل تلك المنظومة للعامة أثار ردود فعل قوية؛ وهو طبيعي نظرًا لحجم وخطورة “الأداة” التي لم تكن معروفة الأبعاد قبلًا. 

في تحقيق أجراه رونين بيرجمان في يديعوت أحرونوت، أظهر مسئولو الشاباك موقفًا يبدو لي صلبًا في مواجهة صياح أحزاب اليسار والجماعات الحقوقية في الخارج، والتي اتخذت من منابر قطرية تحديدًا (وهو أمر مثير للفضول) نقطة انطلاق للهجوم عليهم. فمسؤول الشاباك تجاوز قضية كورونا لأنه يعرف أن الهجوم يخص وجود المنظومة في الأصل، فقال بوضوح: هكذا تُحمى الديمقراطيات. وأعتقد أن الحديث واضح. 

الوضع على الأرض إذًا أثبت أن “الأداة” كانت الأكثر فعالية؛ ليس فقط لتعقيد تكنولوجيتها، لكن لكونها تعتمد على كم بيانات تراكمي لم تنجح دول أخرى في الحصول عليه، الأمر الذي سيكون له تأثير في المستقبل على خيارات الدول التي قد تسعى لامتلاك المنظومة. 

إلا أن المنظومة وحدها لا تكفي؛ فالبنية التشريعية في إسرائيل تحمي وجودها، الأمر الذي لا يتوافر مسبقًا في دول أخرى، مما سيشل حركة وقدرات المنظومة.

ملومات لم تكشفها الصين

مكافحة التجسس كانت سببًا في مكافحة الوباء بفاعلية كبيرة. فهل ستنتقل أجهزة مخابرات إسرائيل من الدفاع الناجح إلى الهجوم الناجح؟ الواقع يقول إن معامل جيش الدفاع، وليست معامل الجامعات ودور البحث العلنية، تحقق مكاسب كبيرة في إنتاج اللقاح، وباتت هي الأقرب له إن تأخرت جامعة أكسفورد في هذا السباق. 

من أجل تحقيق ذلك، نجحت إسرائيل في جمع معلومات يبدو أن الصين وغيرها من دول آسيا لم تتعاون في توفيرها، وعلى رأسها ما يُسمى بالـ Active Samples التي كانت المعامل في أمس الحاجة لها في مرحلة مبكرة لكي تصل إلى اللقاح، وبالتالي إما أن معامل جيش الدفاع تمارس نوعًا من السحر، أو لديها علم لا يعرفه علماء كامبريدج وأكسفورد، أو أنها حصلت على تلك العينات التي أطلقت عملية دراسة سلوك الفيروس في مرحلة مبكرة، واللبيب بالإشارة يفهم.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك