الفطر السحري.. نقطة تحول في علاج الاكتئاب المستعصي

الفطر السحري.. نقطة تحول في علاج الاكتئاب المستعصي

4 Nov 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

أعلنت شركة Compass Pathways عن مكسب جديد ومهم جدًا بشأن علاج ما يسمى الاكتئاب المستعصي، بالحصول على تصنيف الـ Breakthrough Therapy من وزارة الصحة الأمريكية بخصوص علاجها للاكتئاب بمادة السيلوسيبين (أو سيلوسايبن) الموجودة في الفطر السحري.

والاكتئاب المستعصي هو نوع من الاكتئاب المنيع وغير المستجيب تمامًا لأية علاجات متوافرة حاليًا، ويمثل حوالي نصف حالات الاكتئاب الشديد المَرَضي في الولايات المتحدة، ويصاب به 100 مليون شخص حول العالم.

تصنيف الـ Breakthrough Therapy يمثل إقرارًا مبدئيًا من الوزارة بفعالية العلاج وكونه واعدًا ومتميزًا عن الأدوية الرائجة لنفس العلة، ما يستتبع الموافقة على المزيد من الأبحاث والاختبارات، والتعجيل بأقصى سرعة ممكنة بالموافقة النهائية على خروج العلاج للنور والاستخدام العام.

ما هو الفطر السحري؟

الفطر السحري، أو بالأحرى المادة الفعالة فيه “السيلوسيبين”، ينتمي إلى فصيلة من المخدرات تسمى Psychedelics (بمعنى مُجـسِّدة للروح/العقل) وهي عقاقير بالغة القوة في قدرتها على السيطرة على الدماغ والتلاعب أو إعادة تنظيم وتشكيل كيميائها، وغالبيتها العظمى لا يبدو أن لها أي أضرار أو آثار سلبية عضوية طويلة المدى، وحتى إمكانية إدمانها ضئيلة جدًا، على النقيض التام من المهدئات القوية مثل الأفيون ومشتقاته (المورفين والهيروين، إلخ) والمنشطات القوية مثل الكوكايين والأمفيتامينات.

هذه المخدرات تحقق مفعولها عن طريق ثلاث آليات أساسية، وهي إجبار الخلايا العصبية على إفراز كمية مفرطة من النواقل العصبية (مواد كيميائية في الدماغ مسؤولة عن المشاعر والحالة المزاجية والإدراك، إلخ)، ومنع إعادة امتصاص تلك النواقل العصبية لفترة طويلة نسبيًا، وأن تقوم جزئيات هذه المخدرات بتقليد النواقل العصبية (بسبب تشابه تركيبهم كيميائيًا) والارتباط بمستقبلات تلك النواقل العصبية بما يضاعف المفعول، وكذلك بعض الآليات الأخرى مثل الربط بين أجزاء في الدماغ لا تتواصل مع بعضها البعض طبيعيًا، وزيادة النشاط في مناطق معينة في الدماغ وتخفيضه أو تثبيطه في مناطق أخرى.

لبن الصرصور .. هل يساهم في حل أزمة الغذاء

كيف يؤثر الفطر السحري على الدماغ؟

عندما يدخل السيلوسيبين الجسم يتحول إلى السيلوسين، والذي يلعب بشكل أساسي على الناقل العصبي المسمى “سيروتونين”، حيث يمنع إعادة امتصاصه، وبالتالي إطالة فترة إقامته في الدماغ، وكذلك تعزيز وظائفه عن طريق الارتباط بمستقبلات السيروتونين في الدماغ وإثارتها.

والسيروتونين يلعب دورًا مهمًا في تنظيم المزاج والإدراك والسعادة والسلوك الإجتماعي والشهية والهضم والنوم والذاكرة وحتى الرغبة الجنسية، ولذلك يؤدي التلاعب إلى نوبات من الهلاوس تسمى Trips، وهي شطحات في الخيال تشبه الأحلام لكن مدتها أطول، وأزهى ألوانًا، وأغرب وأكثر ثباتًا في المحتوى كثيرًا من الأحلام التقليدية.

هذه النوبات يمكن أن تكون من أفضل أو أسوأ التجارب في حياة الشخص بحسب عدة عوامل (من ضمنها الأجواء المحيطة، وشخصية المتعاطي وأفكاره وتوقعاته ومخاوفه وبالطبع الحظ!).

من آثار استخدام الفطر السحري في التجارب الجيدة (الأغلب الأعم)، تعزيز الإدراك، وتقوية مَلَكة التخيل والإبداع بشكل مذهل، وزيادة الانفتاح والقبول الاجتماعي والسلام النفسي والاسترخاء، وكذلك ما يوصف بإذابة الأنا والتوحد مع الطبيعة المحيطة، ورؤية الألوان والأنماط في كل شيء وكل مكان، والإفصاح عن طبقات من الجمال الخلاب الذي لم تخلق الكلمات للتعبير عنها، ويعجز الفن مهما بلغ من صدق ودأب وشغف محاولاته عن وصفها.

كيف يمكن للسيلوسيبين معالجة الاكتئاب؟

الواضح حتى الآن من التجارب أن الفطر السحري يحرز هذا الإنجاز بطريقتين:

  • تثبيط النشاط في منطقتين في الدماغ لأميجدالا (أو اللوزة العصبية) والتي تلعب دورًا محوريًا في معالجة وتنظيم المشاعر البدائية مثل الخوف والتوتر، وكلما قل نشاطها كلما قلت تلك المشاعر ومعها الاكتئاب.

  • موازنة واستقرار نشاط الـ Default-Mode Network (شبكة دماغية فائقة تتشارك فيها مناطق دماغية مختلفة).أول تجربة أجريت خصيصًا لاختبار تأثير الفطر على الاكتئاب كانت عام 2015 في جامعة “كلية لندن الإمبراطورية” Imperial College London على 20 مريضًا ممن لم يستجيبوا للعلاجات والأدوية المنتشرة للاكتئاب. في التجربة أعطاهم الباحثون جرعتين من السيليسيبين، الأولى 10 ملليجرامات، ثم الثانية (بعدها بأسبوع) 25 ملليجرامًا، ولاحظ الباحثون تحسنًا كبيرًا في مزاج 19 من المرضي العشرين على مدار الأسابيع الخمسة التالية للعلاج.

قال قائد الدراسة روبن كارهارت-هاريس إن الدماغ بدت وكأنها كانت مكتومة وبليدة أو حتى ميتة، وإن السيلوسيبين أعاد تشغيلها، ثم فؤجئ بأن المرضى استخدموا نفس التشبيهات تلقائيًا، مثل أن دماغهم تطهرت وكأنه أعيد تشغيلها/تشكيلها، وأنهم ولدوا من جديد، بدون أي إيحاءات من الباحثين.

في دراسة أخرى أجريت عام 2016 في جامعة Johns Hopkins، استخدم الباحثون الفطر السحري لتخفيف توتر واكتئاب الخوف من الموت عند مرضى حالات السرطان العضال. كان المردود مذهلًا من حيث زوال القلق والكآبة والخوف من المرضى لمدة 6 أشهر على الأقل بعد تعاطي الفطر السحري!

أطباء وعلماء جونز هوبكنز باتوا من أعلى وأبرز الأصوات في تشجيع وزارة الصحة الأمريكية لنقل تصنيف الفطر السحري من الجدول 1 (بمعنى عقار ضار وعرضة لإساءة الاستعمال والإدمان وبلا فائدة طبية) إلى الجدول 4 (عقار خفيف أو منعدم الأضرار، واحتمالية إدمانه وسوء استعماله منخفضة جدًا، وذو فوائد علاجية واعدة) بما يتوافق مع الأبحاث العلمية.

وعلى الرغم من النتائج المثيرة المحفزة جدًا، إلا أنه ما زال مطلوبًا إجراء المزيد من الدراسات لحسم الموضوع والنتائج الإيجابية لهذا العلاج، وهو ما سيساعد فيه ويعجل به بشكل كبير تصنيف السيلوسيبين كـ Breakthrough Treatment.

إنفوجرافيك تفاعلي| دراسات حديثة عن الحشيش تكشف أضرارًا جديدة.. ومنافع كذلك

بعض الحقائق الشيقة عن الفطر السحري

  • الآثار الإيجابية لاستعمال الفطر السحري مثل زيادة الخيال والإبداع والانفتاح وتوسيع الإدراك في الكثير من الحالات ليست مؤقتة تنتهي بإنتهاء ساعات التجربة، وإنما تدوم لسنوات أو حتى لأخر العمر!

  • تجربة استعمال الفطر السحري ونظائره مثل الـ LSD عادة ما تكون استثنائية ومميزة، لدرجة أن الغالبية العظمى ممن يخوضونها يصفونها بأنها من أفضل ما حدث لهم في حياتهم، مثل 94% من الأفراد التي أجرت عليهم جامعةJohns Hopkins دراسة عام 2011، والذين قالوا إن التجربة من أكثر خمس تجارب ذات معنى طوال حياتهم، و39% قالوا إنها أفضل تجربة في حياتهم كلها. ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل، قال إنها بين أهم شيئين أو ثلاثة قام بها في حياته كلها. الخاطرة  بنفس المعنى ترددت على ألسنة الكثير من العباقرة والمبدعين والقادة بصيغ مختلفة.

  • عام 2006، موّلت الحكومة الأمريكية دراسة عن التأثير الروحاني للفطر السحري على بعض الأفراد. وبعد شهرين من التجربة أكد 79% من المشاركين على شعورهم بتحسن معتبر في حالتهم النفسية ورضاهم عن حياتهم.

  • يستغرق الفطر حوالي 20 دقيقة بعد دخوله الجسم قبل أن يبدأ مفعوله، الذي يتراوح بين 3 – 8 ساعات، ولكن قد تبدو أطول كثيرًا وأنت بداخل التجربة؛ لأنه يؤثر على إدراكك للزمن.

  • يوجد نوعان رئيسيان من الفطر السحري، لكن أنواعه تصل إلى 200 فصيلة.

  • الفطريات السحرية واستعمالها معروف للبشر منذ زمن سحيق، وتوجد رسومات في كهوف الصحراء الكبرى عمرها على الأقل 9,000 سنة تشير إلى استخدام هذه الفطريات. وانبثقت العديد من الديانات التي تستخدم تلك الفطريات في شعائرها الروحانية للتواصل مع العوالم الأخرى، وحتى البعض الأديان المنظمة بالكاملن، حول هذه الفطريات.

  • بعض الفرضيات تشير إلى أن الفطر السحري هو ما أهدانا بابا نويل والأقزام والغزلان السحرية، أو على الأقل من أكبر العوامل المؤثرة فيها عبر التاريخ، والأسطورة منشأها من سيبريا، حيث كان يتعاطى كهنة الديانات الشامانية هناك الفطر السحري، ثم يدخلون البيوت عن طريق الأسطح (لأن الأبواب تكون مسدودة بطبقات سميكة من الجليد) يوزعون الهدايا عليها (ومن هنا تأتي فكرة دخول بابا نويل للمدخنة) وكانت ملابس هؤلاء الكهنة مستوحاة من ألوان وشكل فطر الـAmanita Muscaria. والغزلان من الحيوانات ذو القيمة الدنيوية والروحانية الكبيرة في تلك المناطق، وكذلك الغزلان تستمتع بشدة باستهلاك الفطريات السحرية ونوبات الهلاوس، ومن هنا خرجت فكرة الغزلان السحرية، وكذلك دلائل أخرى تشير للارتباط بين أسطورة سانتا والفطر السحري والمناطق الجليدية مثل بيت سانتا في القطب الشمالي وتركه الهدايا تحت الأشجار، مثلما ينمو الفطر تحت أشجار الصنوبر.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك