الكويسين.. جرعة عشوائية من الكوميديا

الكويسين.. جرعة عشوائية من الكوميديا

30 Aug 2018

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في لقاء تلفزيوني جمع الثلاثي الكوميدي “أحمد فهمي”، و”هشام ماجد” و”شيكو”، قبل انفصالهم الجزئي، سألهم المحاور عن مثلهم الأعلى في الكوميديا، فجاوبه الثلاثة وفي نفس واحد: سمير غانم. لماذا؟ “لأنه الكوميديان الوحيد الذي لم يقدم أي مشاهد جادة في تاريخه”. حتى مدبولي والمهندس وياسين وإمام، ومضحكو الألفية، تورطوا في مشاهد الفصل الثالث الدرامية، لحظات المكاشفة وتحولات الشخصية، والوصول للهدف أو الاستنتاج من مورال الفيلم، وغيرها من نقاط الحبكة المفصلية.

ثلاثي الكوميديا العدمية

نجح الثلاثي باقتدار في حمل راية هذا النوع، غير المُقدر، من الكوميديا منذ بدايات ظهورهم، والتي كانت منحصرة في أفلام تسخر من أفلام أخرى، وتطورت لتأخذ طابع الأصلية لكن مع الحفاظ على كوتا ثابتة من الباروديا، المحاكاة الساخرة لأعمال الآخرين، بل والسخرية من أعمالهم في المقام الأول. لذا اتسمت أعمالهم بأدوات مثل “كسر الإيهام” و”الوعي الداخلي”، أي حين يكون العمل الفني واعيا بكونه مجرد عمل فني، يفكك نفسه وينقدها، ويشير للكليشيهات والأخطاء التي يرتكبها، قبل أن يشير لها الناقد والمتفرج.

وبذلك أقر الثلاثي، وتيار فني كامل خرج من عباءتهم لاحقًا، بأنهم يقدمون كوميديا عدمية، لا يأخذون أنفسهم على محمل الجدّ، لا يعنيهم الترويج لأي قيم إيجابية أو سلبية، ولا يتقيدون سوى بمبدأ الهزل النقي من أي شوائب دعائية أو تعليمية أو تثقيفية.

اقرأ أيضًا: “قلب أمه”.. الكوميديا المصرية تستعيد عافيتها

نفس النمط بجودة أقل

“الكويسين” فيلم يسير بـ “أحمد فهمي” على نفس النمط، لكنه لا يفعلها بنفس جودة المرات السابقة. بداية يظهر ذلك النمط من الملخص الدعائي للفيلم والمنشور عبر الصفحة التابعة للجهة الإنتاجية:

“قد يبدو أفراد عائلة “كويس” نموذج للعائلة الاعتيادية، لكنها بعيدة كل البعد عن الاعتيادية، وهو ما يتكشف من خلال سلسلة من المواقف الكوميدية”.

هذا السطر بالقافية المفتعلة، وبتعمد المحاكاة الساخرة لأسلوب الملخصات الدعائية، دون أن يبوح فعليًا بأي معلومة تذكر عن قصة الفيلم، يضعنا منذ البداية أمام صورة عامة عن طبيعة هذا الفيلم، والمنطق الذي سار عليه صناعه. لا ننسى عنوان الفيلم نفسه “الكويسين”، وهو عنوان تفوح منه رائحة التهكم على عناوين أفلام مصرية أخرى تعتبر نفسها جادة أو تغالي في الإعلاء من شأن أبطالها، على وزن “الأصليين” مثلًا!

قصة الفيلم

ملخص القصة الفعلي، الذي لم تكتبه الجهة الإنتاجية، عن نصاب يُدعى “مفتاح” (أحمد فهمي) تخصص وشقيقته “غزالة” في بيع الآثار والتحف الثمينة، يتم تكليفه من زعيم إحدى العصابات بزرع نفسه داخل عائلة شديدة الثراء منتحلًا صفة الابن الذي تاه عن العائلة في طفولته، وتلك الحيلة لسرقة جوهرة نادرة في خزينة عائلة الكويسين، نسبة إلى “كويس” جدهم الأكبر.

المادة الخام للفكرة سبق تقديمها في كثير من الأعمال، من “أربع بنات وضابط” إلى “النمر والأنثى”، معظمها قبل اكتشاف تحليل الـ DNA، الذي بوجوده أصبحت الفكرة لا محل لها من الإعراب، لكن “الكويسين” يتحايل على هذا الأمر بأكثر الطرق كسلًا، مراهنًا على أن طبيعته الكوميدية ستجعل البعض يتجاوز عن عدم إقناع تلك الحيلة وثقل ظلها.

وربما لو كان الفيلم تجاهل من الأصل مشكلة الـ DNA، وأقنعنا أنه يدور في عالم موازٍ غير محكوم بالمعايير الطبية الحديثة لكان أفضل.

اقرأ أيضًا: أفلام الويسترن على الطريقة المصرية .. من شمس الزناتي لـ”حرب كرموز”

وسيلتان لمهمة محددة

المهم أن الفيلم أوحى لنا منذ البداية أنه لا يراهن على قصة أو فكرة أو حبكة أو تطور درامي بالمفهوم الذي نعرفه، بل راهن على وسائل أخرى من أجل مهمته المحددة: الإضحاك وحسب.

الوسيلة الأولى كانت الإضحاك عبر المفارقة أو اللاتوافق (Misfit Comedy)، وهي باختصار وضع الشخصيات في أماكن وسياقات ومواقف مناقضة للصفات التي تمثلها كل شخصية:

  1. عارف كويس (حسين فهمي) مثلًا هو رجل عجوز ونائب في البرلمان صباحًا، وعضو في عصابة دراجات بخارية ترتدي المعاطف الجلدية وتسهر في الخمارات ليلًا.

  2. دكتور لطيف (عمرو وهبة) يظهر في دور طبيب نفسي، لكنه يتصرف كالمرضى النفسيين، وعائلته تحكم تجارة السلاح في الصعيد.

  3. بوسي كويس (شيرين رضا) سيدة المجتمع الأنيقة التي تلفظ نعومة حياتها وتورط نفسها في مغامرات جمعيات حقوق الحيوان.

  4. حافظ كويس (بيومي فؤاد) الرجل فاحش الثراء وفي الوقت نفسه شديد البخل.

  5. الممثل أحمد فتحي في دور عم جوهر، رجل خمسيني شديد السطوة والبطش رغم أن هيئته هيئة طفل رضيع.

  6. بولوناكي (أحمد مالك) زعيم العصابة ميت القلب الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، ويخفي عن والدته أنه هرب من حضور دورسه التعليمية.

ما هي المشكلة إذًا؟

التخمة في عدد الشخصيات وكون بعضهم بلا توظيف أو هدف فعلي يضيف لدراما الفيلم. وهي مشكلة كان يمكن التغاضي عنها لو ظهرت تلك التخمة في أطر أكثر تبسيطية، لكن مؤلف الفيلم “أيمن وتار” يكتب بطريقة استعراض العضلات، فلم يكتف بتخمة الشخصيات، لكنه أبى إلا أن يصنع شخصيات أيقونية، جميعهم أيقوني ومميز وله أبعاد وخلفيات استجابة لنصائح مُعلمي كتابة السيناريو، وكل شخصية منهم هي نكتة في حد ذاتها، كاريكاتورية فاقت الحد المعقول، وجاءت بنتيجة عكسية.

فمثلما يميّز البشر النور بالظلام، فهم أيضًا يضحكون على رؤية ما هو مفارقة استنادا على خلفية ما هو طبيعي، وعندما يختفي كل ما هو طبيعي ولا يتبقى إلا المفارقة، فهي تفقد أثرها ومعناها، ويصبح الضحك بخس الثمن، فالعرض أعلى من الطلب بكثير.

ناهيك عن كون المبالغة في أسلوب المفارقات تجعل كثيرا من الإيفيهات متوقعة بمجرد إمدادنا بمعلومة عن الشخصية ونوع تناقض السياق الذي ستوضع فيه.

اقرأ أيضًا: سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

الوسيلة الثانية كانت الإيفيهات والأداء الكوميدي، كانت كثير من الإيفيهات مضحكة بالفعل خاصة المتعلقة بالتوتر الجنسي بين مفتاح وبوسي، ولكن الأمر توقف في كثير من الأحيان على المهارة الفردية لكل ممثل في التقمص والإلقاء، وكانت الغلبة لمحمد ثروت وبيومي فؤاد وأحمد فهمي. لكن على صعيد الكتابة، فالإيفيهات كانت أيضًا بخسة الثمن وكان كثير منها مُكررا داخل الفيلم نفسه.

  • اعتماد متكرر على اسم العائلة وأفرادها “الكويس” و”الكويسين” في الدعابات.

  • المبالغة في الإيفيهات التي تستهدف المشاهير “دي جسمها أجمد من ياسمين صبري”، “دا بيلعب مع الأسود زي محمد رمضان”، “تمثيلك أوحش من سامو زين”.. ما سبق هو عينة لجمل على لسان شخصيات الفيلم. كلها تستهدف الشأن العام؛ وكأن الفيلم يخلو مما يجعله يستطيع إفراز نكاته الخاصة!

  • المبالغة في استخدام تلك الوسيلة يصل للقمة بإيفيه عن شيرين رضا (إحدى بطلات الفيلم) على خلفية علاقة زواجها من عمرو دياب. هذه الوسيلة قد تدر الضحك، لكنه ليس نوع الضحك الذي يخلّد الأعمال، لأنها إيفيهات ذات فاعلية مؤقتة تتعلق برموز كل مرحلة زمنية، ومدى اشتعال التريند. الأجيال الجديدة قد لا تفهم إيفيه “يا جيمس دون” في فيلم “إشاعة حب” والأجيال الأجدد لن تفهم “شالوا جيلي وحطوا الجوهري” في فيلم “الناظر”، لأنهم لم يعيشوا زمن المشاهير المستهدفين بتلك الإيفيهات، لكن الفيلمين السابقين ما زالا خالدين في الذاكرة لأنهما لم يعتمدا على هذا النوع المتطاير من الإيفيهات بصورة كبيرة كما يفعل “الكويسين”.

الخلاصة:

كان لينتج عن هذا الفيلم عملا أكثر جودة لولا مبالغة الكاتب في وضع كل ما تعلمه وتوظيف كل ما جال بفكره داخل عمل واحد؛ ما أدى لخلل في المقادير والجرعات. يحسب للفيلم تمتعه بقماشة إنتاج سخية، جعلت العناصر التقنية من بصريات وصوتيات ذات جودة مرتفعة بالمقارنة مع مستوى الأفلام الكوميدية المعاصرة الأخرى.

“الكويسين” ليس فيلمًا سيئًا، ويقدم الحد الأدنى من المطلوب منه وهو الضحك، لكن النية والطموح كانا أعلى مما ينبغي، والأدوات كانت أكثر مما يحتاجه الفيلم.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك