عندما دمر حلم ستالين رابع أكبر بحر داخلي في العالم | محمود مهدلي | دقائق.نت

عندما دمر حلم ستالين رابع أكبر بحر داخلي في العالم | محمود مهدلي | دقائق.نت

21 Jan 2019
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

البشر طموحون بفطرتهم، قادرون على قلب الموازين وتحقيق المعجزات. حقيقة تؤكدها آلاف الشواهد عبر العصور، لكن وجهها الآخر مؤسف؛ إذ يفصلها عن العجرفة والغرور اللا مسؤول شعرة دقيقة جدًا.

ومن سوء حظ البشر أنهم، مهما بلغ نبل نواياهم وإخلاصهم في العمل، ومحاولاتهم لتفادي الأخطاء، يغادرون أحيانًا منطقة الطموح الإيجابي الملهم إلى المثالية الكارثية، مثل القصة التي يتناولها المقال.

حلم ستالين

كان الاتحاد السوفييتي يضم بحيرة معروفة باسم بحر آرال. مثلت منذ فجر التاريخ رابع أكبر بحيرة في العالم (في حجم دولة أيرلندا تقريبًا) وأهم شريان للحياة والحضارة في المنطقة المحيطة.

ازدهرت حولها قرى الصيد، ومدن المواني، وانتعشت حركة التجارة، قبل أن تختفي بلا أثر على مدار النصف قرن الماضي.

كان بحر آرال البالغة يمد الاتحاد السوفييتي بسدس إنتاجه من الأسماك، ويوظف أكثر من 40,000 شخص، قبل أن يقرر جوزيف ستالين في النصف الثاني من القرن العشرين تحويل دولته إلى أحد أكبر مراكز القوى في العالم في زراعة وتصدير القطن مهما تكلف الأمر.

لتحقيق الحلم، احتاج ستالين لتقديم مبادرة ذات أبعاد أسطورية، تتحدى الطبيعة ذاتها، عبر إعادة توجيه مجرى النهرين اللذين يغذيان البحيرة (نهر سيحون شرقًا ونهر جيحون جنوبًا) لمسار مختلف تمامًا؛ لتحويل قطاع شاسع من أوزبكستان لرقعة زراعية مهولة.

نجاح مؤقت.. وكارثة

لوهلة، نجح المشروع بشكل مذهل، فتحولت أوزبكستان بحلول 1988 إلى أكبر مُصدّر للقطن في العالم، لكن القصة كانت تحمل وجهًا كارثيًا حول الملحمة إلى كابوس؛ فالقنوات التي بناها مهندسو الاتحاد السوفييتي كانت تستنزف بحر آرال بمعدل هائل، بخلاف كونها أبعد ما تكون عن الكفاءة، إذ لم تمنع تسرب الماء بشكل مستمر، ليصبح جفاف البحيرة محتومًا.

 بحلول 1998، انكمشت البحيرة إلى 60% من حجمها الأصلي، ثم إلى 25% في 2004. لم تتوقف الكارثة عند تقلص حجم البحيرة، حيث ارتفعت ملوحتها لأكثر من خمسة أضعاف معدلها السابق، بما دمر الحياة السمكية والحيوانية والنظام البيئي بداخلها وحولها.

تدمير اقتصاد أرال

مدى سوء الكارثة توضحه حقيقة أن مدينة أرال، التي كان القلب النابض لاقتصاد الثروة السمكية في منطقة البحيرة، أصبحت الآن على بعد أكثر من 100 كيلومتر من الماء، ومحاطة بأرض مالحة بور عديمة القديمة، وغير صالحة للمعيشة أو الأنشطة الاقتصادية.

حاليًا، وصل حجم البحيرة إلى 10% فقط من حجمها الأصلي، انقسمت إلى بحيرتين ضئيلتين منقسمتين إلى شمالي وجنوبي.

موطن الأمراض القاتلة

الأكثر كارثية أن البحيرة كانت تستخدم لعقود كمكب للنفايات السامة كيماوية وبيولوجية (من ضمنها الطاعون والجمرة الخبيثة والجدري وغيرهم) بحكم كونها أرضية اختبار لأسلحة من ذلك النوع.

جف الماء فانكشفت أرضية البحيرة، وباتت تلك المواد المدمرة في مهب الريح، الذي يحملها إلى أماكن ابعد، متسببًا في أضرار قاتلة.

 من ضمن أبرز التوابع أن معدل وفيات الأطفال في المنطقة المحيطة بالبحيرة السابقة وصل إلى أكثر من 75 طفل من بين كل 1,000 (خامس أسوأ معدل في العالم،) وارتفاع معدلات السرطان والسُل والأنيميا، بخلاف الفقر المدقع الناتج عن انقراض الصيد والصناعات المربحة القائمة عليه.

حتى زراعة القطن نفسها تواجه مخاطر جسيمة تصل لاحتمالية الانهيار؛ بسبب العواصف المشبعة بالمواد السامة.

خطط إنقاذ دولية

في 2000، أقرت منظمة اليونسكو خطة لإنقاذ المنطقة؛ عبر إحياء البحيرة مجددًا بحلول 2025، لكنها في الغالب غير واقعية. من أكبر العراقيل في طريقها أن حكومة أوزبكستان هي الكيان الذي يملك السلطة الأكبر للتأثير على القرار في هذه الحالة، ومن المتوقع جدًا أن يقاوموا مثل هذه القرارات قدر الإمكان؛ خوفًا من تداعياتها المستقبلية على زراعة القطن في بلدهم، التي يستند عليها الاقتصاد بشكل حرج، وإذا تأثرت بالسلب، قد ينهار اقتصاد الدولة بالكامل.

البنك الدولي مول بناء سد صغير حمى جزءًا من الشطر الشمالي من البحيرة، ورفع منسوب الماء فيه، لكن بقية البحيرة ستتبخر غالبًا خلال السنوات الـ 15 سنة المقبلة، ليصبح السكان مجبرين على تحمل العواقب الوخيمة لواحدة من أكثر الفصول فشلًا ومأساوية وتهورًا في تاريخ الهندسة!


معجزة بشرية في القدس.. السلم الثابت في كنيسة القيامة

سد اليانغتسي.. عملاق الصين الذي أبطأ دوران الأرض

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك