بوتفليقة مرشحًا لولاية خامسة.. توازنات أنتجت القرار

بوتفليقة مرشحًا لولاية خامسة.. توازنات أنتجت القرار

31 Oct 2018
الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

قبل نحو سنتين، ظهر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في صورة مع رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل فالس، أثارت الكثير من الجدل حول صحة الرئيس؛ إذ بدت عليه أثار الاعتلال والشحوب والوهن. منذ ذلك الوقت، لم يعد الجزائريون يرون حضورًا جسديًا للحاكم إلا نادرًا.

غياب بوتفليقة عن المشهد بسبب اعتلاله الجسدي طرح الكثير من التساؤلات حول من يحكم البلد فعلًا، ولماذا يصر حزب جبهة التحرير الحاكم على ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة؟

لا رئيس إلا بوتفليقة

مساء يوم الاثنين الماضي، أعلن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، بأن مرشح الرئاسيات في الجزائر لسنة 2019 هو الرئيس بوتفليقة، مؤكدًا أن تشكيلته الحزبية ليس لها أي مرشح آخر ما عدا الرئيس الحاكم.

لم يكن اختيار بوتفليقة لولاية خامسة مجانيًا؛ ففي عهده سجلت الجزائر مرحلة جديدة من الوفاق والمصالحة، بعد نزيف عقد التسعينات المعروف بـ “العشرية السوداء“، التي راح ضحيتها آلاف من الجزائريين نتيجة صراع محتدم بين الجيش وفصائل موالية لجبهة الإنقاذ الجزائري.

بشكل ما ساهم بوتفليقة في إطفاء نيران الحرب الأهلية، وهو ما عزز من شعبيته في سنواته الأولى، وأدى إلى استمراره في الحكم لولايات متتالية.

لم يكن بقاء بوتفليقة على كرسي الرئاسة مستمدا من شرعية ديمقراطية، بل نابعا من تشريعات وقوانين تمنح للرئيس صفة الزعيم المبجل والمعفى من أية محاسبة قانونية كانت أو سياسية.

مشكلتنا مع الديمقراطية: 1- هل يريدون الديمقراطية حقًا؟‎

وجود بوتفليقة في سدة الحكم يمثل صمام أمان للجزائر كما يرى مراقبون؛ فالدولة لا تريد تكرار سيناريو الدم والقتل، كما تنظر بحذر لما وقع ويقع في دول المنطقة التي تترنح ما بين الفوضى أو الاستقرار النسبي.

في عام 2011، وفي مرحلة أوج وصعود الانتفاضات في دول المنطقة، تعامل النظام مع غضب الشارع الجزائري بمقاربة أمنية ممزوجة بحلول اجتماعية وأخرى اقتصادية، كتوزيع العطايا وحملة التوظيفات. حلول اعتبرها معارضون بمثابة “رشوة” للشعب الجزائري بغية ثنيه عن الاحتجاج ورفع الشعارات نفسها التي رفعت في المنطقة.

هكذا إذًا لم تمس رياح التغيير البلد، ونجت مرة أخرى من سيناريو المجهول في عهد “الرجل المريض”، وهو يبدو الأنسب للحكم للأبد هو وحده دون غيره، كما تقتضي رغبة الجيش الجزائري الرامية لتثبيث مصالحه.

هل يمكن الجمع بين “التخطيط المركزي” والديمقراطية؟

من المستفيد من بقاء بوتفليقة؟

منذ استقلال الجزائر في بدايات الستينيات، يملك الجيش اليد الطولى، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة في دواليب الحكم، فهو من يصنع الرؤساء، يدعمهم تارة وأخرى ينقلب عليهم، وهو في النهاية من يختارهم، وليست إرادة الناخبين من تحسم.

ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة لا تمثل إذًا رغبة الحزب الحاكم فقط، بل تُظهر بصمة الجيش في اتخاذ مثل هذه الخطوة؛ باعتباره هو الذي يحكم خلف الكواليس. بالمقابل، يتعين على الرئيس دعم قادة المؤسسة العكسرية أو حتى تشاطر السلطة معها.

هناك مؤشرات خارجية تدل على وجود مجموعة صغيرة من الأشخاص تحظى بنفوذ قوي، وتوجد في أعلى هرم الدولة الجزائرية، تدفع في اتجاه إعادة انتخاب الرئيس، يقول مراقبون.

تجديد بقاء الرئيس الحالي في الحكم يصب أيضًا في صالح طبقة من المنتفعين الذين يعتاشون على الريع الاقتصادي الممنوح من قبل الدولة، وهو ما يتجلى في تقرير صدرعن مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في 2001، كشف أن نحو 600 ألف إلى 800 ألف شخص استفادوا من قربهم من النظام السياسي الحاكم في البلاد، بين مسؤولين عسكريين وحكوميين وقادة ورجال أعمال، وحتى معارضين سابقين، على خلفية أواصر صداقة أو قرابة عائلية أو انتماءات دينية أو جهوية تربط هؤلاء النخب بالدولة، ما مكنهم من النفوذ إلى الريع الاقتصادي والسلطة.

ألا يمكن لغير بوتفليقة تأدية الدور نفسه؟

في تلك الأجواء، يمثل بوتفليقة الخيار الأمثل للنظام الحاكم، الذي لا يملك بديلًا أفضل من رئيس يمكن استغلال تدهور وضعه الصحي للتحكم بشكل مريح ودون عقاب في المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.

لكن السؤال يبقى مفتوحًا.. ألم تنجب الجزائر سوى بوتفليقة؟ ألهذه الدرجة أضحت الجزائر عاقرًا؟

وزير الاقتصاد والمالية الأسبق غازي حيدوسي يرى أن الجزائر عقرت فعلًا.

في حديث صحفي، يقول الوزير الأسبق إن الإشكالية تتمثل في وصول النظام إلى مرحلة لا يجد من يقدمه كما كان سابقًا، مثلما فعلوا مع بوضياف أو زروال. اليوم، لم يبق لـ “الجنود” شخص يقدمونه ويتفقون عليه، ولم يعد لديهم حتى الوقت لفعل ذلك. آخر مرة اتصلوا ببوتفليقة في آخر لحظة.

يبدو بوتفليقة إذًا الخيار الأنسب للمؤسسة الحاكمة في الجزائر، لكن الإصرار على الدفع به رغم مرضه يضع الدولة أمام منعطف خطير آخر، فماذا لو مات الرئيس؟ من سيخلفه؟ الخطر أن يكون هناك تناقض وفتنة بين المؤسسة العسكرية، وهي مشكلة كبيرة، خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك