تأثير مانديلا في السينما.. ذاكرة مزيفة أم إبداعية؟ | أمجد جمال

تأثير مانديلا في السينما.. ذاكرة مزيفة أم إبداعية؟ | أمجد جمال

8 Apr 2019

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

“ماله الباز أفندي؟ دا راجل أنا نفسي (…..)”

معظمنا يذكر العبارة السينمائية السابقة، التي قيلت في المشهد الشهير من الفيلم المصري ابن حميدو، في وقت يحاول الريس حميدو إقناع ابنته عزيزة بالزواج من “الباز أفندي.

لكن الغريب أن نسبة لن تقل عن النصف بأي حال ممن شاهدوا الكلاسيكية الكوميدية، سيختلفون على نهاية العبارة أو وضع الكلمة المناسبة مكان النقاط! فهل هي “أتمناه” أم “أستمنّاه” بإضافة السين وشد النون، وتعني نفس الشيء بلهجة مبالغ بها.

والإجابة هي “أتمناه” دون أية إضافات، ومن السهل مراجعة المشهد مرة أخرى للتأكد.

ماله الباز افندي ده راجل أنا ذات نفسي استمناه

الباز أفندي راجل ابن راجل وعليه كرافتة ترد الروح 😂شوفوا فيلم "ابن حميدو" اليوم الساعة 7:30 م على شاشة #روتانا_كلاسيك

Posted by Rotana Classic on Tuesday, September 10, 2019

بالطبع سيشعر كثيرون ممن تبنوا وجهة النظر الثانية واعتنقوها طوال السنين بالصدمة. ليست بسبب الخطأ، فجميعنا يخطئ في سماع الجمل السينمائية وكلمات الأغنيات وبقية الوحدات الثقافية، لكن الصدمة أساسها أن الخطأ هنا ليس حواسيًا. ليس في السمع؛ فالتركيبة الفونيتكية للكلمتين مختلفة لدرجة كافية بتوضيح الفارق ومع ذلك حدث الخطأ.

هو كذلك ليس خطأ في الذاكرة، والعلم قدم بعض التفسيرات لخطأ الذاكرة عند الشخص الواحد، لكنه لم يقدم تفسيرًا لخطأ الذاكرة الجمعية، أي حين يتشارك مجموعة من الناس الإلمام بمعلومة عامة خاطئة. وهي ظاهرة بشرية، كثيرون تعرضوا لها حول العالم، بنماذج متفرقة.


أفضل طرق اختيار عنوان لفيلمك، وأنجحها في تاريخ السينما | أمجد جمال | دقائق.نت

هل خلود الفن معيار لجودته؟ خمس ثغرات لهذه النظرية | أمجد جمال | دقائق.نت

10 سنوات على توم وسمر.. من الظالم والمظلوم؟ | أمجد جمال | دقائق.نت


تأثير مانديلا

يتدخل العلم اللامنهجي (Pseudo Science) فيعطي هذه الظاهرة مُسمى تأثير مانديلا (Mandela Effect). المصطلح وضعته استشارية الخوارق فيونا بروم عام 2010، استنادًا على تقارير وتجارب أثبتت اعتقاد الآلاف بموت الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا داخل سجنه في عقد الثمانينات الماضي، وذكروا مشاهد متلفزة من جنازته، رغم الحقيقة أن مانديلا مات عام 2013 وفي منزله.

أسست فيونا بروم موقعا إلكترونيًا بمسمى الظاهرة، ودعت الزوّار لإضافة تجاربهم الخاصة حول الذكريات العامة الخاطئة، فأصبح لدينا سجلًا طويلًا بحوادث مختلفة في كافة المجالات العامة. ذكريات جمعية تختلف مع الواقع، سنركز منها على ما يتعلق بالسينما والترفيه.

فمثلًا: هناك مَن اختلفوا على شعار مسلسلات الكارتون القديمة بين Looney Tunes وLooney Toons. وهناك مقولة من فيلم Forrest Gump صنعت استقطابًا شهيرًا؛ فريقان اختلفا إذا كان توم هانكس يقول “الحياة عبارة عن صندوق شوكولاتات” أم يقول “الحياة كانت عبارة عن صندوق شوكولاتات”، وإذا ما كان المسلسل الشهير عنوانه Sex And The City أم Sex In The City. الاختلاف وصل لمسلسل الكارتون “بوكيمون”، وخلاف إذا ما كانت هناك بقعة سوداء في ذيل شخصية “بيكاتشو” أم لا … والأمثلة لا تنتهي.



تفسيرات ظاهرة تأثير مانديلا

ظهرت بعض التفسيرات الماورائية للظاهرة، البعض نسبها للشياطين والسحر والأسود، وهناك نظرية المؤامرة التي تزعم أن جهات تعمل على إعادة تشكيل التاريخ الذي عشناه وفق مصالحها.

لكن التفسير الخارق الأكثر جدلية هو تفسير الأكوان الموازية، وجزء ضئيل من التفسير مبني على فرضية علمية، لكن بقيته مجرد خيال: نحن موجودون في عوالم أخرى، بتفصايل مشابهة، واللاوعي البشري معلق بين هذه الأكوان؛ لذا فأحيانًا تحدث أعطاب مثل أعطاب البرمجة، تجعلنا نخلط بين ذكرياتنا في هذا العالم والعوالم الأخرى. وهناك من أرجع تلك الأعطاب لتجارب الفيزياء الكونية في CERN سويسرا.

التفسير الأقرب للعقل هو الخطأ الإنساني، سواء كان بصريًا أو سمعيًا أو خطأ في الذاكرة، أما شيوع الخطأ فقد يكون بسبب التواتر. ممكن أن يكون مصدره خطأ إملائي مدوَّن أو خطأ كلامي غير مقصود من منصة إعلامية أو شخصية عامة رددت معلومة ما بصياغة خاطئة، ونُقلت بتلك الصياغة ما صنع رأيًا عامًا.

ولعل أشهر التواترات الخاطئة في تاريخ السينما المصرية هو خسارة فيلم الناصر صلاح الدين لجائزة الأوسكار بسبب ارتداء أحد الممثلين لساعة يد. وهو تواتر كاذب أثق في حسن نية مصدره، الذي ربما كان يُلقي بدعابة ما، جرى البناء عليها وتطويرها؛ لتصل إلى مرتبة المعلومة.


أحمد زكي.. كيف استحق اعتذار روبرت دينيرو عن “زوجة رجل مهم”؟ | أمجد جمال

ستان لي وأفنجرز.. رحلة التحديات من الورق إلى السينما |حاتم منصور

LEAVING NEVERLAND.. قضية مايكل جاكسون: السينما قاضٍ والجمهور هيئة محلفين | أمجد جمال


بين التواتر والشائعات

التواتر أداة مقنعة، ليس في تصديق الادعاءات وحسب، بل وفي زرع ذكريات لم تُعاش وخلق تاريخ لم يحدث.

في واحدة من الجلسات وجدت مَن يُقسم أنه رأي الساعة في يد الممثل أحمد مظهر، وذكر أوصافًا تفصيلية لمشهد وساعة غير موجودين، ولم يبد عليه الكذب.

صفحات على مواقع التواصل تخصصت في كتابة المقولات الملهمة على صور مقتطعة من أفلام. هناك مثلًا مقولة نُسبت لعادل إمام في فيلم “الغول” يقول فيها: “غريب إن الموت أرحم من البعد. يمكن لأن الموت حاسم لكن البعد فيه احتمالات”.

لاقت هذه المقولة رواجًا هائلًا. المشكلة أنك تجد من يعلق عليها بوصلات المديح لكاتب الفيلم “وحيد حامد” الذي لم يكتبها ولم ينطقها بطله أبدًا!

يظل الفارق بين ظاهرة مانديلا وظاهرة الشائعات، أن الأخيرة يكون التضليل فيها مقصودًا ومعلوم المصدر والهدف.

لكن التواتر الخاطئ ليس سببًا أشمل لتفسير كل نماذج تأثير مانديلا. فالعلامات والرموز واللقطات ذات التكوين البصري التي أحدثت خلافات، جميعها غير قابل للتواتر الخاطئ ، مثل شعار Looney Tunes، رغم أنه اعتمد على نص، لكن النص جزء من صورة تمثل شعار غير قابل للتعديل، فالتواتر يعني نقل الصورة بكامل تفاصيلها لا نقل النص، كذلك شكل شخصية “بيكاتشو”، والدعابة في فيلم “ابن حميدو” البعيدة عن تفسير الخطأ السمعي.

إذن، فلابد من أن هناك منطقًا آخر غير التواتر أدى لوقوع تأثير مانديلا في حالات كتلك.

الذاكرة الإبداعية

بعض الدراسات في حقل العلوم الإدراكية استنتجت أن هناك حالة من حالات الذاكرة المزيفة – أطلقوا عليها “امتداد الحدود” (Boundary Extension) – وهو خطأ يحدث أثناء استدعاء لقطة أو صورة ما عبر الذاكرة؛ كأن نتخيل أن إطار الصورة أوسع من الإطار الفعلي، ما يعطي تكوين أكثر رحابة ومركزية لعناصر الصورة الأصلية، فنكون مقتنعين بأننا رأينا أكثر مما رأيناه فعليًا.

تلك النظرية تثبت أننا حين نستدعي مشهدًا من الذاكرة، فنحن نخضع ذلك المشهد لتراكمات وخبرات حياتية مكتسبة تجعله أوضح، فهو خطأ مفيد.

ما سبق يعني أن الذاكرة الإنسانية لا تعمل عملًا توثيقيًا جافًا، بل توثيقًا مُعدلًا وفق المنطق أو الجمال. توثيقًا لا يخل من لمسة إبداع، وهو تفسير يمكن تطبيقه بأشكال مختلفة على حالات تأثير مانديلا السابقة.

نفهم لماذا حلت كلمة Toons مكان Tunes ونحن نتحدث عن مسلسل كارتون. قد يكون تبديل الكلمة الأولى بالثانية خطأ ذاكرة لكنه يجعل الشعار أكثر مفارقة، لذا فهو خطأ إبداعي.

كذلك البقعة السوداء في ذيل شخصية “بيكاتشو” رغم أنها غير موجودة فعليًا، لكن تخيّل وجودها يصنع تناغمًا بصريًا أو سيميترية بين شكل الذيل والأذن (عليها البقعة السوداء).

الأمر نفسه ممكن تطبيقه على مشهد “الريس حميدو”، فمبالغة الأداء الصوتي من عبد الفتاح القصري هي سمة أساسية من سمات الشخصية التي يلعبها، سواء لطبيعته أو للهجته. القصري لم يقل “أستمنّاه” لكن ربما كان الخيار الفني الأفضل لو قالها.


قصة المونتاج.. الفن الذي ميّز السينما عن بقية الوسائط | أمجد جمال

أكثر المقولات إلهامًا حول صناعة الأفلام


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (2)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك