مع بدء غزو تركيا و”العناصر المحلية الداعمة” لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا 9 أكتوبر/ تشرين الأول، تتشكل إحدى أكبر التحولات على مدى سنوات الحرب الأهلية السورية .. طرف يخذل حلفاءه، وخصوم يتفاهمون .. أين تقف الأطراف المختلفة من الغزو.
س/ج في دقائق
أين الولايات المتحدة في ما بعد هجوم تركيا؟
الولايات المتحدة – حليف الأكراد في الحرب على داعش – نحت قواتها جانبًا، وقالت إنها لا تدعم العملية التركية، لكنها لن تتدخل.
يرى ترامب أن الولايات المتحدة تورطت في صراع سوريا أكثر مما ينبغي، بينما اكتفى الحلفاء الأوروبيون بالمراقبة دون تقديم المعونة حتى في استعادة مواطنيهم من أسرى داعش. وهو يعتقد أن الأكراد – في حربهم للدفاع عن أرضهم – حصلوا على دعم من الولايات المتحدة في الحرب على داعش مالًا وسلاحًا، وأن سلاح العقوبات الاقتصادية كافٍ لضمان أن تركيا لن تتجاوز الخطوط الحمراء في سوريا.
على العكس، يرى منتقدو ترامب، وبينهم بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للتحالف العالمي للحرب على داعش، أن خطوات الرئيس “تدل على الافتقار التام لفهم أي شيء يحدث على الأرض”، وأنه “قدم هدية لروسيا وإيران وداعش”.
واستقال ماكجورك من منصبه في ديسمبر/ كانون الأول 2018 بعد إعلان ترامب سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، والذي تراجع عنه حينها.
ويحذر تشارلز ليستر، مدير برنامج مكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، من أن ترامب تخلى عن نفوذ واشنطن التكتيكي والاستراتيجي في نقاط التفاوض الحاسمة، ملحقًا ضررًا لا يمكن إصلاحه بمصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل.
لماذا لم يسد حلفاء الولايات المتحدة الأوربيون الفراغ الأمريكي في الحرب على داعش؟
تقول بي بي سي إن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين كانوا مستعدين منذ البداية لتقديم دعم “معنوي” بدلًا من الدعم العسكري الكامل في سوريا، بسبب الفشل الحاد في أفغانستان والعراق.
الحلفاء الغربيون انتقدوا تنحي الولايات المتحدة ثم طالبوا تركيا بإيقاف هجومها فورًا، وأعلن بعضهم إيقاف المبيعات العسكرية المستقبلية لتركيا، لكن أحدًا لم يتخذ خطوة فاعلة على الأرض.
وتقول بي بي سي إن الحلفاء “لا يملكون قوة الهدف ولا القوة العسكرية اللازمة للدخول في ساحة تخلت فيها الولايات المتحدة نفسها عن الهيمنة لحساب روسيا”.
محرر بي بي سي الدبلوماسي جيمس روبنز يقول إن “الأكراد في موقف مأساوي لكونهم مجموعة عرقية هائلة دون دولة وطنية مستقلة تدافع عن مصالحهم، في حين لن تسمح الدول القائمة بالتنازل عن أرضٍ واقعة تحت سيطرتها لتأسيس دولة جديدة”.
يتوقع روبنز لجوء الأكراد – في بعض المواقع على الأقل – إلى التراجع التكتيكي بدلًا من مواجهة عدو أكثر قوة. لكن تصميم تركيا على تأمين المنطقة العازلة لا يمكن تحقيقه سوى بعملية طويلة الأجل.
الأكراد من جانبهم أكدوا أنهم سيدافعون عن مواقعهم في شمال شرق سوريا بأي ثمن.
وقال مسؤول كردي سوري في وقت سابق إنهم قد يجرون محادثات مع دمشق وموسكو لملء الفراغ الأمني حال الانسحاب الكامل القوات الأمريكية من منطقة الحدود التركية. وقال قائد عسكري كبير إن أحد الخيارات أمام الأكراد ستكون إعادة الأرض إلى سيطرة الحكومة السورية.
وقبل الهجوم التركي، قال مصدر بالخارجية السورية إن الحكومة مصممة على مواجهة العدوان “بكل الوسائل المشروعة”، محذرًا من طموحات تركيا التوسعية في أراضي سوريا، ومرحبًا بـ “احتضان جميع مواطنيها المضللين إذا عادوا للطريق الصالح بطريقة تضمن وحدة سوريا”.
لكن بعد الهجوم، اتهم نائب وزير الخارجية السوري، الأكراد بـ “العمالة للولايات المتحدي وتبني أجندة انفصالية منحت تركيا ذريعة لانتهاك سيادة البلاد”، مؤكدًا رفض دمشق الحوار معهم.
مطامع ومخاوف روسيا من الهجوم التركي .. أيهما أرجح؟
موقف روسيا – أقوى حلفاء الأسد – من هجوم تركيا يشمل 4 نقاط تضمنها بيان الكرملين.
محددات التعامل الروسي هي:
أبدت تفهمها لـ “حق تركيا” في ضمان أمنها.
تحدثت عن “اتصال وثيق” بين الجيشين ووكالات الاستخبارات في موسكو وأنقرة.
حثت الأكراد على الحوار مع دمشق.
طالبت تركيا بتجنب أي خطوات قد تضر بـ “عملية السلام” في سوريا.
مكسيم سوشكوف، الخبير غير المقيم في المجلس الروسي للشؤون الدولية، يقول إن روسيا تقدم نفسها لتركيا كـ “شريك أكثر براجماتية – يمكن توقع أفعاله” بالمقارنة مع الولايات المتحدة، اتصالًا بما بدأ في صفقة بيع منظومة S-400، ضمن “لعبة شد الحبل” التي علمت موسكو 3 قواعد:
أظهر تعاطفك مع القضايا الحساسة لأمن تركيا القومي.
حدد خطوطك الحمراء بوضوح، وممر فرص التعاون مستقبلًا.
استفد من أخطاء الولايات المتحدة واستخدم التباين لمصلحتك.
بحسب سوشكوف، روسيا قلقة من الهجوم التركي؛ كونه قد يعطل مشروعاتها لضمان تسوية تخدم مصالحها المستدامة في سوريا، وبينها لجنة الدستور، وضمان “وحدة أراضي سوريا” وفق آلية أستانا.
ولمعالجة هذه المخاوف، ستضع تحركات تركيا تحت المراقبة اللصيقة؛ كون غياب الرادع قد يغري أردوغان بارتكاب بعض “الخراب غير الضروري”، حسبما نقل سوشكوف عن مصدر عسكري لم يكشف هويته.
بهذا الصدد، يرى سوشكوف إن روسيا عملت على ضمان وصول رسالة إلى تركيا مفادها أنها لن تسمح للهجوم بتعزيز نزعة الأكراد الانفصالية أو ترسيخ احتلال دائم لجزء من أراضي سوريا.
وكرر بيان الكرملين مطالبة روسيًا بـ “مغادرة جميع القوات الأجنبية الموجودة في سوريا بشكل غير قانوني”. هذا يعني سياسيًا أن روسيا تتوقع من تركيا “تلبية احتياجاتها الأمنية” ثم الخروج فورًا، ليحدث فراغ تتوقع موسكو أن تلعب فيه دورًا أكبر.
يقول سوشكوف إن عدم تدخل روسيا لمنع هجوم تركيا يسمح لها بدق أسافين بين الولايات المتحدة وحليفيها “تركيا – الأكراد” في آن واحد؛ حيث تنوي – بعد العملية – قيادة وساطة من مسارين بين نظام بشار الأسد، والأكراد، وتركيا.
ويرى أن بوتين يسعى لتفعيل طرحه بعودة اتفاق أضنة – الذي روج له في أكثر من مناسبة – كأساس لحل سياسي بعد العملية.
هنا، يبدو سوشكوف مقتنعًا أن صداقة روسيا – تركيا لن تتأثر طالما لم تمس أنقرة مصالح موسكو الحيوية.
إيران أيضا تحاول الاستفادة .. ماذا فعلت سياسيا وعلى الأرض؟
خلال قمة أنقرة الثلاثية في سبتمبر/ أيلول، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني دعم بلاده لإعادة تفعيل اتفاقية أضنة “كنموذج جيد محتمل يضمن إزالة المخاوف الأمنية المتبادلة وتحقيق بداية النهاية لحقبة مريرة بين سوريا وتركيا”.
بعد الهجوم، تطرق وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى اتفاقية أضنة مجددًا، وقال إنه “يتوقع من تركيا احترام الاتفاق الذي لا يزال ساري المفعول “؛ كونه يمكن أن يكون الطريق الأفضل لتحقيق الأمن”.
واقترحت إيران آلية جديدة لشغل فراغ ما بعد هجوم تركيا عبر وساطة بين الأكراد – سوريا – تركيا بما يمنح مهمة تأمين الحدود للجيشين السوري والتركي بشكل مشترك.
بالتزامن، يقول الأكراد إن ميليشيات مدعومة من إيران، بدأت هجومًا على قواتهم من الجنوب، بالتزامن مع هجوم تركيا.
أين داعش في السيناريو الجديد؟ وهل يحل أزمة اللاجئين فعلًا؟
تقول إدارة ترامب إن تركيا ستتولى مسؤولية أسرى داعش الذين يحتجزهم الأكراد حاليًا، بينما يقترح أردوغان برنامجًا لإعادة توطين اللاجئين في المناطق التي سيدخلها الجيش التركي
بريت ماكجورك يقول إن تركيا لا تملك “النية أو الرغبة أو القدرة” لإدارة 60 ألف داعشي (وأسرهم) يبدي الدبلوماسي الأمريكي السابق ثقته في أنهم سيشكلون نواة جديدة للتنظيم، معتبرًا أن “الاعتقاد بخلاف ذلك هو مقامرة متهورة”.
وضغطت الولايات المتحدة على الدول الأوروبية لتسلم مواطنيها من أسرى داعش، لكن الدول الأوروبية أبدت ترددًا؛ إذ سيتعين تقديمهم للمحاكمة، مع ما سيحتج به محاموهم من نقص الأدلة التي قد تقبلها المحاكم، لتطلق سراحهم بالتبعية، وبالتالي تنقل خلايا داعش إلى داخل أوروبا.
مقترح اللاجئين – الذي كان بين المبررات التي طرحتها تركيا لشن هجومها في سوريا – يواجه مشكلات عديدة هو الآخر، بينها استعداد اللاجئين أنفسهم للعودة إلى أجزاء من سوريا غير التي هاجروا منها، وإمكانية إجبارهم على ذلك، ومدى استعداد مواطني المنطقة الأصليين لاستقبالهم، ولا سيما إن ارتبط هذا الانتقال بما واجهه السكان المحليون من مآس. هناك أيضا مشكلة التمويل المطلوب لبناء منازل لاستضافة الوافدين، فضلًا عن التأثير الديموغرافي والسياسي طويل المدى لمثل هذه الخطوة.