القصة الكاملة | تسترت الصين على كورونا 6 أيام فدفعنا جميعًا الثمن

القصة الكاملة | تسترت الصين على كورونا 6 أيام فدفعنا جميعًا الثمن

21 May 2020
الصين كورونا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط
في أواخر ديسمبر 2019، بدأ الحديث يدور بين الأطباء والممرضات في ووهان الصينية حول دلائل انتقال فيروس كورونا الجديد من شخص لآخر. في تلك الفترة كانوا يستندون على مؤشرين تحديدًا: حالات إصابة لم يسبق لهم زيارة بؤرة انتشار الفيروس في سوق ووهان للمأكولات البحرية - ظهور إصابات بين العاملين في منظومة الرعاية الصحية.

حينها، وضع المسؤولون الصينيون معايير صارمة لعرقلة محاولات الأطقم الطبية الإبلاغ عن مثل هذه الحالات؛ لم يكن عليهم التأكد من الحالات الإيجابية فحسب، بل إرسال العينات مسلسلة إلى بكين، وعدم رفعها إلى المستوى الأعلى إلا بعد إبلاغ المشرفين. حينها، عوقب الأطباء الذين حذروا علنًا من المرض.

ستتواصل محاولات التستر ستة أيام، وفق تقارير سرية تسربت إلى أسوشيتيد برس، قبل أن يصل المرض الجديد إلى تايوان، فتضطر السلطات لاتخاذ ترتيبات الإعلان الرسمي. لكن الخطوة تأخرت.. الأيام الستة كانت كفيلة بالتسبب في أشرس جائحة عرفها العالم منذ الأنفلونزا الإسبانية في 1918. تفاصيل ما جرى نرصده عبر:

الحكاية في دقائق

ستوفد بكين فرق خبراء إلى ووهان، لكنهم سيقولون إنهم فشلوا في إيجاد علامات واضحة على الخطر وانتقال العدوى من شخص لآخر.

رئيس الفريق الخبراء، شو جيان قوه، سيقول للإعلام في 6 يناير، إنه استنادًا على سنوات خبرة الصين العديدة في السيطرة على الأمراض، فليس هناك أي فرصة على الإطلاق لانتشار المرض على نطاق واسع بسبب السفر في رحلات رأس السنة الصينية. سيضيف أن "تهديد الفيروس منخفض"، وأنه "لا دليل على انتقال الفيروس من إنسان إلى آخر".

سيصل فريق خبراء آخر إلى ووهان في 8 يناير. لكنه سيفشل في الكشف عن أي علامات واضحة على انتقال الفيروس من شخص لآخر. 

لكن تلك الزيارة تحديدًا ستتزامن مع إصابة أكثر من ستة أطباء وممرضات بالفيروس، حسب ما أظهرته دراسة مركز السيطرة على الأمراض في الصين التي نشرت في مجلة نيو إنجلاند الطبية في وقت لاحق.

النتيجة
الفريقان سيكتفيان بتقصي حالات الالتهاب الرئوي الحاد. سيقصران البحث على أولئك الذين زاروا سوق ووهان للمأكولات البحرية. لن يبحثا عن المصابين بأعراض خفيفة. هنا يظهر خطأ مهم، بحسب الأسوشييتد برس.

النتيجة أن المركز الوطني للسيطرة على الأمراض في الصين أي بيانات واردة من المسؤولين المحليين حول ظهور أية حالات في الفترة ما بين  5 إلى 17 يناير، رغم ظهور مئات الإصابات في مدينة ووهان، البؤرة الأولى لانتشار فيروس كورونا الجديد، وفي جميع أنحاء الصين، حسبما أكدت المراسلات الداخلية التي حصلت عليها وكالة أسوشييتد برس.
معاقبة الأطباء
في نفس الفترة عاقبت سلطات الصين 8 أطباء بتهمة "الترويج للشائعات" فيما يخص أعراض الالتهاب الرئوي، فيما يقول دالي يانغ، أستاذ السياسة الصينية في جامعة شيكاغو، إنها بعثت رسالة تخويف للطاقم الطبي بأكمله.

هل سجل المسؤولون المحليون حالات بالفعل لكنهم امتنعوا عن إبلاغ المستويات الأعلى؟ أم أن التقارير وصلت القيادات بالفعل لكنهم امتنعوا عن تسجيلها؟ مكان الخلل هنا ليس مؤكدًا. لكن ما هو واضح، كما يقول الخبراء، أن الضوابط الصارمة التي تفرضها الصين على المعلومات، والعقبات البيروقراطية، والتردد في إرسال الأخبار السيئة عبر السلسلة القيادية عطلت التحذيرات المبكرة في تلك المرحلة. 

المؤكد في كل الأحوال أن تقريرًا سريًا وصل كبار المسؤولين الصينيين في 14 يناير، أكد أن البلاد تواجه وباءًًا جديدًا.
الفهم الرصين للوضع
الوثائق التي حصلت عليها أسوشييتد برس توضح أن رئيس لجنة الصحة الوطنية الصينية، ما شياو وي، وضع تقييمًا قاتمًا للوضع في ذلك التاريخ، رفعه إلى مسؤولي الصحة في مقاطعة هوبي خلال اجتماع سري عبر الهاتف.

خلال الاجتماع الهاتفي، نقل ما تعليمات الرئيس شي جين بينغ، ورئيس مجلس الدولة، ونائب رئيس الوزراء، بخصوص مكافحة "الفيروس التاجي". 

المذكرة - التي حملت عنوان الفهم الرصين للوضع - لم توضح ماهية تلك التعليمات بالتحديد، لكنها قالت إن "الوضع الوبائي لا يزال شديدًا ومعقدًا، وهو التحدي الأكثر حدة منذ وباء السارس في 2003، ومن المرجح أن يتطور إلى أزمة صحة عامة كبيرة".

نفس المذكرة نقلت نتيجة الرصد الميداني، وقالت إن "إمكانية انتقال العدوى من شخص لآخر أمر ممكن". 
إصابات في تايلاند
تاريخ 14 يناير نفسه يحمل بعدًا مهمًا. هو اليوم التالي لظهور حالة إصابة في تايلاند المجاورة في 13 يناير. أي أن الأمور خرجت عن نطاق التعتيم في الصين، وبات على القادة في بكين الاعتراف بالوباء المحتمل قبل أن تعلنه تايلاند. عندها فقط أطلقوا خطة وطنية لاكتشاف الحالات لكن أيضًا "دون إخبار الجمهور".

المذكرة رصدت ذلك التغيير بذكر الحالة في تايلاند، قائلة إن الوضع "تغير بشكل كبير" بسبب احتمال انتشار كورونا في الخارج.

وواصلت المذكرة: "مع حلول احتفالات العام الصيني الجديد، سيسافر الكثير من الناس، ويزداد خطر انتقال المرض وانتشاره. يجب أن تستعد جميع المناطق لمواجهة الجائحة والاستجابة لها".
إعلان الطوارئ
في اليوم التالي، 15 يناير، سيبدأ مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في بكين أعلى مستوى من الاستجابة للطوارئ داخليًا، ويكلف كبار قادة المراكز بتشكيل 14 مجموعة عمل مكلفة بتدبير التمويل، وتدريب العاملين الصحيين، وجمع البيانات، وإجراء التحقيقات الميدانية، والإشراف على المختبرات، بينما ستوزع لجنة الصحة الوطنية مجموعة من 63 صفحة من التعليمات، لن تنشر علنًا أو تجد طريقها إلى الإنترنت، لكنها ستصل إلى مسؤولي الصحة المحليين في جميع أنحاء البلاد.

التعليمات تشمل أوامر بتحديد الحالات المشتبه فيها، وتجهيز عيادات الحمى في المستشفيات، وإلزام الأطباء والممرضات بارتداء ملابس واقية.

علنًا​​، سيستمر المسؤولون في التقليل من أهمية تهديد كورونا، مشيرين إلى إصابة 41 حالة فقط في ذلك الوقت.

لي كون، رئيس مركز الطوارئ في مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الصين، قال حينها للتلفزيون الصيني يوم 15 يناير: "خطر انتقال العدوى من شخص لآخر منخفض". 
أكبر اجتماعين سياسيين
في الأيام القليلة التالية، سيتجمع مئات المسؤولين في ووهان في أكبر اجتماعين سياسيين للحزب الشيوعي في هوبي، قبل أن يزور فريق طبي أرسلته لجنة الصحة الوطنية المدينة للتحقيق في 19 يناير، لتدخل حقيقة الوضع المتأزم نطاق العلانية.

فقط في 20 يناير، سيصدر الرئيس شي أول تعليقاته العلنية حول فيروس كورونا، قائلاً إن "التفشي" يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وأن كل إجراء ممكن يتم اتخاذه. قبل أن يعلن عالم الأوبئة الصيني البارز، زونغ نانشان، لأول مرة أن الفيروس ينتقل من شخص لآخر، على شاشة التلفزيون الوطني.


الوثائق لا توضح سبب انتظار الصين ستة أيام قبل إعلان المخاوف علانية، لكن دانييل ماتينجلي، عالم السياسة الصينية في جامعة ييل يقول: "إن ضرورات الاستقرار الاجتماعي، ومحاولة عدم هز القارب قبل مؤتمر الحزب الشيوعي المهم دفعت الدولة لمحاولة كسب المزيد من الوقت".


زو فينج زانج، عالم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا، يقول إن اتخاذ الإجراءات في تلك الفترة كان سيجنب الصين والعالم مصيره الحالي، لكن خبراء آخرين أشاروا إلى بدء الحكومة الصينية الإجراءات فورًا بشكل سريع وسري، مع محاولة تجنب نشر الذعر بين المواطنين.
الأسبوع الحرج
خلال الأيام الستة، التي تصفها أسوشيتد برس بـ "الأسبوع الحرج"، استضافت مدينة ووهان، مركز التفشي، مأدبة جماعية لعشرات الآلاف من الناس، بينما بدأ الملايين يسافرون إلى الصين من أجل احتفالات السنة القمرية الجديدة. وخلالها، أصيب 3,000 شخص.

تحذير الجمهور خلال الأيام الستة، بما يعنيه من بدء الإجراءات الاحتزازية مبكرًا كان سيمنع ثلثي الإصابات الحالية حول العالم، بحسب تقارير صحفية، لكن خبراء صحيين آخرين قالوا إن الحكومة الصينية اتخذت الإجراءات الحاسمة المطلوبة بالنظر إلى المعلومات المتاحة.. فقط دون إعلان.

راي ييب، الرئيس المؤسس المتقاعد لمكتب مراكز مكافحة الأمراض الأمريكي في الصين، يقول: "ربما لم يقولوا الشيء الصحيح، لكنهم كانوا يفعلون الشيء الصحيح".
تبادل الاتهامات
في الأسابيع التي تلت تفاقم وباء كورونا سيتبادل الجميع الاتهامات، وستتكشف المزيد من التفاصيل. 

وانغ جوانجفا، قائد فريق الخبراء الثاني، سيقول في 15 مارس إنه أبدى شكوكه حول إمكانية انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، وسيؤكد أنه شخصيًا أصيب بأعراض كورونا بعد وقت قصير من عودته إلى بكين في 16 يناير.

رئيس بلدية ووهان آنذاك، تشو شيانوانغ، سيلقي باللوم على اللوائح الوطنية لسرية المعلومات. سيقول في أواخر يناير إنه لم يكن باستطاعته الكشف عن المعلومات بصفته مسؤولًا حكوميًا محليًا إلا بعد الحصول على تصريح.
ماذا لو؟
لكن الأزمة لم تقتصر على ووهان. في شنجن، بجنوب الصين، على بعد مئات الأميال، فريق بحثي بقيادة عالم الأحياء الدقيقة يوين كووك يونغ أجرى مجموعات اختبار، وتأكدوا من إصابة ستة أفراد من عائلة مكونة من سبعة بالفيروس في 12 يناير. أبلغوا مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها "من جميع المستويات"، لكن النشرات الرسمية تبين أن أرقام المراكز السيطرة لم تعكس تقرير يوين.

نتيجة لذلك ، يبدو أن كبار المسؤولين الصينيين "تركوا في الظلام"، بتعبير الوكالة، التي تنقل عن خبير صحي حكومي، رفض الكشف عن اسمه، قوله: " مراكز السيطرة على الأمراض تحركت ببطء بافتراض أن كل شيء يسير على ما يرام"، معترفًا أن "التحرك أبكر بأسبوع أو اثنين كان سيغير مصير الأمور كثيرًا".
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك