تشريح الجاسوس | كيف نسفت أمريكا الجهادي جون؟ أسرار جديدة عن اختراق داعش | مينا منير

تشريح الجاسوس | كيف نسفت أمريكا الجهادي جون؟ أسرار جديدة عن اختراق داعش | مينا منير

11 Mar 2020
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ما الذي يدفع الجاسوس للتجسس؟ ما الذي يجعله يلقي بنفسه في تهلكة أخطر وظيفة على الإطلاق؟ سؤال يطرحه ضابط المخابرات الحربية السابق والعميل الميداني، البريطاني مايكل سميث في كتابه الجديد The Anatomy of a Spy (تشريح الجاسوس).

الكتاب، بحسب تعريف مؤلفه، محاولة لفهم عقلية وسلوك الجواسيس الذين لم يكونوا مجبرين على الانخراط في تلك المهام الخطيرة، وإنما تواترت دوافعهم لخوض هذه التجارب.

 سميث لا يجيب بدراسات أو مناقشات طويلة، وإنما بأمثلة مباشرة على كل دافع من الدوافع الأساسية التي صنفها.

الدوافع التي تعلمها في سنوات خدمته في المخابرات كانت: الجنس، المال، الوطنية، الشعور الجارف بالحاجة لخوض مغامرة أو العكس: السايكوباتية، الانتقام، أو الوازع الأخلاقي بأن هذا هو التصرف الصحيح، أو التجنيد عن غير دراية (Unconscious agents).

على كل تصنيف، يطرح سميث سلسلة من الحالات التي تمثله، والذي يُرى من خلاله كيف أدارت المخابرات البريطانية تحديداً تلك الملفات بنجاحاتها وإخفاقاتها.

كاد الجاسوس أن يكون رسولا: أوليج جوردييفسكي كشف استعداد اشتراكيين لخيانة أوطانهم | مينا منير

أيهما أجدي.. الفرد أم الحاسوب؟

بقراءة تلك الروايات، قديمها وجديدها معًا، تيقن أن ما يُسمى بالعنصر البشري في المخابرات Human asset لم تقل قيمته كما يُشاع اليوم بأن الحواسيب والحروب السيبرانية تحل محله. ليس فقط لأن الإنسان في النهاية هو من يتحكم في الآلة، لكن لأن الدور البشري نفسه هو بديل الآلة حينما يتلاعب طرفان بنفس الأدوات.

في كثير من الحالات التي يعرضها سميث نرى أن دولتين لديهما قدرات كبيرة في المعارك السيبرانية (Cyber warfare) تلجآن لأكثر أساليب الحرب الباردة يدويةً في جمع المعلومات من أجل الالتفاف على هذا التكافؤ التكنولوجي. منذ وقت قريب عرضت دقائق.نت مقالًا عن شبكة الجواسيس الصينية في جامعة هارفارد، وقد كان هذا مثالاً جيد على ذلك.

خلية تجسس هارفارد | الصين تحاول اختراق أمريكا من خلال علماء وأكاديميين | س/ج في دقائق

في لقاء مع الروائي البريطاني الشهير وضابط المخابرات السابق John Le Carré، يحكي لنا أن أحد أخطر أخطاء المخابرات الأمريكية والبريطانية في التعامل مع حرب العراق كان ما يُسمى بالـ Intelligence Constipation أو الاحتقان المخابراتي الناتج عن ضخ كم مهول من المعلومات الخام Raw data عن الهدف المعادي دون الحاجة لها، ما يؤثر على عملية تدوير المعلومات الخام إلى معلومات مفيدة استخباريًا Intelligence.

السبب هو الاعتماد على التكنولوجيا في جمع المادة على الأرض في العراق، والتي كانت كثيفة وغير مفيدة، بدلًا من أن يكون هناك عنصر بشري (المندوب) قادر على التعاطي مع المعلومات وتحويلها لمادة مفيدة قبل إرسالها.

تعلمت بريطانيا وأمريكا الدرس جيدًا، وبدأ الرجوع لفكرة إرسال مندوبين أو تجنيد جواسيس في مناطق الهدف.

هل كان الأستاذ رشاد جاسوسًا؟! دليل المخابرات الأمريكية لأكثر طرق التجسس مللًا وتخريبًا

اختراق داعش

قضية التعاطي مع داعش كانت إحدى الجولات المهمة. قد يظن البعض أن ضعف داعش الإلكتروني وغيابها عن الخريطة الرقمية يحتم على المخابرات المعادية لها أن تنزل على الأرض لجمع المعلومات. الحقيقة هي العكس. كانت داعش تعج بخبراء الألاعيب الرقمية المدربين جيدًا على أساليب رصد الطائرات بدون طيار، والتخفي على الإنترنت وما إلى ذاك، مما جعل التعامل على الأرض ضرورة حتمية.

هنا يحكي لنا سميث رواية تخرج إلى العلن للمرة الأولى، كمثال على طريقة التعاطي المخابراتي مع داعش.

المخابرات البريطانية قررت البحث عن وسائل تجنيد جواسيس من داخل داعش للكشف عن مخابئ قادتها. اللعبة كانت في تحويل مصدر التهديد الرئيسي الذي استخدمته داعش ضد الغرب سلاحًا ضدها، وهو المجاهدون من الدول الغربية.

في المرحلة الأولى، كان جمع المعلومات عن المجاهدين يعتمد على ما يُسمى بالرصد النفسي Psychological profiling للمجاهد وأسرته لمعرفة أدوات القوة والضعف، وبالتالي يُعيدنا الأمر إلى التصنيفات الكلاسيكية لدوافع الجاسوس المذكورة سابقًا.

يذكر سميث أن بعض الدواعش الذين خرجوا من بريطانيا كان يخيفهم في سنهم الصغير شعورهم بالعار إذا ما فشلوا، فكان التعامل معهم من خلال وسطاء حاولوا إقناعهم بأن غسل ذلك العار الاجتماعي حال الرجوع مرتبط بتحقيق نجاح يخدم “الدين والأمة” أيضًا، لكن ليس بالضرورة داعش.

كذلك استخدمت أدوات الجنس والمال، إلا أن أهم أداة كانت التعاطي مع الحس الشديد لفكرة العار الاجتماعي، الأمر الذي سهل على البريطانيين تجنيد بعض الذين كانوا قد ظنوا أنه لا رجعة فيما باتوا عليه.

الجاسوس النائم

أحد هؤلاء شخص لا يذكر لنا سميث أي معلومات عنه، فلا نعرف إن كان رجلًا أم فتاة، لكنه فهم جيدًا أن هناك فرصة للخروج من مأزق الجهاد لمصلحة داعش باسم وجواز سفر جديدين في عالم جديد لن يكون مجتمعًا شرقيًا يراه خائنًا للإسلام سواء بانضمامه لداعش أو التجسس عليها.

هذا الشخص كان مفيداً جدًا؛ لأنه كان داخل الرقة وعلى مقربة من القيادات الكبرى، قبل تحويله إلى عنصر نائم داخل داعش حتى ليلة ما حينما وصلته إشارة (لا نعرف كيف) بأن ينشط بهدف محدد.

كانت هذه الليلة هي ليلة بث داعش لفيديوهات ما عُرف لاحقاً Jihadi John، ذلك الشاب الذي قام بعملية إعدامات مرعبة، وكانت لكنته اللندنية مصدر إحراج كبير لبريطانيا.

توالت مقاطع الفيديو وبات القصاص من هذا الإرهابي ضرورة حتمية، خاصةً لبريطانيا. هنا بدأ تنشيط الجاسوس داخل داعش بعد عقد صفقة مفادها أن خروجه بهوية جديدة سيكون مرتبطًا بنجاح تلك العملية، وبالفعل جرى الاتفاق، وخرج كاميرون وباراك أوباما يعلنان عن تكريس أجهزتهما الاستخباراتية للقبض على الجهادي جون.

نسف الجهادي جون

بالفعل نجح الجاسوس في إرسال معلومة تؤكد هوية الشاب: محمد جاسم عموازي، البريطاني الكويتي الأصل. هنا خرج سفير بريطانيا لدى الولايات المتحدة ليقول إن لندن اقتربت من تحديد هويته باستخدام “وسائل تكنولوجية معقدة لتحليل الفيديوهات”.

عموازي كان طالبًا للهندسة الإلكترونية وعلوم الحاسب، وكان خبيرًا في التخفي، بل – وبالتنسيق مع آخرين من داعش – حينما شعر أن هويته قاربت على الانكشاف، سرب معلومات مضللة عن كونه هرب من الرقة إلى العراق. بالمقابل، أعلنت بريطانيا أن الجهادي جون في العراق، في محاولة لجعله يظن أن أكاذيبه انطلت على الغرب.

في ليلة 12 نوفمبر 2015، أرسل الجاسوس رسالة إلى ضابط الحالة في المخابرات البريطانية MI6 تحدد مكان عموازي في منزل واقع بين ميدان الساعة والمحكمة الشرعية في الرقة.

هنا أرسلت الولايات المتحدة طائرة تجسس بلا طيار من نوع US Reaper ظلت في السماء على ارتفاع 1.6 كيلو متر في انتظار خروجه.

بسبب الوجود شبه الدائم للطائرات بلا طيار من الأنواع المقاتلة في الجو، فإن عموازي لم يكن يخرج من منزله إلا في منتصف الليل، لكن النوع الذي أرسلته أمريكا هذه المرة كان بغرض التجسس والتخفي ويحمل صواريخ شديدة الحساسية أيضًا، فاستهدفته وهو يفتح باب سيارته، ففتكت الطائرة به، حتى قيل إنه على الأرجح لم يدر بموته، فقد تبخر في لحظتها.

الكتاب ليس شيقًا فقط على مستوى المعلومات الجديدة، لكن ما هو أهم في رأيي أن الإنسان يظل هو الإنسان، وأن صراعه مع كل أنواع الخبرات الإنسانية لم يتغير، ومعها لم تتغير دوافعه للانتحار، عمليًا، باتخاذ مهام كالتجسس.


أفّاق بدرجة مستشار: إسرائيل بير تجسس على بن جوريون فتجسست عليهما مصر

نازيون بين القاهرة وتل أبيب: (1) أولريخ شنافت | مينا منير | دقائق.نت

سقوط الجاسوس إيلي كوهين.. أدلة جديدة تؤيد الرواية المصرية

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك