لا يمنح الدستور التونسي صلاحيات حقيقية بشكل حصري لرئيس الجمهورية؛ إذ يحتاج لاستشارة أو موافقة جهات أخرى في معظم الصلاحيات.
ووفق الباب الرابع من الدستور يمارس رئيس تونس السلطة التنفيذية مع الحكومة، ويضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة، ويتولى مسؤولية اتخاذ قرارات الحرب والسلم شرط موافقة ثلاث أخماس النواب، ويتخذ قرار إرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة، ويتخذ التدابير الحتمية في حالات الخطر الداهم بعد استشارتهما، على أن تبت المحكمة الدستورية في استمرارها، ويرأس مجلس الأمن القومي بمشاركة رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة، ويعفي قيادات مؤسسة الرئاسة والوظائف العسكرية والدبلوماسية والأمنية العليا بعد استشارة رئيس الحكومة، ويعين ويقيل محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة ومصادقة الأغلبية النيابية المطلقة.
ولا يتمع الرئيس بسلطات دستورية، باستثناء الحل المشروط لمجلس نواب الشعب، والقيادة العليا للقوات المسلحة، وإسناد الأوسمة، والعفو الخاص، وتعيين وإقالة مفتي الجمهورية، والمصادقة على المعاهدات.
مع ذلك، رئيس تونس دستوريًا هو ممثل الدولة ورمز وحدتها، وضامن استقلالها واحترام دستورها. هذه الصلاحيات الإنشائية استغلها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في تطبيق عدد من إصلاحاته في مسألة حقوق المرأة؛ باعتبار صلاحية حمايته للدستور تستوجب منع التمييز.
بوفاة السبسي اضطرت الهيئة المستقلة للانتخابات لتقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى 15 سبتمبر/ أيلول، بدلًا من 17 نوفمبر/ تشرين الثاني؛ لتتوافق مع مهلة الـ 90 يومًا التي حددها دستور تونس.
ووفق الجدول المقترح، يُفتح باب الترشح في 2 أغسطس/ آب ولمدة أسبوع، على أن تقتصر مراجعة ملفات المترشحين والطعون على أربعة أيام، ثم تبدأ الحملة الانتخابية لـ11 يومًا، وهو ما تحتج عليه أحزاب لصعوبة جمع التزكيات البالغة 10 آلاف في تلك الفترة القصيرة.
وبخلاف ضيق الوقت، يشكك مراقبون في قدرت الهيئة المستقلة للانتخابات على تطبيق جدول الانتخابات الرئاسية المعدل؛ كونه يتزامن مع بدء حملة الدعاية للانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول، خصوصًا حال الاضطرار لجولة إعادة بعد أسبوعين من إعلان نتائج الجولة الرئاسية الأولى.
ويبقى مصير تعديلات القانون الأساسي للانتخابات – التي مررها مجلس نواب الشعب بأغلبية كبيرة – معلقًا، إذ لم يصدق عليها الرئيس الباجي قائد السبسي قبل وفاته.
ورفضت الهيئة الموقتة لمراقبة دستورية القوانين طعون المعارضة على تعديلات القانون الأساسي للانتخابات، ليكون الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي أمام خياري إعادة التعديلات إلى مجلس نواب الشعب خلال 5 أيام، أو توقيع التعديلات خلال 9 أيام، أو إحالتها للاستفتاء، لكنه لم يبت في الأمر حتى وفاته.
وتُقر التعديلات الجديدة نسبة 3% كحد أدنى يتوجب على القوائم السياسية تجاوزها في الانتخابات التشريعية لدخول البرلمان، وتمنع ترشح من تثبت استفادته من استعمال جمعية أو قناة تلفزيونية في الدعاية السياسية، أو تمجيد الديكاتورية، أو تبني خطاب الكراهية والعنف.
وساندت كتل الأغلبية الحاكمة – النهضة والائتلاف الوطني ومشروع تونس – مشروع التعديل، بينما وصفته المعارضة بالإقصائي.
وتنقل نيويورك تايمز عن المستشار الأول لرئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة أن السبسي رفض التوقيع على مشروع القانون ، مشددًا على أن التفسير سيصدر قريبًا.
بنص الدستور، يمارس القائم بمهام رئيس تونس، خلال الشغور النهائي، المهام الرئاسية، عدا حق اقتراح تعديل الدستور أو اللجوء إلى الاستفتاء، أو حل مجلس نواب الشعب، أو تقديم لائحة لوم ضد الحكومة.
مهمة محمد الناصر الأبرز ستكون إجراء انتخابات الرئاسة والبرلمان، لكن الجدل قائم حول امتلاكه الثقة السياسية والسلطة الدستورية للتصديق على التعديلات التي توفي السبسي قبل البت في أمرها.
التعديلات حاسمة لأنها تستبعد مرشحين بارزين، أهمهم رجل الأعمال نبيل القروي، مؤسس قناة نسمة الذي تصدر استطلاعات الرأي الأخيرة بفضل تركيزه على المناطق المهمشة عبر حملات خيرية نظمها عبر قنواته التليفزيونية.
قائمة المستبعدين تشمل سيدة الأعمال ألفة ألتراس التي حققت شعبية من خلال أعمالها الخيرية التي نظمتها مؤسستها “رامبورغ” وحركتها “عيش تونسي”، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، المدافعة عن الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
ويقول الباحث السياسي التونسي العربي شويحة إن تجاوز محمد الناصر عن إصدار التعديلات يعني التصدي لتصويت البرلمان الذي يرأسه، وإصدارها سيضعه في مواجهة أعداء سياسيين أقوياء بإمكانهم إثارة تحديات أمام الخطوة التالية في نقل السلطة.
ضمن خطواته الإصلاحية، أقر السبسي عدة تعديلات لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، لكنه توفي قبل أن ينظر مجلس نواب الشعب أحدث الإجراءات المتعلقة بالمساواة في الميراث، بعدما تقدم بمقترح القانون في 2018.
ولم يحسم السبسي ملف المحكمة الدستورية، بعدما فشل البرلمان للمرة الثامنة في انتخاب هيئتها في 10 يوليو/ تموز، وقرر تأجيل الملف للبرلمان الجديد.
الملف الأهم يتعلق بانقسامات حزب نداء تونس منذ 2015، والتي خسر بسببها أغلبيته البرلمانية لحساب حركة النهضة.
وبدأت الانقسامات باستقالة الأمين العام محسن مرزوق وتأسيسه حزب “مشروع تونس”، إثر خلافات مع نجل الرئيس حافظ قائد السبسي.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، جمد نداء تونس عضوية رئيس الوزراء يوسف الشاهد، فيما اعتبرته التقارير مؤشرًا على احتدام الصراع بين الطرفين، قبل أن يتولى رئاسة حزب “تحيا تونس” في يونيو/حزيران بعد أقل من ستة شهور من تأسيسه بهدف منافسة حركة النهضة.
وحاول نداء تونس الإطاحة بيوسف الشاهد من رئاسة الحكومة، لكن دعم النهضة أمن منصبه، قبل أن يعلن رئيس الحركة راشد الغنوشي إعادة النظر في العلاقة مع حكومة الشاهد حال إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية. في هذه الظروف ليس من الواضح كيف ستؤثر التحالفات على مصير يوسف الشاهد.