قيس ابن عمي .. عندنا؟ عندهم؟ على الحياد؟.. تونس فوق صفيح ليبيا الساخن| محمد زكي الشيمي

قيس ابن عمي .. عندنا؟ عندهم؟ على الحياد؟.. تونس فوق صفيح ليبيا الساخن| محمد زكي الشيمي

30 Dec 2019
الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تونس كانت كفيلة بإثارة التكهنات حول أهدافها. الزيارات غير المجدولة لا تتعلق إلا بأمر عاجل، وهو ملف ليبيا في حالتنا.

وبما أن تشكيلة وفد إردوغان تضمنت مسؤولين عسكريين ومخابراتيين على أعلى مستوي دون وجود ما يستدعي ذلك في العلاقات الثنائية – وبالنظر لتصريحات إردوغان من تونس – يكون الهدف محاولة جر تونس لصف تركيا بشكل كامل، ولو بدا الأمر في شكل زيارة دبلوماسية بين بلدين.

الأحلام العثمانية

سلوك إردوغان كان متوقعًا. الرجل يضع عينيه على الولايات المتحدة وأوروبا، ويحاول جاهدًا تسويق نفسه لديهما كزعيم قوة إقليمية مؤثرة وذات نفوذ طاغ يتجاوز حدودها الضيقة، ولا غنى عنها سياسيًا واقتصاديًا.. يحاول أن يثبت أنه الوحيد في المنطقة القادر على الاصطفاف مع الغرب ومصالحه بنجاح وفاعلية دون استفزاز شعوب المنطقة إن دعت الحاجة في مواجهة الصين أو روسيا أو إيران، بينما يلعب مع كل هذه الأطراف بشكل عكسي.

استطاع إردوغان أن يقنع إدارة أوباما والإعلام العالمي سابقًا بصورة مشرقة للإسلام السياسي (الديمقراطي) ولتركيا باعتبارها عراب هذا المشروع أمام الغرب.

لكن ما يريده إردوغان يصطدم في المنطقة سياسيًا بخصوم كثيرين – على المستويين الشعبي والرسمي – لمشروعه الساعي لمد النفوذ المرتدي لعباءة الإسلام السياسي.

منتدى غاز شرق المتوسط.. خبر صغير في الجرائد وتطور كبير في السياسة | س/ج في دقائق

الخسائر توالت. ضربت قطع اللعب التي يملكها إردوغان علي رقعة الشطرنج الإقليمية في الصميم؛ الإخوان سقطوا في مصر، نفوذه تقلص في سوريا، علاقاته مع الإمارات تدهورت، وأخيرًا السعودية، الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر يتقدم – ولو ببطء – في لبيبا، السودان التي أبرم معها اتفاقًا مريبًا بخصوص ميناء سواكن خرجت من اللعبة بخروج عمر البشير من السلطة، ومحاولات استغلال حراك الجزائر لمصلحة “العناصر المحلية الداعمة” باء بفشل كبير، بل وتبدو الجزائر الآن أميل للتخلي عن دعم فايز السراج لولا التخوف من العلاقات التي تنسجها تركيا والإخوان مع بعض الطوارق والتنظيمات المحلية.. الرجل يشعر بالحصار المطبق، وهنا لم يعد أمامه بدائل سوى البحث عن مربعات جديدة في الرقعة.. لتصبح تونس هدفه الأول.

الوضع في ليبيا

حقيقة الوضع العسكري لحلفاء إردوغان في ليبيا يدفعه لخوض المغامرة، فالميليشيات – التي تشكل القوة الحقيقية الحاكمة خلف حكومة طرابلس المهترئة – خليط تنظيمات مسلحة قبلية وجهوية وعرقية وجهادية ولصوصية لا يجمعها نظام ولا قيادة.. هذا ما أرادته الميليشيات في ليبيا لنفسها بحكم طبيعتها، وهذا ما أرادته لها خلافات المجتمع الدولي الراغب في إبقاء مساحات المناورة مفتوحة في هذا البلد النفطي.

لا يمكن القول طبعًا أن الميليشيات كلها من المتطرفين، لكنها انخرطت جميعًا في تحالف يشكل المتطرفون الجزء الرئيسي والأكثر فاعلية فيه. كل ما في الأمر أنها تتكيف مع تصاعد الضغط الدولي على وجود شخص أو جماعة متطرفة بعينها بإبعادها عن الصورة مع إبقاء الاتفاقات معها سارية تحت الطاولة، فإن وصل الضغط لدرجة قصوى – كما حدث مع داعش في سرت 2016 أو مع تنظيم أنصار الشريعة أو قائد ميليشيا الصمود صلاح بادي – فإن الخيارات تبدأ بتغيير اسم التنظيم مع بقائه في المعادلة، إلى إخفائه من المشهد مع الحفاظ على مكتسباته سرًا، وصولًا لإعلان الحرب عليه كما حدث في عملية البنيان المرصوص ضد داعش. كل هذا لا يحدث إلا بتأمين المجتمع الدولي للمكاسب السياسية التي حصدتها بقية الأطراف (بقاء حكومة السراج) والعسكرية (السيطرة على سرت وهي البوابة الشرقية لمدينة مصراتة).

وبالنظر لتباين المواقف الدولية تجاه تطورات ليبيا، ونجاح حفتر بشكل كبير في الاستفادة من هذا في إخراج الإرهاب وحلفائه من بنغازي ودرنة والشرق الليبي كله ثم الجنوب (فزان) لم يعد أمام إردوغان لإنقاذ الميليشيات المتصارعة إلا طريقين؛ إما تونس أو التدخل المباشر في ليبيا

السراج وأخواه.. هذا ما تبقى من حطام المجلس الرئاسي الليبي

الخيار المثالي إذن هو تونس!

لماذا تونس؟

تونس هدف مثالي لتركيا إردوغان لعدة أسباب:

ارتباك مشهد القيادة:

حركة النهضة التي هي جزء من تنظيم الإخوان متغلغلة في مفاصل الحكم منذ سنوات، وتملك حاليًا أكثرية برلمانية (وإن لم تكن أغلبية)، وهي بطبيعة الحال داعمة لتركيا وللتنظيمات الإسلامية عمومًا.

تشكيل الحكومة في تونس متعثر لخلافات تشكيل ائتلاف.. أي أن الوقت يلعب لصالح بقاء قواعد اللعبة القديمة لوقت أطول، والرئيس التونسي الجديد قيس سعيد لا يملك قوة سياسية فعالة مناصرة له في المؤسسات أو في الشارع السياسي؛ إذ نجح في التصويت كفرد ليس إلا، وبمعادلات توازن ظل فيها يحاول أن يبدو “مرشح الكل” عبر توازنات خطابية وكلمات تطمين. هذه التوازنات في العادة تُترجم سياسيًا إلى بقاء الوضع على ما هو عليه؛ باعتبار أن القادر على تغيير الرؤية السياسية هو شخص يملك رؤية بديلة وقدرة سياسية أو عسكرية أو كليهما معًا لتحويلها إلى واقع. قيس سعيد يفتقد الأمرين.

جهاديو تونس.. العودة أو الانتقام:

أسباب أخرى غير أيديولوجية صُنعت خصيصًا لتحويل تونس إلى مستفيد من بقاء الوضع في ليبيا على ما هو عليه؛ إذ باتت ليبيا ثاني أكبر تجمع للجهاديين التونسيين في العالم، وبديهي أن الجيش وقوى الأمن لا ترغب في التحول لهدف لهؤلاء إذا ما حاولت الاصطفاف إلى جانب سلطة قوية في ليبيا بمعاداة تنظيمات ينشط فيها هؤلاء الجهاديون، والاقتصاد التونسي تضرر كثيرًا من الهجمات الإرهابية التي استهدفت السياحة في سوسة وجبل الشعانبي، وهناك قناعة لدي الكثيرين في تونس أن أجهزتهم مخترقة بعناصر موالية أو متعاونة مع تلك التنظيمات في ظل نفوذ النهضة الكبير والشكوك التي تساور التونسيين حول وجود جهاز سري تابع للحزب، وهي شكوك مبررة بالنظر لتاريخ تنظيم الإخوان في العمل السري في العالم كله، وبالنظر لتجربة تونس نفسها، التي اتضح أن فيها عددًا لا بأس به من الوجوه السياسية والإعلامية غير المحسوبين على الإسلام السياسي، ليتضح بالنهاية أنهم منفذون لأجندة النهضة السياسية ولو كانوا من خارجها.

تحركات تركيا والإخوان في البحر المتوسط.. كيف تؤثر اقتصاديًا على المواطن المصري؟ س/ج في دقائق

نفط ليبيا سبب إضافي؛ إذ يُهرب بمعرفة القبائل الليبية على الحدود (معظمهم من الأمازيغ). يحقق هذا فائدة للطرفين؛ القبائل تجني المال من التهريب، الذي يخفف من وقع الأزمة الاقتصادية في الجنوب التونسي الذي كان ولا يزال يعاني وضعًا اقتصاديًا هو الأسوأ في تونس، ووضعًا سياسيًا هو الأكثر توترًا.

عائدات الليبيين:

أعداد كبيرة من الليبيين تقيم أو تستأجر أو تدرس أو تتلقى العلاج أو تستثمر في تونس، أو تزورها باستمرار. معدلات إنفاق الليبيين في تونس عالية. صحيح أن هذا الأمر قد يبدو غير مؤثر عمومًا عند الحديث عن دولة ضخمة السكان، لكن تأثيره في دولة محدودة السكان كتونس يظل عاملًا مهمًا.

احتمالات تدخل تركيا المباشر

التدخل المباشر قد يحمل درجتين: التدخل بقوات أو التدخل بالأسلحة فقط. مع ذلك، فالخيارات هنا تظل محدودة.

ليبيا ليست دولة جوار مباشر لتركيا كسوريا والعراق. وهنا لا تملك تركيا المغامرة بإلقاء قواتها هناك؛ ليس فقط لأن المجتمع الدولي لن يرحب بتدخل تركيا المباشر في ليبيا – خصوصًا لصالح حكومة فاشلة – لكن أيضًا لأنه سيفتح باب تدخل مباشر لأطراف أخرى تجاوز قوتها أطراف الداخل الليبي، بما قد يكبد الأتراك خسائر بشرية لم يلاقوها في العراق أو سوريا.

وحتى التدخل بأسلحة تركية – رغم حدوثه المتكرر ورغم خرقه لحظر التسلح المفروض على ليبيا – يظل مرهونًا بكفاءة العنصر البشري لهذه الميليشيات، وبمدى الخروقات التي يمكن أن تسمح القوى الدولية بغض الطرف عنها، خصوصًا وأن كل تحرك جوي أو بحري إلي ليبيا ليس ببعيد عن أعين هذه الأطراف، وإن غضت الطرف عنه أحيانًا.

لهذا، يظل التدخل غير المباشر أفضل، بتمرير المقاتلين الموالين القادمين من سوريا، والأسلحة الفعالة الأقل تكنولوجيًا (العبوات المتفجرة – الصواريخ المضادة للطائرات – الصواريخ المحمولة على الكتف) برًا عبر تونس إلى ليبيا، أو السماح لتركيا باستخدام الأراضي التونسية على غرار قاعدتها في قطر.

ولكن الوضع التونسي مرة أخرى لا يسمح بذلك – بشكل صريح على الأقل – حتى لو أراد قيس سعيد والنهضة و إردوغان؛ فتونس بالتأكيد لا ترغب في صدام علني مع أحد الأطراف الليبية ولا مع بقية الدول الداعمة لحفتر، وبالتأكيد لا تسعى لصدام مع إيطاليا وفرنسا والاتحاد الأوروبي عمومًا، ناهيك عن عدم الرغبة في اثارة قلق الجزائر.

يبقى الوضع كما هو عليه

لهذا، يبدو مخرج قيس سعيد من هذا كله بقاء الوضع على ما هو عليه، مع قليل من المهارات الكلامية كعادته، فهو سيرفض أي طلبات تركية مبالغ فيها، مع وعد بدعمهم سياسيًا مع دخول عضوية تونس في مجلس الأمن مطلع يناير2020، أي بعد بضعة أيام، ولا مانع من غض الطرف عن بعض الأمور هنا وهناك. سيقول إنه على الحياد، ولو كان حياده المزعوم يكذبه تأكيد إردوغان ووزير داخلية حكومة طرابلس فوزي باشاغا أن تونس اصطفت معهم، ولو كان حياده يتلخص في دعم والتقاء حكومة طرابلس فقط دون الجانب الآخر.

الرجل ببساطة قرر أن يقف على الحياد بمعناه الذي اتخذته دول عدم الانحياز ونحتوا له تعبير (الحياد الإيجابي) لا حياد سويسرا الكامل (السلبي)، وهو حياد ساندت فيه دول عدم الانحياز المعسكر السوفيتي سياسيًا في مواجهة الغرب، لكن ليس لدرجة الانضمام إلى حلف وارسو.

إنها إذن – على الأقل في العلن – سياسة الماء النقي بلا لون أو طعم أو رائحة. ويبقى وراء الأكمة ما وراءها.

أغلب الظن أن ما قدمه وسيقدمه قيس سعيد مع ذلك ليس كافيًا لإردوغان إذا ما اتجه الوضع في طرابلس نحو حسم أكبر. عندها إما أن يخسر إردوغان اللعبة في ليبيا، أو أن  يقامر فيندفع لدخول مستنقع جديد لن يكون وجوده فيه نزهة.


مذكرة تفاهم السراج – إردوغان: هل هي ضربة سياسية لمصر؟ | س/ج في دقائق

بعد سوريا.. بوتين روسيا يلاحق إردوغان في ليبيا | س/ج في دقائق

دخول أمريكا على خط غاز المتوسط: هل ينهي مشروع إردوغان وعناصره المحلية؟ | محمد زكي الشيمي

من الدفاع عن القذافي لتسليح ميليشيات طرابلس.. كيف تورط أردوغان في ليبيا؟ | س/ج في دقائق

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك