جورج خباز.. صوت الألم والأمل في “مسرح لبنان” | مينا منير

جورج خباز.. صوت الألم والأمل في “مسرح لبنان” | مينا منير

20 Nov 2019
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في إحدى حلقات مسلسل راجل وست ستات، يحل فنان شاب لبناني ضيفًا على أشرف عبد الباقي. لا أعتقد أن كثيرًا من الجمهور المصري كان يعرف من هو هذا الشاب، ولا يمكن أن يتوقع أنه سيكون أحد أعمدة الفن في لبنان.

بينما كان أشرف عبد الباقي يعد العدة لتأسيس ما يسمى بـ “مسرح مصر” الذي يشهد في رأيي على حالة التردي الشديد في الذوق العام بمصر، كان خريج جامعة الكسليك جورج خباز قد حول نجاحاته الفنية المحدودة في السينما نحو المسرح. كون فرقة مسرحية من مجموعة جديدة، على أعلى قدر من الموهبة يمكن أن تجدها في لبنان اليوم، في رأيي، وأجر مسرحًا كان قد قارب على الإغلاق بسبب ديونه وتراجع الإقبال على المسرح في لبنان.. هو مسرح بسيط في وسط المدينة يسمى بالشاتو تريانو.

جورج خباز يمثل ظاهرة تستحق أن يقف عندها الجمهور العربي عمومًا، فهي ظاهرة كاشفة لإيجابيات وسلبيات كثيرة، ونموذج يحتاج المصريون تحديدًا إلى تفحصه.. كيف؟

مسرح الطبقة المتوسطة

في فبراير 2017، دعاني صديق لحضور مسرحية “بالكواليس” في بيروت. من تأليف وإخراج وبطولة جورج خباز. لم أكن أتوقع الكثير. بينما تجد الكوميديا المصرية طريقَها بسهولة لقلوب العرب، فالعكس ليس سهلًا. لكن المسرحية كانت مفاجأة بكل المقاييس: الأداء الرائع، الموسيقى والإخراج (الكوريوجرافي) للأغاني، السيناريو، وتقريبًا كل تفصيلة نقلتني لعالم آخر.



كان المسرح ممتلئًا عن آخره، لكن الأهم هو شريحة الحضور. كانت بوضوح الطبقة المتوسطة التي يمكنها أن تدفع سعر التذكرة وتستمتع كأسرة بالأداء الفني الرائع. مسرح التريانو صار قبلة أسر الطبقة المتوسطة في لبنان، والتي تدل على الحالة الصحية لوجود هذه الطبقة الآخذة في الانكماش في مصر. الأهم كان حضور الناس من كافة الطوائف. هذا الشاب لم يكن يمثل فن شريحة طائفية محددة، بل تحولت خشبة المسرح إلى لبنان مصغر.

أما بالنظر في المادة الفنية التي قدمها، فبدت مسرحية “بالكواليس” إعادة إنتاج لمسرحية لعبة الست، لنجيب الريحاني. لا تخطئ العين استلهام خباز لشخصية وأداء الريحاني، في كوميديته السوداء وبساطته. لكن المسرح المصري كان أيضًا ملهماً له قبل ذلك في مسرحية “شو القضية” التي كانت “لبننة” لمسرحية أنا وهو وهي، والتي أيضًا ظهر فيها أثر أداء فؤاد المهندس على شكل وأداء خباز.

فكرة استلهام نجوم الماضي، عبر عنها لاحقًا في أغنية بمسرحية الأول بالصف، والتي أشار فيها لـ “الزعيم عادل إمام، فؤاد المهندس، وعبد المنعم مدبولي” في سياق لبناني يضيف إليها.

أثبت خباز أن السياق اللبناني قادر على ما عجز عنه السياق المصري، وهو تقديم مسرح يجمع بين التراث الفني المصري والعربي مع التقنيات الغربية. فمسرح جورج خباز، الذي صار مسرح الطبقة المتوسطة، حقق نجاحات قياسية في فترة عرض المسرحيات (تصل إلى ستة شهور سنوياً) وجعلت خباز الفنان الأعلى أجراً في لبنان.



ستكونين أنت الحذاء.. أزمة الاقتصاد المصري في أغنية المهندس حسام | رواية صحفية في دقائق


مكمن ضعف لبنان هو مكمن قوته

جورج خباز هو ابن جيل الحرب، ووارث اتفاق الطائف الذي ينظم محاصصة السلطة في لبنان. ذلك الواقع المؤلم هو أيضًا مكمن قوة لمن يستطيع أن يتعامل معه! فسخرية القدر تكمن في أن لا مركزية القوة في لبنان وفر للبنانيين قدرًا من الحرية والحركة لا تتمتع به دول توجد بها أغلبية ضاربة ونظام سياسي أحادي اللون في الدول المجاورة.

لبنان | اتفاق الطائف لم يطبق مطلقًا.. لماذا لم يمت بعد؟ | س/ ج في دقائق

على طريقة راوية يحيى حقي في قنديل أم هاشم، أخرج لنا خباز فيلمًا أثار جدلاً واسعاً في نقده للعادات الدينية والاجتماعية في لبنان. لا أستطيع أبدًا تخيل أن مصر يمكن أن يكون فيها عمل مماثل اليوم دون أن ينبري المحامون فيها ورجال الدين لرفع دعوات الازدراء والإخلال بالسلم الاجتماعي والأمن القومي.. والاعتداء على المسطحات المائية!

فيلم غدي تحدى في جرأته النفاق الديني الذي فضحته معاملة قرية صغيرة مارونية شديدة التدين لطفل يعاني تأخرًا ذهنيًا.

يتجلى الأمر في عمله الكبير، مسرحية إلا إذا، والتي تلخص وضع لبنان القابل للانهيار في رواية منزل آيل للسقوط في بيروت، ويقطن كل شقة فيه أسرة تمثل طائفة من طوائف لبنان. المسرحية تنتقد كل طائفة بشكل مذهل لمصري مثلي لا يستطيع أن يتخيل عملًا كهذا في مصر. ففي وسط الوضع الخطير على المبنى الذي يمثل لبنان، يخرج أخيرًا رجل كهل من شرفة عليا ليقول للبنانيين إن الحل في العلمانية والدولة المدنية.

في المسرحية المذكورة كان خباز نفسه يلعب دور “حسين” الشيعي الذي يتحرك في باحة المنزل بطريقة فيها قدر من البلطجة وهو يحمل رشاشه طوال الوقت. إلا أن صديقي في المسرحية لفت نظري إلى ملاحظة لطيفة وهي أن قدر النقد للطوائف المختلفة ومنابرها الإعلامية كان له خط أحمر لم يستطع جورج تجاوزه في حالة الشيعة؛ لأنه يعرف جيدًا أن حزب الله وأذرعه العنيفة لن تقبل بمثل هذا القدر من النقد. اليوم ولبنان يواجه اضطرابات شديدة تطرح نظام المحاصصة الطائفية محل تساؤل، يجب على اللبنانيين أن يتساءلوا: هل البديل سيضمن عدم مغالبة طائفة على أخرى؟

لبنان: بثرة على بشرة .. بين نصر الله وعون والحريري .. هل يريد الشعب إحياء النظام | خالد البري


لبنان.. صقلية الجديدة

الوجودية المسيحية بين بولس ونجيب محفوظ: قراءة في رواية “الطريق” | مينا منير


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك