حالة طارق رمضان | لماذا احتفت دار الإفتاء المصرية بقاضية بريطانيا المحجبة؟ | محمد زكي الشيمي

حالة طارق رمضان | لماذا احتفت دار الإفتاء المصرية بقاضية بريطانيا المحجبة؟ | محمد زكي الشيمي

2 Jun 2020
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لو توجهت لفقيه مسلم وسألته سؤالًا مباشرًا عن حكم تولية المرأة قاضية سيجيب بنسبة تتجاوز 90% برفض الموضوع من الأساس رفضًا مطلقًا؛ استنادًا لنصوص وتفسيرات دينية تبدأ من “الرجال قوامون على النساء” مرورًا بـ “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” وصولًا للاستشهاد بـ “لا نكاح إلا بولي” مع التأكيد على ما تضيفه قواعد الأحوال الشخصية والمواريث، وما يؤكده كون المرأة لم تتول القضاء ولا الولاية السياسية تاريخيًا منذ بداية عهد الدولة في المدينة المنورة.

سيضاف إلى ذلك جدل طويل حول عدم جواز توليها الإمامة الكبرى (أي قمة السلطة التنفيذية) واعتبار القضاء جزءًا من هذه الإمامة العظمى شأنه شأن الإمامة في الصلاة، إلخ.

ولا بأس من التأكيد أن القضاء قد يستلزم خلوة مع الرجال، وهو أمر غير جائز، إلى آخر هذه المقولات المعتادة.

ربط القضاء بالإمامة

المهم أن غالبية الفقهاء يصلون في النهاية لربط إمامة الصلاة بتولي المناصب القضائية بتولي المناصب التشريعية “البرلمانية” بتولي المنصب التنفيذي الأعلى “رئاسة الدولة” بحيث يصبح عمل المرأة في أي من هذه المناصب حرامًا ومرفوضًا.

أما الأقلية فرأيهم ليس أفضل كثيرًا؛ إذ يرون تولى المرأة القضاء في ما تجوز شرعًا فيه شهادتها، بما معناه ألا تتولى القضاء في مسائل الحدود والقصاص؛ ببساطة لأن شهادتها غير مقبولة في هذه المسائل عند الأئمة الأربعة، وجمهور الفقهاء، وبعض أئمة القرون الغابرة، الذين لا يجيزون شهادتها كذلك في النكاح والطلاق.

وإذا اضطر هؤلاء إلى الأخذ بشهادتها، فإنهم يعتبرونها نصف شهادة الرجل، فتنوب امرأتان عن كل رجل ينقص من نصاب الشهادة، استنادًا للآية “فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشُّهداء أَن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأُخرى”.

معنى ذلك أن البعض يقول علنًا في القرن الواحد والعشرين أن شهادة امرأة في جريمة قتل أو سرقة وقعت أمام عينيها لا قيمة لها، ولا توقع حدًا ولا قصاصًا، ثم يبني على ذلك عدم جواز عملها بالقضاء في هذه المجالات.

لاحظ أننا هنا نتكلم عن آراء الفصيل الأكثر اعتدالًا، الذي لم يرفض عملها بالقضاء من حيث المبدأ.

رغم اعتراضهم

الغريب أنه، ومع ذلك، فالقانون المصري مثلًا وبسبب كونه هجينًا من القوانين الحديثة وآراء الفقهاء الدينية، فإنه ولحسن الحظ لا يعتمد هذه القاعدة على طول الخط في المحاكم، ويقبل شهادة المرأة في الجنايات، لكن الأغرب من ذلك أنه وبرغم زوال العلة، فإن الرأي الفقهي المبني عليها برفض توليها القضاء في مسائل الحدود لم يتغير على الإطلاق لدي من قبل مبدأ عمل المرأة بالقضاء.

كيف عملت المرأة بالقضاء في مصر إذن؟ عبر تدخل مباشر من السلطة التنفيذية!

فبعد مهاترات طويلة مع الفقهاء الرافضين لتعيين المرأة من جهة، والقضاة الرافضين من جهة أخرى، عينت مصر المستشارة تهاني الجبالي كأول قاضية، لتُعين بعدها المرأة قاضية للمرة الأولى عامي 2007 و2008، قبل أن تتوقف التعيينات القضائية للمرأة لأكثر من سبع سنوات تالية.

 ومن المعروف أن أحد أكثر الجهات التي خاضت معركة مع الدولة حول رفض تعيين القاضيات  في تلك الفترة كانت هي الحركة المعروفة باسم “استقلال القضاء” والتي ضمت قضاة من ناديي القاهرة الإسكندرية، اتضح لاحقًا أن كثيرًا منهم من المنتمين لأفكار الإخوان المسلمين، وهو بالطبع أمر يبدو متسقًا مع ذاته، لولا أن الإخوان لا يظهرون هذه الضراوة الشديدة حول عمل المرأة قاضية في بلدان مثل تركيا أو تونس، بل يعتبرون ذلك – للمفارقة – من المعالم الدالة على الوجه الحضاري لتركيا.

تعيين المرأة قاضية.. “حالة طارق رمضان”

إذا تركنا كل هذا جانبًا وعدنا لنطالع ضجة السعادة والإشادة التي أثارها تعيين امرأة محجبة قاضية في بريطانيا، وهي رفيعة أو (رافيا) أرشد ، فلا بد أنك ستتأكد أنك تعيش مع مجتمعات وجهات دينية تعاني من انفصام الشخصية؛ إذ إن نفس الجهات التي ترفض وتمنع وتثور على تعيين المرأة قاضية هنا، تهلل لتعيينها قاضية في بلد آخر، ليس لكونها مسلمة، بل لكونها محجبة. فقد سبقتها العشرات من العاملات في المجال القضائي في أوروبا وأمريكا من السيدات من أصول مسلمة وعربية، لكنهن مندمجات في مجتمعاتهن ولسن محجبات.

مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية أشاد بالتعيين واعتبره “محاولة  إيجابية من بعض الدول الأوروبية في التعامل مع المسلمين بعد جائحة كورونا، وخطوة إيجابية في سبيل مواجهة الإسلاموفوبيا وإرهاب اليمين الغربي هناك”.

وبالطبع فلا أحد يفهم علاقة التعيين بفيروس كورونا بما أطلق عليه المرصد “الإسلاموفوبيا” بما أسماه “إرهاب اليمين الغربي”. لكن هذا يتسق مع كونك لن تفهم أن دار الإفتاء التي يتبعها المرصد هي ذاتها التي تفتي بعدم جواز تعيين المرأة قاضية في الحدود (قضايا الجنايات)، بعدما أُجبرت سابقًا على قبول تعيينها في بقية أنواع القضايا.

وبالمثل، فاحتفاء جمهور مجاهدي إسطنبول والدوحة بالخبر سيثير استغرابك؛ من حيث كونهم باستمرار أيضًا يرفضون تعيين المرأة قاضية بشكل شبه مطلق أصلًا.

والخلاصة إذن في هذا كله أن ما يمكن أن نسميه “حالة طارق رمضان الفكرية” بكل تناقضاتها وادعائها وازدواجيتها هي ما يتحكم في المشهد السياسي.

فكل شيء متحضر إذا حاولنا أن نصلح به بلادنا وأن نرتقي بها على سلم الحضارة فهو حرام، وكل شيء من ذات النوع مباح خارج بلادنا، إذا كانوا سيأخذون به “لقطة” جميلة أمام الغرب، حتى ولو كانت لا تعبر عن قناعاتهم، والشرط الأساسي لهذه اللقطة ليس سوى حجاب لا غير، فلا ناقشوا كفاءتها القانونية، ولا استحقاقها كامرأة مسلمة لهذا، ولا مرونة النظام القضائي البريطاني الذي سمح لها بهذا، ولا تعيين عشرات المسلمين والمسلمات هناك كقضاة منذ سنوات في مقابل رفض تعيين محافظ أو معيد جامعي مسيحي في بلدان أخرى لمجرد اختلاف الديانة.

كل هذه النقاشات يجبها كلها ارتداء الحجاب في لندن.

ليس هذا المشهد العبثي كله إلا دليلًا جديدًا على كون الحجاب كان ولا يزال رمزًا سياسيًا لتيار سياسي يمثل حالة الجمود الفكري المستنكر لأي شكل من أشكال الحداثة والحضارة، والذي يعاني في الوقت ذاته من عقدة نقص تجعله يقبل كل ما يرفضه، فقط إذا حدث من “أسياده” سواء كانوا في لندن أو إسطنبول.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك