وثائق صادمة عن حرب أكتوبر: مع من تحالفت موسكو وواشنطن؟ وكيف ردت السعودية؟ | مينا منير

وثائق صادمة عن حرب أكتوبر: مع من تحالفت موسكو وواشنطن؟ وكيف ردت السعودية؟ | مينا منير

21 Aug 2019
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

الشرق الأوسط
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

في العامين الماضيين، رفعت المخابرات الأمريكية وسم السرية عن دفعات من وثائقها الخاصة بقضايا مثل ثورة يوليو 1952 التي تعرضنا لها في مقالٍ سابق، ومعارك مثل حرب أكتوبر 1973.

إلا أن دفعة جديدة من الوثائق التي رفعت الحجب عنها منذ أيام، وأودعتها أرشيف الأمن القومي الأمريكي، تكشف بعدًا مثيرًا في قضية حرب أكتوبر وهو: ما الذي أرادته الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي فعلًا من الحرب؟

يظهر ذلك صراحةً في مكالمات سرية جمعت وزير خارجية الولايات المتحدة حينها هنري كسنجر والسفير السوفييتي في الأمم المتحدة أناتولي دوبرينين.

تُظهر تلك المكالمات أن القوتين العظمتين كانتا تمتلكان أهدافًا أخرى لا تتفق بالضرورة مع حليفيهما في المعركة، الأمر الذي أثار جدلًا واسعاً هذا الأسبوع، التقطته فورين بوليسي في أمريكا، وهاآرتس في إسرائيل، في تساؤلٍ واضح حول كون الولايات المتحدة حليفا حقيقيا لإسرائيل.

في هذا المقال سنعرض ما كُشف من الوثائق أخيرًا.

كسنجر ورئيس في حالة سكر

في فجر السادس من أكتوبر، تكشف برقية “عاجلة جدًا” من كسنجر لغرفة العمليات في البيت الأبيض إعلام المخابرات الحربية الإسرائيلية له بأن لديهم معلومة مؤكدة بأن مصر وسوريا سيتحركان خلال ساعات.

الصورة التي نجدها في مراسلات كسنجر أو حتى في مذكراته تقول إن كسنجر لم يهتم كثيرًا بتلك التحذيرات، معتبرًا أن حركة الجيوش العربية مجرد مناورة أخرى. هذا الانطباع سخره لإثناء إسرائيل عن شن أي ضربة استباقية.

الوثيقة تكشف أن الرجل تملكه الذعر لاحقا بعدما علم بأن معلومات إسرائيل تأتي من مصدر فوق الشبهات، سنعرف لاحقًا أنه أشرف مروان.

أشرف مروان من الزاوية الأخرى: كتاب إسرائيليون يؤكدون أنه خدع إسرائيل خدعة كبرى

هذه الحالة جعلته يبرق رسائل في كل اتجاه، ويصل إلى مصر وسوريا اللتين أقنعتاه بالطبع أنهما لا تنويان الهجوم. هذه الصورة الهستيرية – المناقضة لما أوصله إلى إسرائيل – جعلت الصحف الإسرائيلية تتساءل حول نية كسنجر بالفعل.

المثير للسخرية أن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون كان في حالة سكر في محادثة كسنجر له لاحقاً، الأمر الذي جعل الأخير يفقد القدرة على التواصل معه بكفاءة ما دفعه للتواصل مع مدير مكتبه.

السعودية تكبح كيسنجر

نلتقط من هذه الوثيقة خيطًا آخر، عن موقف المملكة السعودية: كسنجر حاول توسيط السعودية لكبح جماح الطرف العربي حال وجود احتمال لنشوب الحرب. أتى رد السعودية متأخرًا، في التاسعة من مساء السادس من أكتوبر، برسالةٍ مقتضبة وواضحة: اختارت السعودية الوقوف في صف مصر وسوريا.

السفير الصيني

في نفس توقيت وصول برقية الملك فيصل يوم السادس من أكتوبر التقى كسنجر في مكتبه سفير الصين هوانج تشن. مرة أخرى حاول كسنجر إيصال صورة الثقة في النفس والهدوء (الذي يناقض مراسلاته السابقة)، والألطف كان ردود السفير الصيني الذي يبدو أنه لم يأخذ انطباعات كسنجر محمل الجد، بعدما أبلغه كسنجر أنه فقط أراد إعلام الصين بما يحدث.

يسرد كسنجر في مقاطع طويلة ما تراه الولايات المتحدة. مؤكدًا أنه هادئ! بينما يرد السفير الصيني بعبارات قصيرة وواضحة، الأمر الذي يبدو أنه استفز كسنجر فرد عليه السفير الصيني: أنا لا أعلق لأن موقفنا واضح.

أسوأ الكوابيس

مع كل تقرير من المخابرات مستعينًا بتقديرات الموقف الإسرائيلية، يظهر أن ما اعتقدوه من أن إسرائيل ستحسم الوضع وتعود للقناة في ثلاثة أيام كان أمرًا مستبعدًا.

في الثالث عشر من أكتوبر يطلق كسنجر تحذيرًا للسفير السوفيتي أناتولي دوبرينين بأن أمريكا ستتدخل عسكريًا إن لم يكن هناك حل يحقق العودة لحدود ما قبل 6 أكتوبر. وبالفعل تتزامن البرقية مع إطلاق عملية Nickel Grass المعروفة بالجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل.

هنا يصل كسنجر للثامن عشر من أكتوبر وقد بلغ مبلغ الشك في مجريات الأمور. ما عاد الرجل قادرًا على إبلاغ الأطراف الأخرى بأن إسرائيل ستنهي المسألة سريعًا، وأن العودة لطاولة المفاوضات وحدود ما قبل 6 أكتوبر أمر واقع.

الأهم في ذلك أن الطرفين اتفقا على حقيقة أن الجسر الجوي والثغرة لم يغيرا الواقع العسكري الذي فرضه على الأرض الحضور العسكري المصري على الضفة الشرقية، عكس الأصوات التي تتحدث اليوم عن فشل العملية العسكرية في السادس من أكتوبر.

لغة الثقة تبددت، واضطر كسنجر للحديث مع دوبرنين بلهجة جديدة. في الحديث الدائر بينهما يقول كسنجر إن أسوأ الكوابيس أن ينتصر طرف على آخر، أيًا كان ذلك الطرف، ليرد دوبرنين مؤكدًا على ذلك.

في حرب أكتوبر.. من دعم من؟

هنا يأتي السؤال: إذا كان الطرفان يدعيان دعم حليفيهما في الحرب، ما الذي يجعلهما ضد فكرة انتصاره؟ يرى المحللون أن القضية مرتبطة بفكرة أن التحالف نفسه غير حقيقي. يبدو أن قراءة السادات لطبيعة الدور السوفييتي حقيقة أثبتها الزمن والوثائق؛ فالإقصاء الفعلي للسوفييت بدا مبررًا في ضوء اعتبار دوبرنين انتصار مصر كابوسًا.

وبينما لا يبدو الأمر صادمًا بخصوص مصر بسبب سياسة السادات مع السوفييت، فإن الوثائق تكشف أن كسنجر لم يكن هذا الحليف الدافئ للإسرائيليين طوال الوقت، ففكرة انتصار إسرائيل دون الحاجة للدعم الأمريكي أخافته؛ لأنها تخرج إسرائيل من دائرة التأثير الأمريكية، الأمر الذي اعتبره “كابوسًا”.

تلك المراسلة كان لها واقع الصدمة على الصحافة الإسرائيلية، أما الساسة فبالتأكيد يعلمون أن التحالفات دائمًا ما تكون محدودة وخاضعة للأهداف القومية أولًا وأخيرًا.


شكوك مصرية: هل كان رفعت الجمال عميلًا مزدوجًا؟ | مينا منير

حقيقة رأفت الهجان بين التاريخ والسياسة: ١- الرواية الإسرائيلية

رأفت الهجان بين الحقيقة والخيال: ٢- ملف المخابرات المصرية الذي أبكى صالح مرسي| دقائق.نت


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك