ألغاز تراثية (7)- زواج المتعة بين السنة والشيعة.. خلاف سببه الدوافع السياسية | هاني عمارة

ألغاز تراثية (7)- زواج المتعة بين السنة والشيعة.. خلاف سببه الدوافع السياسية | هاني عمارة

26 Jan 2020
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

إيران
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة

العبارة السابقة وردت في “أحكام القرآن” للقاضي الأندلسي ابن العربي المالكي، في تفسيره لآية “فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن” عن مسألة زواج المتعة. وجه الغرابة عند ابن عربي أن زواج المتعة أُحل وحُرم مرتين حسب الرواية الرسمية لأهل السنة. ولا يُعرف أن مسألة أخرى في الشريعة نُسخت مرتين.

الغرابة لا تتوقف هنا. تمتد للشد والجذب المتطرف بين السنة والشيعة في المسألة. فما هو السر وراء هذا التشدد والتشدد المضاد في هذه المسألة بين المذهبين؟

3 إباحات وتحريمات

زواج المتعة هو الزواج المحدد بمدة وأجر. المؤرخون اختلفوا حول تطبيق نظامه قبل الإسلام. لكنها في العموم كانت مباحة في فترات حروب النبي محمد بعد تأسيس دولته في المدينة.

ويبدو أن السبب الأساسي لإقرار زواج المتعة كانت الحروب التي تتطلب سفرًا يترك فيها المحارب زوجته. فأراد المشرع سد حاجته لعلاقات جنسية بصورة مؤقتة لكنها مشرعنة.

في تلك الفترة، واجه مشروع النبي محمد لتوسيع الدولة عدوين رئيسيين:

اليهود: وعاصمتهم خيبر، التي كانت في تلك الوقت مدينة يهودية خالصة تضم أكبر تجمع لليهود في منطقة الحجاز.

قبيلة قريش: ومقرهم مكة، وهي مركز القيادة الدينية للعرب.

بعد غزوة خيبر، والقضاء على العدو الأول، أعلن النبي محمد التحريم الأول لزواج المتعة في العام السادس للهجرة، قبل إباحته مجددًا في توقيت لم تحدده الرواية. ثم أعيد تحريمه بعد فتح مكة والقضاء على العدو الثاني، والسيطرة على مركز القيادة الدينية للعرب، في العام الثامن للهجرة.

التحريم النهائي تأكد في حجة الوداع في العام العاشر للهجرة، بحسب بعض المرويات، لكن بعض الصحابة استمروا في ممارسة زواج المتعة بعد وفاة النبي محمد؛ باعتبارها “رخصة خاصة خالصة” من النبي لأصحابه، قبل تحريمها قطعيًا في عهد عمر بن الخطاب، وإقامة الحد على من يمارسه باعتباره زنا.

ويتشدد أهل السنة في القول بتحريمها النهائي، وسد كل باب لفعلها ولو على سبيل الرخصة، ويغالون في تأويل النصوص الواردة في إباحتها لدرجة القول بنسخها مرتين.

التحليل الشيعي

أما الشيعة فيبالغون في إباحة زواج المتعة بصورة تكاد تؤصلها كأصل من أصول الدين في مذهبهم، تتجاوز مسألة الإباحة أو الفرعية إلى الفضيلة التي يحثون أتباعهم عليها، بدرجة إدراج روايات في كتبهم منقولة عن أئمتهم بأن “من لم يتمتع فليس من الشيعة” أو “من مات ولم يتمتع فذلك نقصان في دينه” وصنفوا المصنفات والأبواب والفصول والفروع فيها وفي فقهها وفضائلها.

ويعتقد الشيعة أن النبي محمد أحل زواج المتعة، ولا يعترفون بالروايات الواردة من طرق أهل السنة في تحريمه أو نسخه، ويرون أن الذي حرمه هو عمر بن الخطاب بشخصه.

وينص الفقه الشيعي على أن زواج المتعة عقد زواج محدد بمدة ولو لساعة، بمقابل مادي، ولا يحتاج شهودًا ولا طلاقًا؛ لأنه ينتهي تلقائيًا بانتهاء المدة، ولا يترتب عليه ميراث أو نفقة، وعدته حيضة واحدة، وليس له حد في التعدد، فيجوز التمتع بأكثر من أربعة.

وتكثر الروايات عن أئمة الشيعة في فضائله وثوابه وأحكامه والحث عليه، ويعتبرونه من ضروريات مذهبهم.

ورغم ورود روايات عن بعض أئمتهم في تحريمه، لكنها محمولة عندهم على التقية؛ أي أنها قيلت بخلاف الحقيقة عندهم خوفًا من بطش السلطة.

المتعة والجهاد والسلطة

بمراجعة الرواية السنية لتحولات زواج المتعة يلاحظ اقترانه بحروب بناء الدولة، وتحريمه بتحقيق الهدف وانتهاء المرحلة الحربية.

يلاحظ أيضًا فيه أن الأذن به يكون من الحاكم بحسب تقديره. ومنه يُفهم قول عمر بتحريمها بصفته الحاكم كمشرع موازٍ للنبي محمد.

كان من الممكن للفقهاء السنة بدلًا من التحريم المطلق القول إن زواج المتعة يباح للجهاد أو للضرورة بدلًا من “نظرية النسخ المتكرر” الغريبة لتبرير التحريم النهائي، لكننا سنعرف السبب لاحقًا.

في عصر عمر بن الخطاب، استقرت السلطة والدولة بصورة لا يمكن قهرها، وتحول الجهاد إلى فرض على الكفاية كمطلب إضافي على سبيل التوسع لا فرض عين لبناء الدولة كما كان في عهد النبي محمد الذي لم تكن الدولة قد دخلت طور الاستقرار وقتها، بالتالي لم تعد الحالة تقتضي تشريعًا لمتعة المجاهدين بصورة ملحة، بل أصبح المطلوب عقود زواج دائمة بما يتبعها من استقرار مجتمعي ومحدودية الحركة المكانية كرمز للسلطة المستقرة، بينما زواج المتعة بتقلباته وطبيعته المؤقتة رمز للسلطة المتحولة أو المتكونة أو الانتقالية.

ألغاز تراثية (5) – الحجاب.. قراءة مختلفة في آيتي الإدناء والقرار | هاني عمارة

وبناءً على ما سبق يكون السؤال: بعد استقرار الدولة من يحتاج تشريع لمتعة للمجاهدين لبناء دولة جديدة؟

نعم. الإجابة من الداخل: هي الحركات السرية المعارضة داخل الدولة.

تعتمد تلك الحركات على نشر العملاء السريين في الأقاليم للدعوة السرية ضد السلطة. وهو عمل موازٍ للجهاد الحربي للدولة الناشئة، حيث يترك الداعية السري أهله، ويتجول بين البلدان، ويعاني نفس المشكلة الجنسية بسبب كثرة الترحال والإقامة المؤقتة، بما يحتاج معه لتشريع من الزعيم الديني للجماعة السياسية الدينية المعارضة يسمح له بالعلاقات الجنسية المؤقتة.

هنا يظهر السر المكتوم حول زواج المتعة الذي فهمته السلطة والمعارضة (السنة والشيعة)؛ إذ يتيح إباحة زواج المتعة للدعاة السريين التنقل بين الأقاليم دون التنازل عن رغباتهم الجنسية، وهو ما يقتضي التحريم من السلطة، والتمسك والتقديس من المعارضة.

وهنا سنفهم لماذا تشدد أهل السنة الممثلين للسلطة في تحريم زواج المتعة لمنع الدعاة السريين للشيعة من التجول والانتشار داخل المدن والقرى، والتحريم الرسمي يضع كل من يروج لهذا الفعل او يفعله في موضع اتهام كمعارض يعمل ضد السلطة.

وسنفهم أيضًا تقديس الشيعة لزواج المتعة، والروايات الغريبة عندهم فيه وفي الحث عليه واعتباره من أركان الدين؛ لأنه وسيلة مهمة للمعارضة السرية المعتمدة على التقية ونشر العملاء السريين في أرجاء الدولة.

يبقى السؤال عن عبد الله بن عباس ودلالة موقفه.

رمزية التحول العباسي

في الرواية السنية هناك إجماع على تحريم المتعة والتزام الصحابة بالتحريم النهائي الذي فرضه عمر بن الخطاب، باستثناء شخص، وهو الصحابي الصغير عبد الله بن عباس. وتتضارب الرواية عن ابن عباس في المسالة ما بين كونة يبيح المتعة ويصر على رأيه حتى وفاته، والرواية الثانية أنه تراجع عنها بعد مراجعة الصحابة له.

روي عن ابن عباس أنه سئل عن زواج المتعة فقرأ: “فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى”، ثم قال: “والله لأنزلها الله كذلك”.

وروي عنه أيضًا:

روي عن حبيب بن أبي ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفًا، وقال: هذا قراءة أبي، وفيه مثل ما تقدم، ولم يصح ذلك عنهما، فلا تلتفتوا إليه.

 فما سر هذا التضارب عنده تحديدًا؟

تضارب الرواية عن عبد الله بن عباس، جد الخلفاء العباسيين، في زواج المتعة هو العنوان الصحيح، وكلمة السر لتحول العباسيين من المعسكر الشيعي والعمل السري ضد الأمويين، إلى المعسكر السني بعد استيلائهم على السلطة وقمعهم المعارضين والدعاة السريين الشيعة.

ففي فترة نشاط الدعاة السريين العباسيين، انتشر القول بإباحة زواج المتعة منسوبا لجدهم الأكبر، وحينما استقر الأمر لهم، تمسك الشيعة بالمسألة لقرارهم مواصلة العمل السري ضد العباسيين، بينما خرجت الرواية بتراجع ابن عباس عن التحليل وقوله بالتحريم، معلنة نهاية العمل العباسي السري وتحولهم للسلطة والفقه السني وبقيت الرواية والرواية المضادة في الكتب شاهدة على هذا التحول.


ملف ألغاز تراثية في دقائق


ملف أفخاخ الإسلاميين في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك