في 1957، تزوج ضابط شاب من من اللاذقية يدعى حافظ الأسد فتاة من الساحل تدعى أنيسة مخلوف.
حينها، لم تكن الطائفة العلوية التي تجمعهما تتمتع بأي نفوذ في سوريا ذات الأغلبية السنية. لكن عائلة مخلوف كانت ضمن عائلات قليلة ثرية بين أبناء الطائفة العلوية.
بدا الأمر مناسبًا: طموح الأسد يدخل في تحالف مع قوة آل مخلوف. وبالفعل، حين وصل الأسد إلى السلطة بانقلاب في عام 1970، كانت العشيرتان تديران البلاد كشركة عائلية، جذبت الطائفة العلوية من الهامش إلى مركز السلطة في سوريا.
توفي حافظ الأسد، وورثه ابنه بشار، لكن دعم عائلة مخلوف المالي لسلطة الأسد لم يتوقف، خصوصًا مع اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011، والتي بدا لوهلة أنها على وشك الإطاحة بنظام بشار من السلطة.
عشيرة مخلوف أكبر من عائلة الأسد، وهي جزء من قبيلة الحدادين القوية. وخلال سنوات الحرب، عمل رامي مخلوف على ضمان ولاء القبيلة. في 2012، شكل جمعية البستان، وهي منظمة خيرية ذات جناح مسلح، لحماية أقربائه ورعايتهم. وإمداهم بما يحتاجونه من الطعام والرعاية الصحية والوظائف.
لكن الإيكونوميست تقول إن نفوذ عائلة مخلوف السياسي بدأ يتراجع في 2016، مع وفاة أنيسة مخلوف، والدة بشار الأسد.
بدا أن الأمور تتحرك ضد عشيرة مخلوف منذ فترة. بعد نصف قرن من الزمان، تداعت الشراكة.
في ديسمبر 2019، بدأت الحكومة السورية الاستيلاء على أصول ابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف، مشيرة إلى "مخالفات جمركية". لتصل الأمور ذروتها الشهر الماضي عندما داهمت أجهزة الأمن مقرات سيريتل، أكبر مزود لشبكات الهاتف المحمول في سوريا، والمملوكة لمخلوف.
ألقت القبض على كبار المديرين، وطلبت ما لا يقل عن 170 مليون دولار في رسوم الترخيص، فيما يقول الأسد إنه "جزء من حملة لمكافحة الفساد".
رامي مخلوف ظهر بعدها في مقاطع فيديو متهمًا ابن عمته الرئيس بمصادرة ممتلكاته، وشاكيًا من أن قوات الأمن - التي كان يرعاها منذ فترة طويلة - يعاملون موظفيه بطريقة "غير إنسانية" و"يهاجمون حريات الناس".
تقول الإيكونوميست إن وفاة أنيسة مخلوف رفعت غطاء الحماية عن عشيرة مخلوف من ناحيتين:
١- ابن العمة ماهر الأسد، الشقيق الأصغر للرئيس وقائد الحرس الجمهوري، بدأ التحرك نحو الاستحواذ على إمبراطورية رامي مخلوف التجارية.
٢- أرادت أسماء الأسد، زوجة الرئيس، تمكين زمرتها الخاصة، وتعزيز آمال ابنها حافظ، البالغ من العمر 19 عامًا، في وراثة ملك أبيه.
أسماء باتت سببًا في تصدع علاقة بشار بأخواله العلويين الذين يعتبرون مخلوف حاميهم، والذين يشعرون بالتهديد، وينظرون للتطورات بغضب. يهددون النظام بزعزعة الاستقرار إذا تعرض رامي لمطاردات أمنية. يقولون إن الأسد يتخلى عن طائفته لحساب التجار السُنة القريبين من زوجته (السنية أيضًا) أسماء الأسد.
يعتبرون أنهم فقدوا أحباءهم في معركة طويلة خاضوها من أجل الأسد، لذا لا يمكنهم التسليم بقبول تسليم غنائم الحرب للسنة، الذين تمرد العديد منهم ضده، بحسب أحد شركاء مخلوف.
في الظروف العادية يستطيع النظام السوري اعتقال "أو قتل" من يريد من معارضيه لكن عشيرة مخلوف تمثل الاستثناء. فأفرادها ليسوا أقارب بشار الأسد وحسب بل هم عائلة لها تحالفات أقوى من عائلة الأسد داخل الطائفة العلوية، ورامي مخلوف أحد أهم الأسماء على قائمة أصدقاء إيران في سوريا.
إيران، التي تدعم النظام، تتطلع بقلق. يقول شريك مخلوف إنه "كان دائمًا على مقربة من الإيرانيين".
لكن "وضع كل البيض في السلة الإيرانية" لم يخدم مخلوف كثيرًا. إيران نفسها لديها مشاكل أكبر. اغتيال قاسم سليماني، ذراعها الطويل في العمليات خارج حدودها، وتزايد المشاكل المالية، جعلا من الصعب عليها الحفاظ على موقعها في سوريا، بينما تكثف إسرائيل ضرباتها الجوية ضد القواعد الإيرانية في البلاد وتقول إن إيران تتراجع.
روسيا، التي تدعم الأسد أيضًا، أكثر سعادة برحيل إيران، حيث تريد أن تستفيد شركاتها وحدها من عقود إعادة الإعمار في سوريا.
بهذا الاتجاه، تقول الإيكونوميست إن روسيا لم تتدخل "أو ربما سهلت" الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. أحد المؤشرات أن منظومة الدفاع الجوي إس 300 لم تتصد للصواريخ الإسرائيلية.
بجانب ذلك، حركت روسيا قواتها إلى المناطق المهمة التي سيطرت عليها القوات المدعومة إيرانيًا، واستبعدتها من المفاوضات بشأن شمال سوريا ، حيث يواصل المتمردون المدعومون من تركيا السيطرة على الأراضي من ناحية، ويواصل الأكراد محاولات تأسيس دولتهم المستقلة من ناحية أخرى
على عكس العلويين وإيران فإن روسيا الحليف الأخر لبشار الأسد لن تحزن على تراجع نفوذ مخلوف بل ترى فيه فائدة سياسية واقتصادية فمن جهة ستنفرد موسكو بالنفوذ السياسي ومن جهة تنفرد الشركات الروسية بعقود إعادة إعمار سوريا بعد الحرب وتستبعد منها الشركات الإيرانية.
الإيكونوميست نفسها ذكرت مؤشرات التباعد بين موسكو وطهران فمن جهة لا يبدو أن منظومة صواريخ s-300 الروسية تفعل أي شئ لصد الصواريخ الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا.
كذلك تعمل روسيا على وضع جنودها في مواقع معينة مهمة لإيران واستبعاد هذه المناطق من طاولة المفاوضات.
وكل هذا بالتزامن مع ورطة نقص الأموال التي تضخها إيران في عملياتها العسكرية منذ مقتل قاسم سليماني في يناير الماضي، وهذا يعني أن إيران وفريقها مضطر للقبول باستمرار بشار الأسد.
لكن حتى موسكو لديها أسباب للغضب من بشار الأسد، فبينما تعمل روسيا على دفع النظام السوري للتفاوض مع المعارضين، حتى تبدأ موسكو بإقناع الغرب بتمويل عملية إعادة إعمار سوريا، فإن النظام السوري مازال يرفض التفاوض، وبحسب الإيكونوميست يصفه الدبلوماسيون الروس بعميل غير مطيع.
بعض التقارير تشير إلى أن الرئيس الروسي بوتين ربما يفضل لو كان يتعامل مع شخص أخر غير بشار الأسد، لكن لا يوجد بديل للرئيس السوري.
مع كل تلك الفوضى، يعتقد البعض أن بشار الأسد قد يكون أكثر استعدادًا للتفاوض على حل سياسي في سوريا، خصوصًا مع رغبة روسيا في الوصول إلى تسوية تنجح من خلالها في إقناع القوى الغربية بالمساعدة في تمويل إعادة الإعمار.
يقول المتفاءلون إن الأسد قد يقبل في هذا الوضع بدستور جديد يفوض السلطات لرئيس وزراء أكثر استعدادًا للتصالح قبل الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
لكن الإيكونوميست تقول إن الأسد يبدو عنيدًا تمامًا كما بدا دائمًا. تضيف أن الدبلوماسيين الروس يعتبرونه موظفا دائم الاعتراض. انتقاده يتزايد في وسائل الإعلام الروسية. تشير بعض التقارير إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين يفضل التعامل مع شخص آخر. لكن لم يظهر أي بديل.
"بغض النظر عن مدى النفور من الأسد بين حلفائه - وشعبه - يبدو أنهم جميعًا عالقون معه"، تختتم الإيكونوميست.